كيف تقضي الدببة فترة السبات دون الإصابة بالجلطات الدموية

لا تُصاب الدببة البنية خلال فترة السبات بالجلطات الدموية التي قد تصيب الأشخاص غير القادرين على الحركة ولو فترةٍ مؤقّتة. ويعتقد العلماء الآن أنهم يعرفون كيف تفعل الحيوانات ذلك.

على الرغم من قضائها فترة السبات لأكثر من نصف عام وفي درجات حرارة شديدة البرودة، إلا أن الدببة البنية (Ursus arctos) لا تزال تتمتع بصحة جيدة.

ونادرًا ما تعاني تلك العمالقة الخاملة من أمراضٍ، مثل: جلطات الدم التي يُصاب بها البشر الذين يعانون فقط من نوباتٍ مؤقتة من عدم الحركة غالبًا ما تكون مميتة. يقول ‘توبياس بيتزولد’ طبيب الأمراض القلبيّة في المركز الألماني لأبحاث القلب والأوعية الدموية: “غالبًا ما يكون المرضى الذين يأتون إلى المستشفى بساقٍ مكسورة عرضةً للإصابة بالجلطات الدمويّة، ولكن على نقيض ذلك فإنّ الدببة البنية التي تستلقي لبضعة أشهر لا تصاب بالجلطات”.

حدد بيتزولد وزملاؤه في دراسة جديدة نُشرت يوم الخميس في دوريّة العلوم، ‘بروتينًا’ يحمي الدببة من التخثّر الخطير الذي يمكن أن يمنع تدفق الدم أثناء نومها الشتوي الطويل.

ولتحديد كيفيّة حفاظ الدببة الخاملة على ضخ الدم خلال أشهرٍ من السبات، دخل بيتزولد وزملاؤه في شراكةٍ مع علماء الأحياء الذين يدرسون مجموعة من الدببة البنية في السويد.

جمع علماء الأحياء عيّناتٍ من الدم تعود ل13 دبًا كانوا في حالة سباتٍ في أوكارهم خلال فصل الشتاء. وفي الصيف، جمعوا دماءً إضافية من نفس الدببة بعد إطلاق السهام المهدئة عليها من طائرة هليكوبتر.

ثم أخضع الباحثون هذه العينات لمجموعة من اختبارات فحص الدم، واكتشفوا أنّ كميات أكثر من 150 بروتينًا تختلف اختلافًا كبيرًا بين دم الدببة التي كانت في حالة سبات والدببة النشطة، والموجودة على البروتينات في الصفائح الدموية (مكونات الدم التي تسبب التخثر). وكان بروتين الصفائح الدموية المتباين بين الدببة النشطة والدببة التي كانت في سبات هو بروتين الصدمة الحرارية 47 (HSP47).

يستقطب بروتين HSP47 إنزيم يسمى الثرومبين الذي يساعد الصفائح الدموية على الالتصاق ببعضها البعض، مسببةً حدوث الجلطات.

ففي الدببة النشطة، يساعد HSP47 على التئام الجروح ووقف النزيف، بينما الدببة التي تدخل حالة السبات، والتي تكون دافئة في أوكارها لا تستفيد من بروتين التخثر هذا إلا بكميّةٍ قليلة.

وأنتجت الصفائح الدموية للدببة في السبات بروتينات HSP47 أقل ب 55 مرة في المتوسط من تلك الموجودة في الدببة النشطة.

تقول مانويلا ثينيل، المؤلّفة الرئيسية للبحث والتي تعمل أيضًا في المركز الألماني لأبحاث القلب والأوعية الدمويّة: “لم نسمع الكثير عن هذا البروتين، وفوجئنا تمامًا باكتشاف تأثيره الكبير، كما أنّ خفض مستويات هذا البروتين من الممكن أن يقلل من تكتل الصفائح الدموية معًا، ويقيّد تدفق الدم”.

وتوافق ميرتا شاتنر، عالمة الأحياء في مختبر التجلط التجريبي والبيولوجيا المناعية للالتهابات في معهد الطب التجريبي في الأرجنتين، على ذلك قائلة: “هذا التفاعل الخلوي لبروتينات HSP47 مفيد عندما يكون محدودًا، وهو مهم جدًا لاحتواء العدوى والالتهاب”، علمًا أنها لم تشارك مع فريق البحث ولكنها كتبت تعليقًا على الدراسة الجديدة في مجلة العلوم.

ولتحديد ما إذا كانت هناك آلية مماثلة تمنع تخثر الدم لدى البشر الذين يعانون من عدم الحركة المزمن، قارن الباحثون عينات الدم من المرضى الذين عانوا من إصابات العمود الفقري المنهكة مع عيّنات من نظرائهم النشطين.

وبالنتيجة، كان دم المرضى الذين يعانون من عدم الحركة المزمن يحتوي على عدد أقل من بروتينات HSP47 المنتشرة، مثل دم الدببة التي تدخل في السبات. تقول شاتنر: “إن تقليل تنظيم HSP47 أثناء سبات الدببة أو المرضى الذين يعانون من شللٍ مزمن يقلل من التهاب الخثار، وبالتالي يقلل من خطر تجلط الدم”.

كما جمع الفريق الدم من الكثير من الأفراد الأصحاء قبل مشاركتهم في دراسةٍ تديرها وكالة ناسا ومركز الفضاء الألماني لمحاكاة رحلات الفضاء لمدة شهر. وبعد أن أخذ المشاركون 27 يومًا من الراحة في الفراش جمع الباحثون مجموعة أخرى من العينات لمعرفة كيف أثّر الشلل المطول على وظائف الأعضاء لديهم. واكتشف الفريق أن الصفائح الدموية للمشاركين بدأت في إنتاج HSP47 بكميّةٍ أقلّ بكثير على مدار الفترة التجريبية لعدم الحركة.

وجد الباحثون نمطًا مشابهًا في دم الخنازير المحدودة الحركة والفئران المولدة في المختبر.

ويفترضون أن تقليل إفراز بروتينات HSP47 قد يكون آلية تستخدم في الثدييات لمنع التجلط خلال فترات الراحة الطويلة. ولكن يبدو أن هذا النهج يستغرق وقتًا ليتطور لدى البشر إذ يكون الأشخاص الذين يعانون عدم الحركة على المدى القصير من المرض أو الإصابة، أكثر عرضة للتخثر من الأشخاص الذين يعانون عدم حركةٍ مزمنًا، مثل الذين يواجهون إصابات في الحبل الشوكي.

يقول بيتزولد: “إنّ النتائج الجديدة تسلّط الضوء على < <كيف يوفّر فهم بيولوجيا الدببة والحيوانات الأخرى نظرةً ثاقبة حول طريقة عمل جسم الإنسان> >، ومن خلال النظر في كيفية حماية الدببة التي تدخل في السبات في الطبيعة لنفسها من الجلطات، نعلم الآن أن البشر يفعلون الشيء نفسه لمنع تجلط الدم”. وبلتالي يمكن أن تلهم العلاجات الدقيقة لمنع التجلط لدى المرضى الذين يعانون من عدم الحركة المؤقتة.

  • ترجمة: رنا السوقي
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1