تتخلّى الحيتان عن الغناء لجذب الأزواج

في ستينيات القرن العشرين لم يكن هناك سوى 200 حوت ضخم في العالم، ومنذ حظر صيد الحيتان ارتفع عددها وتجاوز الآن 20000 حوت، أي زيادة بمقدار مئة ضعف خلال ستة عقود فقط.

هذا النمو الكبير تسبب في تغييرات اجتماعية كبيرة للحيتان، ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة الاتصالات البيولوجية Communications Biology فإن الحيتان حوّلت استراتيجية التزاوج المفضلة لديها من الغناء إلى القتال.

قالت ريبيكا دنلوب Rebecca Dunlop الأستاذة المشاركة في الفسيولوجيا بجامعة كوينزلاند والمؤلفة الرئيسية للدراسة: “إنه تغييرٌ كبير في السلوك، لذلك لا يعدُّ البشر هم وحدهم من يتعرّض لتغييرات اجتماعية كبيرة عندما يتعلق الأمر بطقوس التزاوج”.

نشرت دنلوب وزميلتها سيلين فرير Celine Frere في الدراسة بيانات تعود لما يقارب عقدين من الزمن، من عام 1997 إلى عام 2015، إذ وجدوا أنه في بداية مراقبتهم كانت فرص تزاوج الحيتان الذكور الذين يغنون ضعف فرص تزاوج الذكور الذين لا يغنون.

ومع ذلك في نهاية الدراسة ازدادت فرص التزاوج لذكور الحيتان التي اختارت العراك مع الذكور الآخرين بدل الغناء بشكلٍ كبير، حيث كانت فرصهم أكبر بخمس مرات من فرص الحيتان التي تغني في محاولةٍ منها للتزاوج.

التكيف أو الموت

يقول المؤلفون أنه إذا لم تغير الحيتان سلوكها فإنها لن تقدر على الاستمرار بوجود تقنية القتال هذه وقد تنقرض بشكلٍ متناقض.

تعدّ المنافسة عنصرًا أساسيًا في التزاوج والتي كانت ستصبح أشرس بسبب الارتفاع الحاد في عدد الحيتان، فعلى الرغم من أن الغناء يجذب الإناث إلا أنه ينبه أيضًا الذكور الأخرى بوجود مرشحٍ محتمل، لذا قد يؤدي استبدال الغناء بتكتيك أكثر تحفظًا إلى تحسين فرص الذكور في الاحتفاظ بالإناث.

بالطبع لا يأتي التنافس الجسدي دون مخاطر، مثل: الاصطدام والهجوم وضرب الرأس، التي قد تؤدي إلى حدوث الإصابات.

ومع ذلك تشير البيانات إلى أن الذكور على استعداد لتحمل هذا الخطر.

أضافت جوديث دينكنجر Judith Denkinger -أستاذة في كلية العلوم الطبيعية والأحياء في جامعة سان فرانسيسكو دي كيتو في الإكوادور والتي لم تشارك في الدراسة- سببًا آخر محتمل لتغير السلوك فتقول: “أستطيع تصوّر أن التلوث الصوتي في المحيط قد تسبب في ذلك أيضًا”.

بينما قد يبدو توسيع هذا البحث ليشمل أنواعًا أخرى من الحيتان خطوةً واضحة نحو الاتجاه الصحيح، وأوضحت دينكنجر أن الأمر قد لا يكون بهذه البساطة بقولها: “لدى الحوت الأحدب مناطق محددة للتكاثر وطرق هجرة محددة أيضًا، لذلك لدينا المواسم المحددة التي سنكون متأكدين من أننا سنراهم بها”.

بدلاً من ذلك تكون الصعوبة في الوصول إلى الأنواع الأخرى أكبر، إذ أضافت دينكنجر قائلة: “ما لدينا هو بيانات عن طريق الفرص العرضية، ونحاول جمع قطع اللغز معًا. إذا نظمت رحلة بحث وركزت فقط على نوع واحد، فمن المرجح جدًا ألا ترى هذا النوع، وبالتالي تكون قد أنفقت عشرات الآلاف من الدولارات على اللوجستيات فقط”.

يهدد صيد الأسماك حياة الحيتان

وفقًا لما ذكره الكتّاب فإن الأنواع التي يمكن أن تتكيف باستراتيجيات التزاوج لديها مع تغير البيئة ستتقدم في مواجهة التأثيرات البشرية.

في حين أن الاحتباس الحراري يشكل خطرًا على الحيتان، تؤكد دينكنجر أنّ التفاعلات مع صيد الأسماك في المدى القصير تشكل تهديدًا أكبر بكثير، وتحذّر قائلة: “تهدد مهنة الصيد الثدييات البحرية على نطاق واسع جداً في جميع أنحاء العالم، ومن بين السكان الذين أراقبهم في جنوب أمريكا، يتأثّر نحو 40% من حيتاننا بأدوات الصيد”.

تعمل الحيتان بسبب حجمها الهائل كمصدات كربونية ضخمة تقدم مساعدة قيمة في مكافحة الأزمة المناخية الحالية، كما أنها تساهم في الحفاظ على توازن التنوع البيولوجي في المحيطات وخصوصًا عن طريق توجيه الأنواع الأخرى على طول مسارات الهجرة.

بينما تهاجر الحيتان صعودًا وهبوطًا في محيطات العالم، فإنها تتعلم نمط الأغاني من بعضها البعض.

في الوقت الحاضر قد تكون تتعلّم أيضًا استراتيجيات التزاوج الجديدة وفقًا للدراسة.

قال دانكينغر: “إنها تظهر ذكاءها بشكلٍ كبير ولديها نوعٌ من الثقافة”.

  • ترجمة: إلهام مخلوف
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1