جُزيئات بلاستيكية دقيقة تتسلل إلى جميع أعضاء الجسم وكذلك الدماغ، وقد شُوهِدَ هذا في الفئران
هل تُصدّق وجود جزيئات بلاستيكية داخل دماغك؟ إِنها موجودة داخل أدمغة الفئران!
أماطت تجارب العلماء -التي عُنيت باكتشاف الآثار الصحّية المُمكِنة لوجود اللدائن الدقيقة داخل أجسام الفئران- اللثام عن نتائج أولية مُقلِقة.
لدى تعرض الفئران الفتيّة والمُسِنة لشربِ المياه الحاوية على شظايا بلاستيكية مجهرية لمدة ثلاث أسابيع، اكتشف الباحثون في جامعة (رود آيلاند) آثارًا من الملوثات قد تجمعت في كل عضو من أعضاء جسم الحيوان، بما في ذلك الدماغ.
لاحظ الباحثون أيضًا أَن تسرب هذه اللدائن الدقيقة داخل أجسام الفئران كان مصحوبًا بتغيرات سلوكية مشابهة لتلك التي نجدها في البَشّر عند إصابتهم بداء الخَرف، بالإضافة إلى بعض التغييرات التي طرأت على الدلالات المناعية في الكبد والدماغ.
قال عالم الأعصاب جيمي روس: «كان ذلك مُدهشًا بالنسبة لنا، فعلى الرغم من عدم تعرض الفئران لكميات كبيرة من اللدائن الدقيقة، فقد شاهدنا كل هذه التغيرات في فترة زمنية بسيطة».
وأضاف: «لا أحد حاليًا يفهم بشكلٍ كامل دورة تحرك ووجود هذه اللدائن الدقيقة في الجسم، لذا يتمحور جزء من بحثنا حول الإجابة عن الأسئلة التالية: ما الذي يمكن أن تؤول إليه صحتك عند تقدمك بالعمر؟ هل أنت عرضة -بتقدمك بالعمر- لالتهابات متنوعة جراء تسلل هذه اللدائن الدقيقة داخل أجهزة الجسم المختلفة؟ هل يستطيع جسمك التخلص منها بسهولة؟ هل تستجيب خلايا جسمك بشكلٍ مختلف تجاه هذه السموم؟».
قد لا تُطَبّق نتائج التجارب على البَشّر، لكن تُمَهّد الدراسات على الفئران، الطريق نحو خطوة أولى مهمة في الأبحاث السريرية. ومع ذلك، فنحن البَشّر لسنا بعيدين عن هذا التلوث؛ فقد وجد العلماء حديثًا تلك اللدائن الدقيقة الصامتة تختبئ في الأمعاء البَشّرية وتتحرك في مجرى دَمنا وتتجمع في عمق رئتينا، بل تتسرب إلى المشيمة أَيضًا أثناء الحمل.
دَقَ علماء السموم ناقوس الخطر عام 2021 حول هذا الموضوع، وأكدوا: وجبَ على الدراسات المستقبلية التركز بشكلٍ طارئ حول تأثير هذه الملوثات على صحتنا، خاصة وأن التعرض لها أصبح مستحيلًا تجنبه الآن.
في التجارب الذي أُجريَت حديثًا، تم تعريض الفئران الفتيّة والمُسِنة للمياه المعالجة بتلك اللدائن الدقيقة المصنوعة من البوليسترين المستشعع، بينما تعرضت مجموعة أُخرى من الفئران إلى مياهِ شربٍ نقيّة؛ لمراقبة النتائج والاختلافات.
خلال تجارب استمرت لثلاث أسابيع، تم تقييم سلوك الفئران بصورةٍ منتظمة من خلال اختبارات في مساحات مكشوفة؛ لإثارة السلوك الاعتيادي للفئران المتمثل في الاستكشاف، كما خضعوا لاختبارات تفضيل الضوء والظلام القائمة على مبدأ نفور الفئران الطبيعي من المناطق ذات الإضاءة الساطعة.
وجد العلماء أَن مجموعة الفئران التي تعرضت للمياه الملوثة لمدة ثلاث أسابيع مقارنة مع المجموعة الأُخرى، قد أظهرت تغيرات سلوكية بارزة، ولوحظ أن هذه التغيرات قد طرأت على الفئران الأكبر سنًا.
في ختام فترة التجارب، رصَد فريق الباحثين جزيئات مستشععة حمراء للدائن الدقيقة في عدة أنسجة جسمانية للفئران، مثل الدماغ والكبد والكلية والجهاز الهضمي والقلب والطحال والرئتين. كما تم مشاهدتها في بول وفضلات الفئران أيضًا.
تكشف حقيقة إيجاد هذه الملوثات خارج الجهاز الهضمي أَنها خضعت للتنقل بين أجهزة الجسم. ولعل وجودها داخل الدماغ هو أكثر ما يثير القلق؛ لأنه دليل على أَن هذه الملوثات السامّة قد تجتاز الحاجز المناعي الذي يفصل الجهاز العصبي المركزي عن باقي مجرى الدم، لتؤدي في النهاية إلى اضطرابات معرفية عصبية.
ضمت هذه التجربة نتائجها لدراسة سابقة في نفس العام، والتي توصلت إلى نتيجة مُشابهة وهي: أَن هذه اللدائن الدقيقة وُجِدَت في أدمغة الفئران بعد تناولهم للوجبة الملوثة بعد ساعتين فقط.
وأَيضًا، هناك تجربة مماثلة جرت في عام 2022 كشفت عن إمكانية تجمع اللدائن الدقيقة المصنوعة من البوليسترين -والتي ابتلعتها الفئران- في أدمغتهم، مسببةً العديد من الالتهابات وأضرار بالذاكرة. ومع ذلك، لَمْ تتعرف هذه التجربة على أي تغيرات سلوكية في اختبار المساحات المكشوفة.
على الرغم من الفروقات في النتائج، فإن عالم الأعصاب (جيمي روس) وزملاءه يجادلون أنهُ قد بدا جليًا الآن أَن هذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة تستطيع أن تصل إلى دماغ الثدييات وتُحدِث تأثيرات بالغة الضرر بعد الامتصاص.
في تجربتهم الأخيرة، وجد الفريق أَن البروتين GFAP الذي يحمي الخلايا الدماغية، قد تناقص بشدةٍ لدى ابتلاع الفئران للدائن الدقيقة. يقول روس: «إِن انخفاض البروتين GFAP قد تم ربطه مع المراحل الأولى لبعض الأمراض العصبية، بما يشمل مرض آل زهايمر الخاص بالفئران وكذلك الاكتئاب».
ويتابع قوله «كنّا في غاية الدهشة لمعرفة أن هذه اللدائن الدقيقة يمكن أَن تحث على مستويات متقلبة من البروتين GFAP».
يعتزم (روس) دراسة هذه التغيرات الباعثة على القلقِ بشكلٍ مُعَمّق في البحث القادم.
- ترجمة: وجيه الشبعان
- تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
- المصادر: 1