لماذا تعتبر قراءة الرواية الخيالية أمر جوهري للرجال؟

النقاط الأساسية في المقال:

  • نادرًا ما تطرح الروايات الخيالية في المحادثات التي تدور حول الصحة العقلية، خاصًة عند الرجال.
  • تشير المعلومات إلى أن قراءة الروايات الخيالية تعزز التفكير النقدي، اللغة العاطفية والتعاطف.
  • الإندماج مع الشخصيات الخيالية في الروايات قد يحسن التفاعل والمشاركة الوجدانية في الحياة الاجتماعية الواقعية.
  • يلعب الآباء دورًا محوريًا في سد الثغرة بين الذكورة ومحو الأمية.

في مشهد مؤثر من الرواية الأكثر مبيعًا للكاتب خالد حسيني عداء الطائرة الورقية، إذ يراقب الفتى أمير صديقه المفضل حسن وهو يتعرض للإهانة عاجزًا عن مساعدته. بينما يقف أمير مشلولًا على الحياد، ننجرف نحن القرّاء نحو لحظة خانقة من خيانة الطفولة.

قراءة الأدب أكثر من مجرد تسلية، بل هي أداة تنقلنا إلى أراضي غريبة، مع إقناعنا بالشخصيات والعلاقات الموجودة في الرواية، إذ نكتشف من خلالها حقيقتنا الداخلية.

الرواة مثل حسيني ينقلوننا بعيدًا لاكتشاف أماكن مظلمة في العقل البشري، بطريقة تعجز عنها الأضواء اللامعة لكتب علم النفس.

في التلفزيون والسينما، التجربة الحسيّة تُقدم لنا بسهولة، ولكن عندما نقرأ الأدب يتحمل عقلنا هذا العبء لتخيل هذه التجربة.

في الآونة الأخيرة، جذبتني الرواية الواقعية ولكن سرعان ما توهج شغفي للروايات الخيالية من جديد وهو شيء يتطلب التزام وتركيز مستمرين في زمن السرعة الذي نعيشه، والذي تُسرق فيه القدرة على التركيز.

إن التململ الذي أشعر به عندما أقرأ القصص المختلفة يشير إلى أن دوائي قد يكون قراءة تلك الروايات الخيالية.

تأملاتنا الذهنية تطالبنا بالعودة إلى أنفسنا تمامًا، وإعادة أذهاننا إلى السرد لممارسة الانضباط العقلي.

هذا يدفعني للتساؤل عن سبب ندرة طرح الخيال في المحادثات الموسعة حول الصحة العقلية. لربما تنضم قراءة الروايات إلى قائمة الأعمال اليومية للاهتمام بالذات جنبًا إلى جنب، مع تعميق علاقات الصداقة بين البالغين، واللياقة البدنية، والتغذية، والعلاج النفسي أو التأمل، خصوصًا عند الرجال الذين يضعون صحتهم العاطفية على قائمة أولوياتهم.

بينما كان الرجال في عصر النهضة يقرأون الروايات الخيالية بشغف ونهم، يميل رجال العصر الحديث إلى عدم الاهتمام بقراءة هذه الروايات.

تسيطر النساء على ما يقارب 80%؜ من مبيعات الروايات الخيالية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، لذلك ليس من المفاجئ أن تكون نسبة المجموعات النسائية في منتديات الكتب الخاصة 88%؜، تنتج النساء معظم الكتب كما تسيطر على عمليات الطباعة، وتتأرجح هذه العملية منذ السبعينيات، بينما يبدي الرجال اهتمام أقل بقراءة الكتب التي كُتبت من قبل النساء.

تتوقع دراسة أجريت حديثًا بأن الرجال على مستوى العالم لربما سيمضون وقت أقل في القراءة في السنوات المقبلة، هل يعتبر هذا الشيء مشكلة؟

فجوة القراءة الجندرية

في الوقت الذي يبدأ فيه الأولاد بارتياد المدرسة الثانوية، يبدأ اهتمامهم بالقراءة بالتراجع وتتأخر إنجازاتهم بنسبة كبيرة. بينما تبدي الفتيات اهتمام أكبر بالقراءة، بمعدل 44%؜ من الفتيات بسن الخامسة عشرة يفضلنّ القراءة على بقية الهوايات الأخرى مقارنًة مع نسبة 24%؜ من الأولاد الذين يفضلون الألعاب الإلكترونية في العقود الأخيرة.

تختلف أساليب القراءة بين الفتيات والأولاد، وفقًا لمقالة للكاتبة المستقلة ليندا جاكوبسن عن مقابلة أجرتها مع خبراء حول هذا الموضوع. وفقًا لخبير التعليم الإنجليزي جيفري د ويلهام، غالبًا ما تساوي الفتيات بين الخيال والمتعة ويرتبطنا بشخصيات الرواية، بينما يريد الأولاد تطبيق مباشر وفعلي لما يقرؤونه ويتعلمونه.

قد يميل الرجال، في مرحلة النضوج، إلى قراءة كتب التاريخ والأعمال لتعزيز وتطوير كفاءاتهم متجاهلين تلك الكتب التي تتمحور حول تنمية الشخصية أو كيفية بناء العلاقات، أي الكتب التي تفتقر لنفس تلك القيم العملية.

أشار الكاتب مات هايج في منشور له على منصة أنستغرام: (بأن مفهموم الجدية في فعل الخير في الروايات الحديثة قد يكون أقل جاذبية لفتى مهووس بالألعاب الإلكترونية التي تمنحه المتعة بمجرد نقرة واحدة من إصبعه على جهاز التحكم باللعبة. لربما تكون مرحلة التطور هذه هي البداية لخسارة عدد كبير من القراء الذكور).

كما أن صناعة الطباعة الروائية تلبي متطلبات النسبة الأعلى لقراءها والتي هي من النساء. فقد اكتسبت الروائيات اهتمامًا متزايدًا وجوائز وأصبحت كتبهن الأكثر مبيعًا، الشيء الذي قد يؤثر على نظرة الرجال للروايات الخيالية.

قد تكون العلاقة المتأصلة بين الرواية الخيالية والأنثوية سببًا من أسباب نشأة تلك الفجوة. لنفترض أن هذا الشيء صحيح، لكنني أعتقد بأن دفع الرجال لقراءة الروايات الخيالية، ليس كأجندة مرتبطة بالأنثوية، وإنما كتدريب شامل لتوسيع آفاقنا المعرفية والإجتماعية والعاطفية.

الخيال والتعاطف والإدراك الاجتماعي

لقد شجعتني بيانات تدعم مفهوم قراءة الخيال كمعزز لحياتنا الاجتماعية والعاطفية. تشير دراسات أجريت مؤخرًا إلى أن قراءة الروايات الخيالية تحفز الفكر النقدي من خلال تقديم الأفكار بمهارة وبطرق غير مباشرة أكثر من الكتب الواقعية.

توصلت إحدى الدراسات التي أجريت على المراهقين بأن قرّاء الروايات الخيالية بشكل متكرر يمتلكون مفردات عاطفية أكثر فاعلية، بينما أظهرت دراسة أخرى وجود صلة بين تجربة قراءة الروايات الخيالية والقدرة على إدراك المشاعر المعقدة.

ترجّح بيانات أخرى بأن فهم الشخصيات في الروايات هو أمر موازي للمهارات الاجتماعية في الحياة الواقعية، الشيء الذي لاتستطيع فعله الكتب الأخرى، كما أن قدرة القارىء على الانغماس مع أحداث القصة تتكهن بمستويات التعاطف عنده. تتوافق هذه المعلومات مع مجموعة أعمال للروائي وعالم النفس كيث أوتلي، والتي تدور حول الروابط الموجودة بين قراءة الخيال وارتفاع نسبة التعاطف.

قد تبدو قراءة الروايات الخيالية أمر انعزالي، ولكن جوهريًا هي أمر اجتماعي، إذ كشفت دراسات أن قراءة الروايات تنشط المناطق المسؤولة عن معالجة الروائح والأنسجة وحركة الجسم لتخلق تجربة تعكس اللقاءات الاجتماعية في الحياة الواقعية.

بعض أنواع الخيال قد تكون أكثر فاعلية من الأنواع الآخرى في تعزيز الحساسية الاجتماعية، كما هو موضح في دراسة نُشرت في مجلة ساينس، إذ تشير هذه الدراسة إلى أن السرد المعقد وتطور الشخصيات في روايات الخيال الأدبية تظهر فوائد فريدة على روايات الخيال الشعبية (والواقعية) في تعزيز نظرية العقل- القدرة على استيعاب ما قد يفكر أو يشعر به الآخرون وتوقع أفعالهن.

تشير الأدلة إلى خمسة دراسات بأن الروايات الخيالية تؤثر إيجابًا على الحالة المزاجية والعاطفية، لكن مع التفكير والمناقشة.

هذا يكرر مقولة إيدموند بيرك بأن “القراءة من دون تفكير كتناول الطعام دون هضمه”.

ويقدم دعوى لإنشاء نوادي لكتب الخيال الموجهة خصيصًا للرجال. كما أن إنفاق أموال أكثر من قبل الناشرون على تسويق الروايات الخيالية الموجهة للرجال، قد يساعد على زيادة عدد الذكور القراء لهذه الروايات. يقدم مقال بعنوان “لماذا يجب على الرجال قراءة الروايات الخيالية” بقلم كيت وبريت ماكاي، حجة أكثر شمولية مع توصيات للقراءة.

نماذج ذكور يحتذى بها، محو الأمية والتكنلوجيا

يعتبر وجود الآباء أمر مهم وجوهري في إعادة توحيد الخصائص الذكورية مع محو الأمية وبناء المهارات الاجتماعية والعاطفية للأجيال القادمة. يساهم الآباء بتثقيف وتطوير المعرفة عند أطفالهم بشكل مميز وخصيصًا في العائلات ذات الدخل المحدود. كما أن تواجد آباء قراء يصبح أمر مهم وضروري في ظلّ ندرة المدرسين الذكور للغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية.

في الحقبة المقبلة من الذكاء الاصطناعي، قد يصبح الذكاء العاطفي الواقعي أكثر طلبًا للكفاءة.

على أية حال، يفترض بعض علماء التطور بأن الخيال السردي برز كمنتج ثقافي، واحد من أقدم التقنيات التي صممها البشر لجذب الانتباه وبناء التعاون. كما أنه نظام عريق للصحة العقلية مختبىء في وضح النهار.

  • ترجمة: زينة المللي
  • تدقيق لغوي: غفران التميمي
  • المصادر: 1