ما الذي يسبب سرطان الثدي ولماذا هو شائع جدًا؟

سرطان الثدي هو أحد أكثر أنواع السرطان انتشارًا في جميع أنحاء العالم. وهو ورم يبدأ في قنوات الحليب في الثدي ثم ينتشر في أنسجة الثدي المحيطة، وأحيانًا، إلى أجزاء أخرى من الجسم.

وفقًا لمراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها، ستعيش حوالي 98% من النساء اللاتي يُشّخصن بسرطان الثدي في المرحلة 1 خمس سنوات أخرى وربما أكثر، ولكن فقط ما يُقدّر ب 25% من النساء يعشن إذا شُخّص سرطان الثدي لديهن بعد انتشاره إلى أجهزة أخرى.

لقد ارتفع عدد الأشخاص الذين شُخّصت إصابتهم بسرطان الثدي بشكل كبير في السنوات الماضية، مع تزايد إصابة النساء الأصغر سنًا، لدرجة أنّه في الولايات المتحدة، صُنّف سرطان الثدي على أنّه “وباء”. ماذا يعني هذا، لماذا هذا؟ إنّ ما يحدث، وما يجب فعله حيال ذلك هو شيء يعمل آلاف الخبراء في مجال أبحاث السرطان جاهدين لاكتشافه.

إحصائيات سرطان الثدي في عام 2020:

في عام 2020، شُخصّت إصابة 2.3 مليون امرأة بسرطان الثدي في العالم، وتوفيت 685 ألف منهن بسببه وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وفي نهاية ذلك العام، كان سرطان الثدي يمثل ما يقارب 12% من جميع حالات السرطان الجديدة التي شُخصّت، وكان هناك 7.8 مليون امرأة على قيد الحياة شُخصّت إصابتهن بسرطان الثدي منذ عام 2015. وفي الولايات المتحدة، من المتوقع أن يزيد سرطان الثدي بنسبة 25% بحلول عام 2040.

“سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطان التي تُشخّص على مستوى العالم باستثناء سرطانات الجلد”، كما تقول أولجا جولوبنيتشاجا، رئيسة وحدة طب الأورام التنبؤية الوقائية الشخصية في مستشفى جامعة بون بألمانيا. تقول جولوبنيتشاجا: “لقد تضاعف معدل الإصابة بسرطان الثدي في العقود القليلة الماضية في 60 من 102 دولة حول العالم. وهذابالتأكيد [وباء] الآن”.

ضحايا أورام الثدي هم إلى حد كبير من الإناث، ولكن حوالي 0.5-1% من سرطانات الثدي تصيب الرجال، الذين يختلف سرطان الثدي لديهم قليلًا.

كما تظن جولوبنيتشاجا أنّه كلما كانت الإصابة بسرطان الثدي غير متوقعة -على سبيل المثال: مريضة صغيرة في السن أو رجل- كلما كان معدل الوفاة أعلى.

وفقًا لجمعية السرطان الأمريكية، في عام 2022 شُخصت 290 ألف امرأة كما شُخّص 2700 ذكر بسرطان الثدي الغازي، وتوفي منهم 15% من النساء و20% من الذكور.

هل تحسن تشخيص سرطان الثدي؟

يجادل المشككون الخبراء بأنّ ازدياد أعداد المصابين بسرطان الثدي في الإحصائيات ناجم عن تحسن طرق التشخيص. فكلما بحثت عنه أكثر، كلما وجدته أكثر ولهذا السبب ازدادت الأرقام.

تقول جولوبنيتشاجا: “يمكن أن يعزى جزء بسيط فقط من مجموعة سرطان الثدي المتزايدة إلى تحسن طرق الكشف”.

ارتفع معدل الإصابة بسرطان الثدي من 66.6 إلى 119.2 لكل 100 ألف امرأة في الولايات المتحدة في الفترة بين 1950 إلى 1975 حيث لم تتوفر طرق حديثة للتشخيص وفقًا لدراسة نشرت عام 2003 في مجلة المعهد العالمي للسرطان.

وعلى نحو مماثل، تشير الأبحاث التي أجرتها جمعية سرطان الثدي اليابانية إلى أن 20% فقط من حالات سرطان الثدي التي تُكتشف عن طريق الفحص لا تظهر عليها أعراض، وكان من الممكن أن تمر دون أن يلاحظها أحد.

ما الذي يسبب سرطان الثدي؟

سرطان الثدي هو مرض معقد تساهم فيه عدة عوامل. بالنسبة للأمراض المعقدة مثل السرطان، هناك ما يسميه الخبراء عوامل خطر قابلة للتعديل وعوامل غير قابلة للتعديل -أشياء داخلية المنشأ في تكوينك البيولوجي، وأشياء اخترتها كنمط حياة-.

تقول جولوبنيتشاجا: “لأكون صادقة، لم أر أيّة مريضة بسرطان الثدي مصابة بسرطان الثدي فقط. هناك العديد والعديد من الأشياء الأخرى التي تتراكم وتعمل بالتأكيد معًا”.

علم الوراثة:

قد تزيد بعض الطفرات الجينية الموروثة من خطر الإصابة بسرطان الثدي، خاصةً طفرة في جينات BRCA1 وBRCA2 وPALP-2. إلّا أنّ الجينات تلعب دورًا فقط في 5-10% من المصابين بسرطان الثدي، حتى أنّ وجود الطفرة في الجينات، لا يؤكد بنسبة 100% أنّ المريضة ستصاب بالسرطان.

● الهرمونات:

العوامل الهرمونية، قد يؤثر التعرض لهرمون الأستروجين على خطر إصابتك بسرطان الثدي. ويشمل الحيض المبكر، وانقطاع الطمث المتأخر، وبعض العلاجات الهرمونية المعاوضة. تستجيب سرطانات الثدي الإيجابية لمستقبلات هرمون الاستروجين للاستروجين. تمتلك الخلايا السرطانية مستقبلات، تتفعل بواسطة هرمون الاستروجين، وتؤدي إلى نمو الورم.

● التاريخ العائلي:

إن وجود قريب من الدرجة الأولى (مثل الأم أو الأخت) مصاب بسرطان الثدي يمكن أن يزيد من خطر إصابتك. توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بإخبار طبيبك إذا كان لديك قريب شُخّصت إصابته بسرطان الثدي قبل سن الخمسين.

• العمر:

يزداد خطر الإصابة بسرطان الثدي مع التقدم في السن، ويصيب عادةً النساء في منتصف العمر والمسنات. إنّ متوسط ​​العمر لتشخيص سرطان الثدي هو حوالي 62 عاما.

• العوامل البيئية:

رغم أنّ العلاقة ليست مفهومة بشكل كامل، دُرست بعض العوامل البيئية والملوثات بحثًا عن ارتباطات محتملة بسرطان الثدي. وعلى وجه التحديد، تُشكّل المواد الكيميائية الموجودة في البيئة والتي تعمل مثل هرمون الاستروجين مصدرًا للقلق. وتوجد هذه المواد في المواد البلاستيكية ومستحضرات التجميل وأدوات العناية الشخصية والمبيدات الحشرية.

● التاريخ الإنجابي والحيضي:

قد يؤدي تأخر الإنجاب أو عدم الإنجاب مطلقًا إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي، كما أنّ النساء اللاتي بدأ الطمث عندهن في سن مبكرة أو تعرضن لانقطاع الطمث المتأخر قد يكون لديهن خطر أعلى قليلاً.

● كثافة الثدي:

يمكن أن تترافق كثافة الثدي العالية في تصوير الثدي الشعاعي (الماموغرام) مع زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. كما يكون احتمال إصابة النساء اللاتي كثافة الثدي لديهن عالية بسرطان الثدي أكبر بنسبة 4-6 مرات.

● نمط الحياة:

نمط الحياة هو المسؤول بشكل كبير. وتقول جولوبنيتشاجا: “لقد تغير دور المرأة بشكل كبير في مجتمعنا. المزيد من النساء العاملات، وبالتالي رضاعة طبيعية أقل”. لقد كانت هناك زيادة في الضغط الذي تعاني منه النساء، ونقص كبير في النوم، وزيادة شرب الكحول والتدخين والتلوث البيئي والتعرض للمواد الكيميائية السامة. هناك أيضًا تحول إلى الأنظمة الغذائية الغربية المليئة بالأطعمة المصنعة واللحوم الحمراء والسكريات المضافة وعوامل أخرى لم يكتشفها العلماء بعد.

أمثلة على اختيارات نمط الحياة والسرطان:

يمكن العثور على مثال متطرف لكيفية تأثير نمط الحياة على الإصابة بسرطان الثدي، وفقًا لجولوبنيتشاجا عند مقارنة إحصائيات اليابان بالولايات المتحدة. تعد اليابان واحدة من الدول المتقدمة التي لديها أدنى معدلات للإصابة بسرطان الثدي في العالم، والولايات المتحدة، هي واحدة من الدول المتقدمة التي لديها أعلى معدلات للإصابة. وتقول جولوبنيتشاجا: “النساء اليابانيات، اللاتي ينتقلن من اليابان إلى الولايات المتحدة، يصلن إلى نفس معدل الإصابة خلال نفس الجيل”. قد يكون عامل نمط الحياة هو الذي يسبب ارتفاعًا كبيرًا في عدد النساء الأصغر سنًا اللاتي يشُخصّن بسرطان الثدي الآن، رغم أنهن لم يكن هدفًا لسرطان الثدي سابقًا. وقد أحدث هذا فجوة كبيرة في السوق العلاجية. تقول جولوبنيتشايا: “هذه هي المأساة الكبرى في مجتمعنا. نحن لسنا مجهزّين للتعامل مع هذه الأعداد”. وتتابع: “بالنسبة للنساء بعد انقطاع الطمث، اللاتي تزيد أعمارهن عن 60 عاما، يعمل النظام بشكل جيد للغاية”، ويصبح المرض أقل خطورة لأنّ أنظمتهم الاستقلابية تتباطأ، وبالتالي يستغرق السرطان وقتًا أطول للانتشار.

ما هو تصوير الثدي الشعاعي (الماموغرام)؟

وفقًا لجولوبنيتشاجا يتضمن تصوير الثدي الشعاعي استخدام جرعة منخفضة من الأشعة السينية لتشكيل صور تفصيلية للثدي، وهو أحد الأدوات الرئيسية المستخدمة في تشخيص سرطان الثدي. إنه مفيد للنساء في الخمسينات من العمر، ولكنه يأتي بنتائج عكسية بالنسبة للشابات.

تشخيص سرطان الثدي:

أحد الأسباب التي جعلت النظام الطبي يفشل في تشخيص سرطان الثدي لدى النساء الأصغر سنًا بسرعة هو موثوقية فحص سرطان الثدي باستخدام التصوير الشعاعي. وذلك لأنّ النساء الأصغر سنًا لديها أنسجة ثدي أكثر كثافة من النساء الأكبر سنًا، مما يجعل عددًا من الأورام الصغيرة غير مكشوفة.

التشخيص السلبي الكاذب لسرطان الثدي:

بالنسبة لهؤلاء النساء الأصغر سنًا، من السهل الحصول على تشخيص سلبي كاذب. ويأتي هذا أيضًا مع مجموعة كاملة من الآثار الجانبية السلبية على الصحة العقلية. تصوير الثدي الشعاعي له حدود لما يمكن اكتشافه، ويصبح سيئًا عندما يتعلق الأمر باكتشاف الأورام التي يقل حجمها عن 1 سنتيمتر، فعندما يصل الورم إلى هذا الحجم، يكون الأوان قد فات بالفعل بالنسبة للأنواع النقيلية العدوانية التي تؤثر على الأجيال الشابة من النساء.

وبطبيعة الحال، يرى خبراء آخرون أن زيادة التأكد أفضل من عدم التحقق، وبالتالي فإن الفوائد تفوق الضرر، وهذا هو جوهر الاكتشاف المبكر والوقاية.

تحسين تشخيص سرطان الثدي:

بما أن تصوير الثدي الشعاعي لم يثبت فعاليته في النساء الأصغر سنًا، فإن نظام الوقاية من سرطان الثدي يحتاج إلى أن يكون أكثر شمولية. تقول جولوبنيتشاجا: “ليس من المنطقي أن نطبق الوقاية على الجميع بنفس الطريقة”.

تقييم المخاطر الشخصية للإصابة بسرطان الثدي:

هذا يعني إجراء تقييم للمخاطر الصحية يُعدّل من شخص لآخر. ويقترح فريقها إحدى الطرق التي تعتمد على الأنماط في مجموعات الأشخاص المصابين، لوصف النمط الظاهري للشخص المعرض لخطر الإصابة بالسرطان. إحدى هذه المجموعات هي النساء البدينات اللاتي لديهن استعداد عائلي للإصابة بسرطان الثدي والبروستات. وهناك فئة أخرى هي النساء المصابات بما يسميه الخبراء متلازمة فلامر -الشابات ذوات مؤشرات كتلة الجسم المنخفضة، اللاتي يسعين إلى الكمال ويتمتعن بشخصيات دقيقة ومكرسات لمهنهن-. تميل هؤلاء النساء إلى المعاناة من اضطراب الدورة الدموية الدقيقة، وتغير أنماط النوم، ويعانين من الجفاف بسهولة، كما أن صحتهن دون المستوى الأمثل على المستوى الخلوي. تقول جولوبنيتشاجا: “هناك صلة مباشرة بين علم وظائف الأعضاء وسرطان الثدي”.

فحوصات سرطان الثدي المُحسّنة:

إن منح المزيد من الصلاحيات لأطباء الرعاية الأولية يمكن أن يكون خطوة أولى في البحث عن هذه الأنماط، كما هو الحال مع التقنيات الجديدة الناشئة التي تسمح بإجراء فحوصات دقيقة وشخصية لسرطان الثدي. تقول جولوبنيتشاجا: “بالتأكيد، في أسرع وقت ممكن، نحن بحاجة إلى تحويل النموذج من الطب التفاعلي إلى الطب التنبؤي والوقائي والشخصي، نحن بحاجة إلى تغيير الاستراتيجية.”.

الدول التي نجحت بالحد من وفيات سرطان الثدي، هي الدول التي انخفضت فيها معدلات الوفيات بنسبة 2 إلى 4 بالمائة سنويًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. في الواقع، تخطط المبادرة العالمية لسرطان الثدي التابعة لمنظمة الصحة العالمية لخفض الوفيات الناجمة عن سرطان الثدي على مستوى العالم بنسبة 2.5% كل عام، وهو ما سيكون كافيًا بالفعل لتجنب 2.5 مليون حالة وفاة بسبب سرطان الثدي من الآن وحتى عام 2040.

  • ترجمة: منار زياد ديوب
  • تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
  • المصادر: 1