كيف يمكنك إبطاء الوقت؟ لأنّ عمرك يجري مسرعًا

إنّ الأمرَ يشبه تحوّل دماغك إلى ‘Doctor Strange’ (شخصية خيالية في أحد الأفلام).

لابدّ أنّ تقدّمك في العمر يعتبر أمرًا مزعجًا؛ لكونك تعلم أنّ الحياة باتت أقصر، وحتى الصيف الذي كان طويلًا ومريحًا عندما كنت صغيرًا لم يعد كذلك.

وعندما تتذكر عطلة العام الماضي ستبدو لك وكأنها كانت بالأمس، كذلك الأمر بالنسبة لعام 2000 الذي بدا وكأنه سيكون في المستقبل البعيد جدًا، ولكن ها هو ذا قد مضى على مروره 23 عامًا تقريبًا.

على الرّغم من أن الوقت هو شيءٌ أساسي بالنسبة لأجسادنا، إلّا أننا جميعًا نرغب في الهروبِ منه ولكن لا أحد يستطيع ذلك.

وهناك ما يسمّى ب ‘الإيقاع اليوميّ’ (وهو عبارة عن ساعة داخلية في أجسامنا تعمل بدورةٍ مدتها 24 ساعة تحافظ على توازنها حتّى عند تواجدك داخل غرفة مظلمة فارغة لعدّة أشهر)، إذ يمكن لكل خليّة لدينا أن تعرفَ وقتها الخاص، ما دفعَ بعض العلماء إلى تجميع ساعة بيولوجية داخل أنبوب اختبار لمعرفة كيفية عملها.

حتّى لو لم تكن مهتمًّا أو على تفكيرٍ دائم بتحديد طبيعة الوقت نفسه، لكنّ إدراكك ومعرفتك به يحدّد لك الطريقة التي ستواجه بها ماضيك وحاضرك ومستقبلك أيضًا، وفهم طريقة إدراكك للوقت سوف يضمن لك أقصى استفادةٍ منه.

كن حذرًا في الوقت الحاضر

إنّ أهم النصائح التي يجب أن تأخذها بالاعتبار، هي تعلّم كيفية التحكم بوقتك؛ إذ أن تسليط انتباهك نحو اللحظة التي تعيشها فقط هو المفتاح لتجنّبك نفاذ الوقت منك.

يقول ‘فوشيا سيروا Fuschia Sirois’، أستاذ علم النفس بجامعة شيفيلد، ومتخصص في فن التسويف: “سواءً أكنت تستمع لشخصٍ آخر يشارك تجاربه معك، أو تنتقل من نقطة ‘A’ إلى نقطة ‘B’، ففي حال كان دماغك في سباقٍ لاستعادة الماضي أو الوصول إلى المستقبل -كالحال عندما تصل للنقطة ‘B’ أو تذكّرك لما قاله ذلك الشخص آخر مرة- ذلك يعني أنّك لن تعمل على إثراء تجاربك في تلك اللحظة التي تحدث في الوقت الحاضر.”.

أن يكون انتباهك -معرفيًّا وعاطفيًّا- بشكلٍ كامل نحو الحاضر، يعني مراقبة كل التفاصيل الدقيقة من حولك التي تبدأ من كلمات صديقٍ ما إلى خصائص البيئة المحيطة بك.

أظهرت إحدى الدراسات أن خبراء التأمل لديهم تصوّر أفضل لكيفية عمل الوقت، وأولئك الذين مارسوا التأمّل شعروا بأن الوقت يمضي بشكلٍ أبطأ من أولئك الذين لا يمارسون التأمل.

يقول سيروا: “كوننا أكثر وعيًا في التجارب التي مررنا بها، يجعلنا أكثر إدراكًا وفهمًا لتلك التجارب التي ستبدو ذات معنى بالنسبة لنا، وبالتالي يمكن أن يعزز ذلك المشاعر الإيجابية التي تدعم العقليات التوسعية التي تدمج تصوراتنا عن الماضي والحاضر والمستقبل، وتجعل مرورنا بالوقت الحاضر يبدو مليئًا وحافلًا”.

اسعَ نحوَ الإبداع والتجارب الجديدة

يقول ‘ديفيد إيجلمان David Eagleman’، عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد: “هناك طريقة واحدة فقط لإبطاء الوقت في رأيي، وهي البحث عن كل جديد؛ وذلك لأن التجارب الجديدة تجعل الدماغ يخزّن المزيد من الذكريات، وعندما تحاول استرجاع تلك الذكريات سيبدو الحدث بالنسبة لك وكأنه استمرّ لفترة طويلة”.

فكّر بنفسك عندما تسافر إلى أحد الأماكن لأول مرة، سوف تشعر أن طريق ذهابك أطول بكثير من طريق عودتك.

لذا، لتجعل وقتك يستمر لأطول فترةٍ ممكنة عليك السعي لتعلّم أشياء جديدة كلما أمكنك ذلك، أو على الأقل اخدع نفسك بحدوث ذلك، مثل: إعادة ترتيب مكتبك ليبدو وكأنه تجربة جديدة.

وجد الباحثون في هولندا أن التجديد يعزّز قيمة تلك النتائج في نظرنا، وبالتالي يعطي قيمة أكبر للوقت الذي نمر به؛ وبسبب ذلك شعرنا أن الوقت يجري بشكلٍ أسرع خلال الحجر الصحي أثناء انتشار مرض Covid-19 لعدم وجود تجارب جديدة، وكلّ شيءٍ بدا وكأنه نقطة كبيرة فقط داخل الذاكرة.

تحدَّ نفسك واستخدم عقلك

بالنسبة إلى ‘سيلمر برينجسجورد Selmer Bringsjord’، أستاذ المنطق والفلسفة ومدير مختبر Rensselaer للذكاء الاصطناعي والتفكير، فإن أطول الأيام غالبًا تشمل قضاء الوقت في معالجة المشكلات المعروفة في علوم الكومبيوتر الرياضية التي تكون طويلة ومعقدة في الحل.

يقول برينجسجورد: “على سبيل المثال هناك مشاكل تدعى ‘EXPTIME’ معروفة بطلب وقتٍ أسي تبعًا لحجم مدخلاتها”.

بالنسبة لشخصٍ يحبّ كرة القدم الأمريكية، فإن دراسة ألعاب اتحاد كرة القدم الأمريكية عن كثب، ومتابعة الإحصائيات والتنبؤ بالنتائج، هو بمثابة لعب لعبة EXPTIME.

يكمل برينجسجورد قائلًا: “غالبًا ما يكون يوم الإثنين هو أطول الأيام بالنسبة لي؛ وذلك لأنني أراجع ما حصل في مباراة اتحاد كرة القدم الأمريكية في اليوم السابق، ثمّ أشاهد كرة القدم ليلة الإثنين لأحلل المزيد وأقوم ببعض التوقعات المفصّلة”.

ليس عليك الغوص في المشاكل المعقدة والأرقام كما يفعل برينجسجورد، ففي حال كنت تحاول لعب الشطرنج أو الداما او لعبة Go -والتي تعدّ جميعها ألعاب EXPTIME-، ستشعر أن الوقت يمضي بشكلٍ أبطأ قليلًا.

توقّف عن خلط المهمات وركّز على شيءٍ واحدٍ فقط

إنّ تعدد المهمات هو مجرّد خرافة، إذ أنك لا تؤدّي العديد من المهمات في وقتٍ واحد، بل تتنقل بينها بسرعة، وبالتالي فإنك لا تركز على أيٍّ منها بطريقة مجدية، وهي عادةٌ تسيء لتركيزك وإنتاجك وفهمك للوقت.

تقول ‘كارولين ليف Caroline Leaf’، عالمة الأعصاب الإدراكية: “يجب أن نكون مدركين حول ضرورة التوقف عن القيام بمهمات متعددة؛ لأن ذلك يخلط بين موجات الطاقة في الدماغ وينشئ نوعًا من تأثير ما يسمّى ب ‘طاقة تسونامي’ في الدماغ والعقل والجسم، مما سيشوّه إدراكنا للوقت”.

وفي دراسةٍ أجريت عام 2015، أظهر باحثون من جامعة إلينوي وجامعة ويسكونسن أنّ المشاركين في الدراسة شعروا أن الوقت كان يمضي بشكلٍ أسرع عندما كانوا يقومون بمهمات أخرى إلى جانب مشاهدتهم للإعلانات التجارية بدلًا من التركيز على الإعلان فقط.

حسنًا، ذلك يبدو أمرًا جيدًا إن أردت تسريع الوقت ريثما ينتهي الإعلان لتعود لمشاهدة فيلمك المفضل، ولكنّه أمرٌ سيء إن كنت تريد إبطاء الوقت.

قل ‘لا’ -أو على الأقل- لا تقل ‘نعم’ دائمًا

إذا كنت قادرًا على حماية وقتك من الضياع ومهتمًّا حول كيفية إمضائه، ستشعر بأنك قادرٌ على التحكم به بشكلٍ أكبر وصرفه بشكلٍ أبطأ.

تقول كارول كوفمان سكاربورو Carol Kaufman-Scarborough، أستاذة الأعمال في جامعة روتجرز والباحثة في تصور وقت المستهلك: “لا تقل نعم لكل شيء، وحاول تنظيم المواعيد أو المناسبات الاجتماعية كل أسبوع، أو حتّى الحدّ منها من خلال وضعك للقوانين الخاصة بك لتنظيم الوقت”.

وفقًا لبحثٍ أجرته جامعة بنسلفانيا، فإن الضغط الناجم عن تعدد الخطط والمهمات لديك سوف يشوّه فكرتك عن الوقت، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالإرهاق والعمل.

ولكن، إن التشويه الناتج عن الضغط السابق ليس ذو حدٍّ واحد، إذ أن تلك الإجهادات يمكن أن تجعل الوقت يبدو سريعًا أو بطيئًا تبعًا للموقف الناجمة عنه، لذا يجب إزالة هذه المتغيرات بشكلٍ كامل، وقل ‘لا’ للمزيد من الأشياء (ولكن ليس لتلك التي سوف تؤدي إلى إبطاء وقتك).

احبس أنفاسك، استرخِ، ودع عقلك يتجوّل

تقول ‘كاثرين كوك كوتون Catherine Cook-Cottone’ باحثة في علم اليقظة لدى جامعة ولاية نيويورك في بوفالو: “عندما نقضي حياتنا في وضعية رد الفعل سيبدو الوقت كأنه شيءٌ يمرّ بجانبنا فقط دون الشعور به، أو حتى يمكن أن يكون شيئًا نطارده لا أكثر، وفي هذه الحالة سوف نكون مجرد جزءٍ عابرٍ في الحياة ولسنا جزءًا من بنائها الرئيسية، بينما سوف يكون الوقت مجرد وسيلة للنقل من مكان إلى آخر نحو الأمام فقط. عندما يتباطأ الوقت يبدو أوسع وأطول، وعندما يكون مزدحمًا أو مُتجاهلًا سنصبح مقيّدين ومضعوطين بوقتٍ قصير”.

هناك أيضًا ما يسمّى ب ‘تحفيز شبكة الوضع الافتراضي في الدماغ’؛ وذلك عن طريق ممارسة بعض لحظات أحلام اليقظة أو التفكير لمدّة 5 أو 10 دقائق يتمّ خلالها تجوّل العقل (وهي الحالة التي يدخل بها عقلك عندما لا يتم تحفيزه).

ذلك يساعد على إعادة تعيين عمل دماغك، وتطوير وجهة نظرك نحو ما تشعر به وزيادة معرفتك بالوقت، لذا من الممكن أن تكون اللحظات التي يعيشها من يمارس التأمّل هي لحظاتٌ من أحلام اليقظة أو الملل.

من الأمثلة على ذلك كان التحدي الذي أطلقه ‘كريس بيلي Chris Bailey’ مؤلّف كتاب ‘Hyperfocus’، والذي عُرف ب ‘تحدّي شهر واحد من الملل’، إذ أراح دماغه من الإفراط في التفكير من خلال فعله شيئًا لطيفًا كل يوم لمدّة ساعة، مثل: الانتظار مع إحدى شركات الطيران، أو قراءة الشروط والأحكام.

ولكن ليس عليك أن تفعل كل هذا لإراحة عقلك وإعادة تنشيطه، إذ أن القليل من الراحة والملل سوف يفي بالغرض ويعيد لك إمكانية تحكمك بإبطاء الوقت.

السفر بسرعة كبيرة

ونعني ب ‘السرعة الكبيرة’ كالسفر عبر الفضاء.

نعلم أنه من الصعب الحصول على فرصة للسفر بهذه السرعة، ولكنه شيء يستحق أن تتعرّف عليه.

يقول ‘ريتشارد آرثر Richard Arthur’، أستاذ الفلسفة في جامعة ماكماستر: “سوف يؤثّر ذلك على مفهومك لمرور الزمن عندما تعود من رحلة السفر عبر الفضاء وترى الأشخاص الذين لم يسافرو معك يبدون أكبر سنًا، والشجيرات التي تركتها صغيرة أصبحت أشجارًا كبيرة”.

أظهرت الدراسات أن الوقت يمر بشكلٍ مختلف في الفضاء، إذ أن رواد الفضاء يتقدمون بالعمر بشكلٍ أبطأ ممّا لو كانوا على الأرض.

وللحصول على بعض المعلومات حول كيفية تأثير الإشعاع والجاذبية الصغيرة والحبس ضمن المركبة الفضائية، أثناء رحلات الفضاء على مرور الوقت وبالتالي على جسم الإنسان، درست وكالة ‘ناسا NASA’ تأثير السفر عبر الفضاء على التوأمين ‘سكوت ومارك كيلي Scott and Mark Kelly’، عندما سافر سكوت إلى الفضاء بينما بقي مارك على الأرض.

وحصل ما توقعتَهُ تمامًا، كَبُر ‘سكوت’ -الذي كان في الفضاء- بشكلٍ أبطأ من تقدّم عمر مارك.

أخيرًا وليس آخرًا: اصنع ذكريات جيّدة

يعتبر التركيز على التفاصيل أمرًا ضروريًّا للشعور بقيمة تجاربك، ومرور الوقت ببطء.

أحد الأسباب للشعور بذلك، هو الطريقة التي تقوم بها باسترجاع الذكريات التي حدثت في تلك اللحظة بعد أن تنتهِ؛ إذ يمكن للطريقة الصحيحة التي تلتقط بها الذكريات أن تخزّن اللحظات التي مدتها 10 دقائق إلى 10 سنوات، أو حتّى إلى مدى الحياة أيضًا.

إن القيام بما سبق يحتاج للممارسة، ولكن يمكنك التفكير في التقاط الصور؛ إذ أجرى باحثون من جامعة كاليفورنيا وأماكن أخرى دراسات تفيد بأن التقاط الصور لتذكر لحظة سخيفة أو عرض خلاب، يمكن أن يحافظ على الذكريات بشكلٍ أكبر في ذلك الوقت.

وفي حال كان ذلك أمرًا صعبًا، عندها يتعين عليك إنشاء صور ذهنية عندما تستطيع، ووفقًا للباحثين في جامعة نورث وسترن يمكن لعقلك تخزين ما يصل إلى 2.5 بيتابايت من البيانات، وهذا أكثر من 300 عام من أعمال Netflix، وإن كنت محظوظًا فستشعر أنك استمعت بالحياة لمدّةٍ أطول.

  • ترجمة: روان نيوف
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1