هل يمكن أن يتحول البشر إلى وقود أحفوري في المستقبل؟

هل تساءلت يومًا ما الذي سيكون عليه رفاتنا في المستقبل البعيد عندما نكون أمواتًا لزمن طويل؟ ونحن لا نعني بذلك خلال بضعة عقود، أو حتى بضع قرون، بل نقصد عند مرور دهور طويلة في المستقبل حين يكون الجنس البشري ربما انقرض مثل الديناصورات. فهل من الممكن لبعض البشر أن يمر بالعملية التي حولت كائنات منقرضة منذ زمن بعيد إلى مواد نستعملها لشحن عالمنا بالطاقة اليوم؟ بإختصار، هل يمكن أن يتحول البشر إلى وقود أحفوري؟

المؤهل الافتراضي

هذا هو السؤال اللغز، لكن تبدو الإجابة أقرب إلى أن تكون الإحتمالية الشّافية من أن تكون الإستحالة التامة. نظريًا، يمكن أن تصبح الأجساد البشرية شبيهة بالمواد التي نعرفها على أنها وقود أحفوري، لكنها تتطلب العديد من الظروف اللا-اعتيادية لينتج هذا النوع من التحول. وحتى عندما تتحقق هذه الظروف، فإن نجح الجسد في تحقيق هذه النتيجة فلن يترك خلفه الكثير.

لكن لا متعة في إيقاف تصورنا للتساؤل عن هذه المعوقات. لذا لنقل أن حدوث التحول أمر مؤكد – فأي نوع من الأمور التي يجب أن تتحقق أولًا حتى تتم خيمياء الجسد البشري هذه؟

لكي نتخيل كيف سيتحول الرفات البشري إلى وقود أحفوري، ولكي نقدّر كيف أن ذلك شبه مستحيل التحقق في الواقع، علينا أن نفهم ماهية هذه المواد وكيف تشكلت في بادئ الأمر.

لا يتألف الوقود الأحفوري من ديناصورات متحللة

إن أهم نقطة يجب الوقوف عندها هي حقيقة أن الوقود الأحفوري ليس نتيجة تحلل ديناصورات كما يقول الإعتقاد الشائع. وليس من الواضح تمامًا مصدر سوء الفهم هذا، لكن له علاقة بفكرتنا الحديثة عن أن الأحفوريات في أكثر الحالات تعود إلى الديناصورات. ولم يكن الأمر كذلك دومًا.

فحتى منتصف القرن الثامن عشر، كانت عبارة “أحفورية” تدل على فعل “الحفر” للإيجاد، أو على عملية الحفر لإيجاد شيء ما، أكثر من دلالتها على كائن منقرض. إن المعنى الذي نفهمه اليوم يمثل تطورًا لاحقًا، إذ لم نبدأ بفهم لفظ “وقود أحفوري” واستعماله بمعناه الموسع إلا في أواسط القرن التاسع عشر.

إن أكثر الكائنات التي تحولت إلى وقود أحفوري كانت أصغر حجمًا بكثير من الديناصورات، وفي بعض الحالات (وليس حصرًا) ماتت منذ وقت طويل قبل أن تبدأ تلك “السحالي الفظيعة” بالتجوال على الكوكب. وتبعًا لذلك، فأنت لا تسكب ديناصورًا سائلًا في سيارتك عندما تقوم بتعبئة الوقود، أو على الأقل ليس بكميات كبيرة.

وعلى الرغم من الاسم، ليس الوقود الأحفوري مجموعة أحفوريات حتى. بل هي مركّبات كربونية تكونت إثر تحلل أو تكسر الكائنات الميتة التي لم تكن معقدة كالديناصورات (أو البشر).

عوض ذلك، عادة ما تكون الأحفوريات مجموعة آثار يتركها حيوان ما خلفه، أو بعض من رفات أجزائه الصلبة التي صمدت ضد التآكل – هياكل عظمية، عظام، أو قواقع. وإذا دفنت هذه القطع سريعًا فإن بعض الأنسجة المحيطة بها (الأجزاء اللينة) قد تُحفظ، وببساطة يمكن أن تتحجّر. وبالتساوي ومع مرور الوقت، يمكن للعظام والقواقع والأنسجة أن تتحول إلى أملاح معدنية خالية من الكربون. وفي تلك الحال قد تكون هذه المواد وقودًا فظيعًا إن حُرقت.

إذا، مما يتألف الوقود الأحفوري؟

إن الوقود الأحفوري – الفحم، البترول (النفط) والغاز الطبيعي – يتألف غالبًا من نباتات وحيوانات صغيرة عاشت في عصور ما قبل التاريخ قبل عشرات الملايين من السنين. فمثلًا، يحتفظ الفحم بالطاقة التي كانت موجودة في النباتات التي عاشت في الغابات القريبة من المستنقعات. وعندما ماتت، هوت بقاياها إلى قاع المياه حيث اختبرت تحللًا جزئيًا في بيئة خالية من الأوكسجين. وحولها ذلك إلى خث (فحم نباتي).

ومع مرور الوقت، جفت المستنقعات وغطت ذلك الخث مواد أخرى. وتحولت رفات النباتات إلى ما نسميه فحمًا وذلك بفعل الضغط والحرارة الناتجين عن تكدس هذه المواد.

البترول (وهو التعبير اللاتيني الحرفي ل “زيت الصخر” ) تشكل غالبًا نتيجة عملية مشابهة بدأت في محيطات عصور ما قبل التاريخ. إذ بعد موتها، غرقت العوالق القديمة وسقطت إلى قاع المحيط. وعند انجرافها إلى الأسفل غطى الحطام أجسادها الصغيرة واختلطت بالرمل والطين والصخر.

ومثل ما يحصل للفحم، فإن الضغط والحرارة الآتيين من هذه الطبقات حوّلا تلك البقايا إلى ما نعرفه اليوم باسم البترول أو الزيت الخام. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملية ليست بالضرورة حصرية على الكائنات الدقيقة البحرية، فيمكن إيجاد البترول أيضًا في بحيرات ما قبل التاريخ حيث خضعت الطحالب لعملية التحول نفسها.

يشتمل البترول على مركبات هيدروكاربونية متنوعة في الحالة السائلة. في العموم، تتسرب تلك المادة السائلة عميقًا في الصخور الرسوبية، كما يمكن أن تتكون في الصخور الصلبة أحيانًا، كالغرانيت المكسور. ويمكن أيضًا أن تظهر قريبًا من السطح حيث تتشكل منها فقاعات كالقطران أو البيتومين.

واعتمادًا على تركيبته، يتنوع لون البترول قليلًا، فإن كان يحتوي على القليل من المعادن أو الكبريت، يمكن أن يكون ذو لون فاتح. وفي بعض الحالات يكاد يكون شفافًا.

وماذا عن الغاز؟

إضافة إلى البترول والفحم، هناك أيضًا الغاز الطبيعي. إذ يتألف هذا الوقود غالبًا من الميثان، رغم ذلك قد يحتوي أيضًا على كميات صغيرة من الإيثان، البروبان، البوتان، والبينتان (وهو ما قد يثير ذكريات مرتبطة بإختبارات الثانوية لدى العديد من القرّاء). وهذه المكونات في الأصل هي نتاج الكائنات الدقيقة البحرية الميتة (بعض النباتات الأرضية القديمة أنتجت الغاز الطبيعي عندما تحللت).

يظهر الغاز في ظل الظروف نفسها التي أنتجت البترول، حيث تتعرض الكائنات إلى تحولات بسبب الضغط والحرارة اللذين تختبرهما وهي مدفونة في محيط خالٍ من الأوكسجين.

يعتبر الميثان أبسط وأخف هيدروكاربون. لا لون له ولا رائحة في حالته الطبيعية لكن قابلية احتراقه عالية جدًا.

وعندما يتشكل الغاز، سيحاول أن يصعد إلى السطح، لكن تقدمه في ذلك يعتمد على نوعيةالبيئة الصخرية المحيطة به. فإن كان في الصخر مسامات وقابلًا للاختراق (يحتوي على مساحات فارغة متصلة داخليًا)، عندها يمكن للغاز أن ينفذ بشكل أسهل.

إن أغلبية إحتياطي الغاز المستعمل اليوم يأتي من رواسب في صخور ذات مسامات مفتوحة، مغروسة تحت صخور نافذة. وهذا النوع من الغاز يسمى بما يعرف بالغاز الطبيعي الاعتيادي. لكن يبقى الغاز أحيانًا عالقًا في المسامات الصغيرة داخل الطين الصخري أو الرمل الصخري أو التشكلات الأخرى للصخور الرسوبية. ويطلق على هذا الغاز اسم “الغاز الطيني” أو “الغاز المضغوط”، أو أحيانًا الغاز اللا-اعتيادي. وفي حالات أخرى، يتواجد الغاز مع رواسب النفط الخام، وهو ما يسمى حينها الغاز الطبيعي المقترن.

هل سيكون البشر وقود الغد؟

إن الوقود الأحفوري هو تراكم البقايا لمئات ملايين السنين وتعرضها لعمليات التحول الدقيقة والمعقدة التي أنتجت معًا الهيدروكاربونات المستعملة اليوم. وحقيقة أنها تأتي أولًا من نباتات وكائنات دقيقة يعني أنه يكاد من المستحيل على الأجساد البشرية أن تخوض عمليات التحول نفسها التي كونت المحروقات. لا يمكن القول أن ذلك مستحيل تمامًا، لكن من الأفضل أن يبقى هذا النوع من الأفكار مرتبطًا بالخيال العلمي على أن يكون مرتبطًا بالفرضية العلمية.

ومن المرجح، رغم أن هذا الإحتمال قد يكون شديد الندرة، أنه بعد تحلل أجزاءنا اللينة من اللحم، قد يتاح للعظام المتكونة من المعادن والمفتقرة بشدة للكربون والهيدروجين فرصة أن تتحول إلى أملاح معدنية وتصبح أحفوريات في حال كانت الظروف مثالية. لكن مما سبق ذكره، لن تكون عندها محروقات جيدة.

عمومًا، فإن بعض الجزيئات العضوية من أجسادنا بإمكانها خوض العملية التحولية، لكن الكميات ستكون ضئيلة جدًا وغير ناجعة للإستعمال، ربما لن تكون مفيدة لشحن لعبة سيارة حتى، فما بالك بسيارة طرقات حقيقية.

ولكن في النهاية تبقى هذه نقطة مثيرة للجدل. فلو تحولنا إلى وقود أحفوري، هل نريد بذلك مصدرًا آخر للتلوث وتدمير النظام البيئي؟

وحتى لو لم يكن من المرجح أن نتحول على الإطلاق إلى المواد التي تشكل الوقود الأحفوري، فإن تراثنا كجنس بشري سوف يترك بلا شك آثارًا أخرى على التاريخ الجيولوجي للأرض التي ستشهد على فرادتنا.

  • ترجمة: آية الله المؤدب
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1