في اكتشافٍ مُذهل، تُعلّم طيور (النمنمة) صغارها التغريد قبل أن يفقسوا
منذُ ما يزيد عن عقدٍ من الزمن، كان الباحثون في أُستراليا يضعون مُسجلات في أعشاشِ طائر الجنيات الرائع (Malurus cyaneus) عندما اكتشفوا شيئًا غير متوقع على الإطلاق!
وكانت إناث الطيور المُغرّدة تشدو لبيضها الذي لم يفقس بعد.
والأكثر إثارة للدهشة، هو أنهُ عندما فقست الكتاكيت أخيرًا، لاحظ الخبراء أن جميع الطيور التي نشأت في نفس العش تستخدم نغمة مُماثلة لتستجدي أمهاتها وأبيها من أجل الطعام.
كان لحن الترديد والصفارات الذي استخدموه يذكرنا بشكلٍ غريب بجزءٍ من أغنية أمهم، نفس الأُغنية التي غنتها لذريتهم عندما كانوا لا يزالون أجنّة.
لمعرفةِ ما إذا كان هذا النسل يتعلم أغنية أمهاته من خلف الصَدَفة، قام الباحثون بخلط البيض بين الأعشاش.
ومن المؤكد أن الكتاكيت التي فقست لاحقًا رنمت أغنية عشها الجديد، وليس أغنية عشها الحقيقي؛ مما يُشير إلى سلوك مكتسب في البيضة.
الآن، وجدت دراسة جديدة أجراها بعض الباحثين، أن هذا السلوك الرائع يمتد إلى سبعة أنواع أُخرى ذات صلة، بما في ذلك طائر الجنيات الرائع، وطائر الجنيات ذو الظهر الأحمر، وطائر الجنيات أبيض الأجنحة، وطائر الجنيات الأحمر المجنح، والطائر المتنوع الجنية، والجنية ذات التاج الأرجواني، والنمنمة العشبي ذو المنقار السميك.
في كل هذه الطيور، سجَّل الباحثون غناء الإناث لبيضها الذي لم يفقس، وعادةً ما يبدأ ذلك في اليوم العاشر تقريبًا من الحضانة. لم تكن هناك طيور أُخرى قريبة مرئية في الأفق.
تُشير النتائج إلى أَن هذا السلوك مُنتشر في كل مكان بين طيور النمنمة الاسترالية، وهي عائلة تعرف باسم Maluridae وربما تكون قد تطورت في سلفها المشترك منذ ملايين السنين.
من المعروفِ أن جميع الطيور تقريبًا تصدر أصواتًا غريزية للتواصل، لكن تغريد الطيور هو سِمة مُكتسبة، إذ افترض العديد من العلماء -مثل تشارلز داروين- أنها تطورت بشكلٍ حصري تقريبًا بين الطيور الذكور؛ لأسبابِ التودد.
وبالمقارنة، اعتُبرت أصوات الطيور المغردة تاريخيًا استثنائية ولا معنى لها، حتى وجدت دراسة حديثة أن أكثر من 70% من إناث الطيور المغردة في جميع أنحاء العالم تشدو أيضًا.
أستراليا، موطن الجنيات، هي في الواقع المكان الذي تطورت فيه أصوات العصافير لأول مرة منذ حوالي 33 مليون سنة.
إن الاكتشاف الجديد بين إناث الجنيات لمجموعة متنوعة من الأنواع يضيف وزنًا إلى فكرة أن الأغنية الأنثوية ليست خطأً تطوريًا، ولكنها يمكن أن تخدم غرضًا حقيقيًا ومهمًا للغاية في حياة الطيور.
ولكن في حين أن تعرض البيض لنداءات الطيور رُبط بالتكوين والتطور الحسّي، فإن الطريقة التي يتم بها تعلم غناء الطيور في مرحلة الجنين لم يتم استكشافها إلى حدٍ كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث الموجودة غالبًا ما تستخدم الطيور المعزولة اجتماعيًا.
تقول عالمة بيئة الحيوان وكبيرة الباحثين ديان كولومبيلي نيغريل/Diane Colombelli-Négrel من جامعة فلندرز/Flinders: «في هذه الدراسة، نظهر سلوك الأمومة الذي يتوافق مع سلوك النطق الموجه من قبل التلاميذ عندما تنادي الأمهات أجنتها».
في جميع الأنواع الثمانية التي نُظر فيها في عائلة النمنمة الاسترالية، وجد الباحثون أن النسل كرر جزءًا من نداء أمهم، المعروف باسم العنصر B.
بعد الفقس، تُغني الكتاكيت هذه الأغنية لطلب الطعام من والديها. حُسنت دقة محاولتهم إذا كانت أمهم قد غنت لهم الأغنية بمعدل أبطأ عندما كانوا مجرد أجنّة؛ مما يُشير إلى أَن الأجنّة كانت تهتم حقًا بالأغاني.
من بين جميع أجزاء أغنية الجنيات، غنت الإناث العنصر B لبيضها أكثر من غيرها، بنسبة تصل إلى 96 بالمائة من الوقت.
ربما تم غناء عناصر أُخرى، مثل A أيضًا لتوفير التباين للأجنّة؛ مما قد يسمح لها بفصل الألحان المختلفة عندما تفقس أخيرًا.
وكما هو متوقع، عندما قام الباحثون بتشغيل الأغاني الأنثوية على أجنة هذه الطيور، أظهر النسل الذي لم يفقس استجابة أقوى لمعدل ضربات القلب للعنصر B أكثر من أي جزء آخر.
لا تعرف كولومبيلي نيجريل وزملاؤها سبب تطور هذا التعلم المبكر للأغنية، لكن لديهم بعض الأفكار.
قد تساعد الأصوات -في العش- الجنيات على تجنب خداع الوقواق، الذي يضع بيضه في أعشاش الطيور الأُخرى؛ لتجنب متطلبات تربية صغاره.
يُحتضن بيض الوقواق لبضعة أيام فقط، وهي ليست فترة كافية لتعلم أغنية التسول لطائر النمنمة الأسترالية. يقول الباحثون إنه عندما يفقس البيض، فمن غير المرجح أن تقوم أم النمنمة بإطعام الدخيل لأنها لا تملك “صوت التغريدة” الصحيحة.
هناك احتمال آخر يتعلق بالانتقاء الجنسي.
وبعيدًا عن كونهم لاعبين سلبيين في المغازلة، التي تنطوي على غناء الذكور للإناث، فمن الممكن أن تقوم إناث طيور النمنمة -من خلال الغناء لصغارها- بتعليم نسلها تفضيل سِمات ثقافية معينة، والتي سيتم بعد ذلك نقلها إلى الجيل التالي.
كلما تعرَّف العلماء على الأغاني المذهلة التي تصدرها إناث الطيور، بدأوا يدركون أكثر: الإناث ليست الجنس الأضعف أو الأكثر صمتًا.
- ترجمة: منهل زريقة
- تدقيق لغوي: فاطمة قائد
- المصادر: 1