اللحوم الحمراء تسبب أمراض القلب. ماذا لو لم تفعل؟
تشير إحدى الدراسات إلى ضرورة تقليل استهلاك اللحوم الحمراء، وتقول أخرى إنه يمكننا الاستمتاع بذلك. أيهما يجب أن نصدق؟
يحب الأمريكيون تناول اللحوم ويعشقونها. ففي حين يبلغ متوسط استهلاك الشخص في جميع أنحاء العالم ما يعادل 42 كيلوغرام (92 رطلًا) من اللحوم سنويًا، يلتهم آكل اللحم الأمريكي العادي أكثر من 120 كيلوغرامًا (265 رطل).
معظم هذه اللحوم هي من الدواجن، التي سيطرت على مائدة العشاء منذ مطلع القرن الحالي. وعندما تأخذ في الاعتبار أن متوسط وزن الدجاجة يبلغ تقريبًا 2.75 كيلوغرام (6 أرطال) وقت الذبح، فهذا يعني أن هناك الكثير من الطيور التي تذبح.
هذا لا يعني أن الأمريكيين قد تخلّوا عن استهلاك اللحوم الحمراء أو المصنّعة، فمنذ خمسينيات القرن العشرين، كانت اللحوم الحمراء رمزًا للازدهار الأمريكي، وبينما انخفض الاستهلاك بشكل مطّرد منذ شهوة لحوم البقر في السبعينيات، ما زلنا نحافظ على حُبنا لشرائح اللحم المشوية، والبرغر الطري، وتلك اللحوم المصنعة المقطعة الباردة في الخبز. وقال أغلبية الذين شملهم الاستطلاع في عام 2012 إنهم يأكلون اللحوم الحمراء مرة إلى أربع مرات في الأسبوع، وهو رقم لا يشمل الدواجن والأسماك.
ولكن حتى هذا قد يكون أكثر من اللازم، إذ وفقًا لتحليل Meta نشر في JAMA Internal Medicine، فإن تناول حصتين فقط من اللحوم الحمراء واللحوم المصنعة أسبوعيًا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة، ولا تُعد الدواجن بديلًا حميدًا تمامًا.
خطر اللحوم الحمراء
حلّل الباحثون ست دراسات جماعية، بلغ مجموعها 29,682 مشاركًا، وقد استُطلعت آراء المشاركين حول عاداتهم الغذائية وصحتهم، كما جُمعت البيانات الأساسية من عام 1985 إلى عام 2002 مع إجراء عمليات المتابعة حتى آب/أغسطس 2016.
وقد وجد الباحثون أن تناول حصتين من اللحوم المصنعة أسبوعيًا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 7%، أو بفارق خطر مطلق يبلغ 2% تقريبًا، كما ارتبطت حصتان من اللحوم الحمراء بارتفاع المخاطر بنسبة 3%، أو قرابة 1% من المخاطر المطلقة، وارتبطت الدواجن بمخاطر مماثلة، ولم يُظهر استهلاك الأسماك أي خطر متزايد.
ثم درس الباحثون في الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب. ووجدوا أن خطر الوفاة المبكرة يزيد بنسبة 3% عند تناول اللحوم الحمراء والمعالَجة، مع عدم وجود خطر عند تناول الدواجن أو الأسماك.
قال فيكتور تشونغ، مؤلف الدراسة الرئيسي، في بيان له: «إنّ تعديل تناول هذه الأطعمة البروتينية الحيوانية، قد يكون استراتيجية مهمة للمساعدة في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة المبكرة على مستوى التعداد السكاني».
في القلب أم مجرد تخمين؟
ربما تفكر الآن: «انتظر! ألم تكن هناك دراسة في العام الماضي تقول إنه من المقبول تناول اللحوم الحمراء؟ نعم، نعم لقد وجدت هكذا دراسة».
استند تحليل Meta هذا، والذي نُشر في دورية Internal Medicine في تشرين الأول/أكتوبر، على أربع مراجعات منهجية للتجارب والدراسات التي تبحث في العلاقة بين استهلاك اللحوم الحمراء والمعالجة، والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات.
في إحدى المراجعات، درس الباحثون 12 تجربة، بلغ مجموعها 54,000 مشاركًا، ولم يجدوا أي ارتباط كبير بين استهلاك اللحوم وخطر الإصابة بأمراض القلب أو السرطان، وفي المراجعات الثلاث الأخرى، درسوا المراجعات المتعلقة بالوفيات الناجمة عن جميع الأسباب، والتي بلغ مجموعها أربعة ملايين مشارك. إذ وجدوا انخفاضًا طفيفًا جدًا في المخاطر ولكن لم يعثروا على أي ارتباط مؤكَّد.
وخلص الباحثون في نهاية المطاف إلى أن الروابط كانت صغيرة، والمخاطر منخفضة، والأدلة النوعية غير موجودة. ونتيجة لذلك، أوصوا بأن يستمر البالغون في تناول اللحوم الحمراء والمعالجة بمستوياتها الحالية، ولم يروا أي سبب لتقليل استهلاكها من أجل الصحة.
قال برادلي جونستون، عالم الأوبئة في جامعة دالهوزي والمؤلف المشارك في الدراسة في بيان له: «هذه ليست مجرد دراسة أخرى عن اللحوم الحمراء والمصنعة، ولكنها سلسلة من المراجعات المنهجية عالية الجودة التي تؤدي إلى توصيات نعتقد أنها أكثر شفافية وقوة وجديرة بالثقة».
ومع ذلك، فإن العديد من خبراء التغذية والمنظمات مثل جمعية القلب الأمريكية وجمعية السرطان الأمريكية عارضوا هذه الدراسة وطالبوا بحجب نشرها.
قال فرانك هو، رئيس قسم التغذية في جامعة هارفارد: «إن هذه التوصية الجديدة المتعلّقة باللحوم الحمراء واللحوم المصنعة استندت إلى منهجية معيبة وتفسير خاطئ للأدلة الغذائية، إذ استخدم المؤلفون طريقةً غالبًا ما تُطبَّق على التجارب السريرية العشوائية للأدوية والأجهزة، والتي عادةً ما تكون غير مجدية في الدراسات الغذائية».
أنت والبيانات الغذائية
ما الذي يجب أن نستخلصه من هذا الجدل بين خبراء التغذية؟ أولًا، لحظت كلتا الدراستين انخفاض خطر الوفاة المبكرة لدى الأشخاص الذين يقللون من استهلاك اللحوم الحمراء والمعالجة، كما وجدوا أنّ هذا الانخفاض كان صغيرًا.
ويكمن الفرق في كيفية اعتقادهم بضرورة إيصال المخاطر إلى الجمهور وكيف ينبغي للناس أن يتعاملوا مع وجباتهم الغذائية اليومية.
وأضاف ديفيد أليسون، عميد كلية الصحة العامة بجامعة إنديانا، لصحيفة نيويورك تايمز: «إن معايير الأدلة الخاصة بالاستنتاجات العلمية هي أمور علمية، ولا ينبغي أن تعتمد على اعتبارات علمية إضافية، كما أن معايير الأدلة في التوصيات هي مسائل تتعلق بالحكم الشخصي، أو في بعض الحالات بالتشريع».
ترتبط اللحوم الحمراء والأطعمة المصنعة بانخفاض خطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب. وهذا إجماع علمي. ولا يشبه أبدًا القول ما إذا كان ينبغي على الأفراد تناول تلك اللحوم أم لا.
على سبيل المثال، إذا كان تغيير العادات الغذائية يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 3%، فهذا يعني أن ثلاثة فقط من كل مائة شخص سيرون إحصائيًا تلك الفوائد، بينما الغالبية العظمى، 97 شخصًا، لن ترى ذلك. وهذه هي وجهة نظر التوصية في دورية Internal Medicine: لن تغير المبادئ التوجيهية الحالية كثيرًا على المستوى الفردي.
ومن ناحية أخرى، إذا وُزّع هذا الخطر على مجموعة سكانية بأكملها، فستصبح التأثيرات الصحية مذهلة. فبالنسبة لسكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 327 مليون نسمة، إن انخفاض المخاطر بنسبة 3% يعني انخفاض عدد الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب بمقدار 9,810,000 شخص، وبما أن التوصيات الصحية عامة على جميع السكان، فمن المنطقي أن يستهدف الخبراء النصائح الفردية مع أخذ الجمهورفي الاعتبار.
لقد كتب آرون كارول، وهو طبيب ومؤلف كتاب “الكتاب المقدس للأغذية السيئة”، كما تحدث كثيرًا عن هذا الموضوع. إذ كانت نصيحته كما يلي: «إذا كنت تتناول حصصًا متعددة من اللحوم الحمراء يوميًا، فقد ترغب في التقليل منها. أما إذا كنت تأكل حصتين في الأسبوع، فمن المحتمل أن تكون على ما يرام».
وبالابتعاد عن اللحوم، تتفق الأبحاث الغذائية أيضًا على ما يجب أن يأكله الشخص العادي يوميًا. ففي مقابلة مع Big Think، لخّص ديفيد كاتز، مدير مركز أبحاث الوقاية بجامعة ييل، النتائج بشكل جيد:
هل تريد أن تأكل السمك؟ كل السمك. هل تريد أن تأكل المأكولات البحرية؟ تناول المأكولات البحرية. هل تريد أن تأكل بعض اللحوم الخالية من الدهون؟ افعل ذلك. هل تريد أن تأكل البيض؟ افعل ذلك. هل تريد أن تأكل الألبان؟ افعل ذلك. لكن الجزء الأكبر من نظامك الغذائي يجب أن يتكون من الخضار والفواكه والحبوب الكاملة والفاصوليا والعدس والمكسرات والبذور. وهذا صحيح في جميع أنحاء العالم حيث يبذل الناس قصارى جهدهم للالتزام بذلك.
أما إذا اخترت أن تأكل اللحوم، فإنك ستأكل ما يمليه عليك ذاتك. لكنك ستفعل ذلك على مسؤوليتك الخاصة.
- ترجمة: عبير ياسين
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1