جزيء واحد فقط يتيح لنا رؤية ملايين الألوان أكثر من الحيوانات الأليفة
لكلّ منّا نظرةٌ مختلفة لما يحيط به تجعل من الصعب تخيّل شكل العالم من خلال أعين شخصٍ آخر، وخاصةً الحيوانات المختلفة.
ولكن دراسة جديدة كشفت تنوّع طرق الرؤية حتى بين البشر المختلفين، وذلك باستخدام شبكية العين البشرية المصنوعة في المختبر.
ربّما يتعلق الأمر بطريقة تشكل المخاريط الحمراء والخضراء في شبكية العين، (وهي خلايا استشعار الضوء في عيون الفقاريات) واستجاباتها للأطوال الموجية المختلفة مجتمعةً تمكننا من رؤية الألوان.
إن البشر وبعض المُقدّمات (أعلى رتب الثدييات) ذات الصلة الوثيقة هم الثدييات الوحيدة المعروفة التي يمكنها رؤية اللون الأحمر، والأخضر، والأزرق.
كما يمكن لحيواناتٍ أخرى رؤية اللون الأحمر، مثل: (العديد من الطيور وبعض الحشرات).
ويرتبط نوع الرؤية التي يمتلكها الحيوان ارتباطًا وثيقًا بتطوره ليميّز النباتات التي تنتج الفاكهة والزهور، إذ كانت هذه القدرة مفيدة جدًا للحيوانات، على سبيل المثال: لاكتشاف تفاحة حمراء ناضجة بين أوراقٍ خضراء كثيفة.
كما يُعتبر حيوان بوسوم العسل (Tarsipes rostratus) من الثدييات التي تتمتع بالقدرة على رؤية اللون الأحمر، إذ يمتلك هذا الملقّح الجرابي الأسترالي قدرة شبيهة بقدرة الطيور على البحث عن الرحيق في نبات البنكسيا الخجول، وذلك يُصنّف من الأمثلة الرائعة على التطور المتقارب (وهو التطور المستقل لميزات متشابهة لدى أنواع من فترات أو عصور مختلفة من الزمن).
تتطابق المخاريط الحمراء والخضراء لدينا بشكل أساسي، مع اختلاف كيميائي طفيف في تحديد اللون الذي ستكتشفه.
يظهر بروتين يسمى ‘الأوبسين opsin’ بصفتين مميزتين مختلفتين، إحداهما حساسة للون الأحمر والأخرى حساسة للون الأخضر، وتتوضّع صيغتاهما الوراثية جنبًا إلى جنب على كروموسوم X.
لذلك فإنه من السهل جدًا أن تختلط تلك المخاريط في أثناء إعادة التركيب، مما يؤدي إلى اختلافات في عمى الألوان (الأحمر والأخضر) الخلقي.
يقدم بحث جديد الآن بعض التوضيحات حول ماهية هذه المكونات الرئيسية التي تحدد الرؤية -والتي تشكل 4% فقط من الفرق بين الجينات التي ترمز لهذه البروتينات-.
كنا نعتقد سابقًا أن تحديد المخروط كان عشوائيًا بشكل أساسي، مع أن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن مستويات الغدة الدرقية تؤدي دورًا في ذلك.
ولكن، اكتشف فريق من جامعة جونز هوبكنز وجامعة واشنطن أن مستويات جزيء مشتق من فيتامين A يسمى ‘حمض الريتينويك’ يصنع أو يدحض نسب المخاريط الحمراء والخضراء -على الأقل في حالة شبكية العين المزروعة في المختبر-.
يقول عالم الأحياء التطوري روبرت جونستون Robert Johnston من جامعة جونز هوبكنز: «أتاحت لنا هذه العضويات الشبكية لأول مرة دراسة هذه السمة الخاصة بالبشر. إنه سؤال كبير حول ما يجعلنا بشرًا وما يجعلنا مختلفين».
نتج عن تعريض شبكية العين للمزيد من حمض الريتينويك خلال فترة النمو المبكرة (أول 60 يومًا) في المختبر، ارتفاع نسب المخاريط الخضراء في جميع أنحاء العضو بعد 200 يوم، بينما تطورت المخاريط غير الناضجة التي تعرضت لمستويات منخفضة من الحمض إلى مخاريط حمراء في وقت لاحق.
إن التوقيت مهم أيضًا، فإذا أُدخِل حمض الريتينويك في عمر 130 يومًا وأكثر، لن يختلف التأثير، كما لو أنه لم يُضَف أي حمض على الإطلاق. وهذا يشير إلى أن الحمض يحدد نوع المخاريط في وقت مبكر، ولا يمكن أن يتسبب في تحوّل المخاريط الحمراء إلى مخاريط خضراء قد نضجت بالفعل.
كانت جميع شبكيات العين المزروعة في المختبر ذات كثافة مخروطية متشابهة، مما سمح للفريق باستبعاد موت الخلايا المخروطية باعتباره يؤثر على نسبة اللون الأحمر إلى اللون الأخضر.
تقول عالمة الأحياء التطورية ‘سارة هادينياك Sarah Hadyniak’، التي شاركت في تأليف الدراسة في أثناء دراستها في جامعة جونز هوبكنز: «إن النتائج التي توصلنا إليها لها آثار على معرفة طريقة تأثير حمض الريتينويك على الجينات بالتحديد».
ولمعرفة مدى تأثير ذلك على رؤية الإنسان، درس الباحثون شبكية العين لدى 738 من البالغين الذكور الذين لا يعانون من أي علامات على نقص في رؤية الألوان.
واندهش الباحثون من التباين الطبيعي في نسبة المخاريط الحمراء إلى المخاريط الخضراء في هذه المجموعة.
يقول هادينياك: «كانت مشاهدة طريقة تغير نسب المخروط الأخضر والأحمر لدى البشر من أكثر النتائج المدهشة في البحث الجديد».
من غير الواضح كيف يمكن أن يحدث هذا الكمّ من الاختلاف دون التأثير على التغيرات في الرؤية.
وكما قال جونستون: «إذا كانت هذه الأنواع من الخلايا تحدد طول ذراع الإنسان، فإن النسب المختلفة ستُنتج أطوال أذرع مختلفة بشكل مذهل».
- ترجمة: روان نيوف
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1