درجات الحرارة المتطرفة تهدد صحة القلب

يتوقع أطباء القلب ازدياد خطر حدوث النوبات القلبية مع اتجاه درجات الحرارة نحو التّطرّف صيفًا وشتاءً.

أسمعتَ يومًا أنّ تجريف الثلج قد يسبب نوبة قلبية؟

في الواقع هذا فيه بعض الحقيقة. فالجهد الجسدي الناجم عن تجريف الثلج هو عامِل بالتأكيد، ولكن حتى الأشخاص المعتادون على العمل في فِناء المنزل قد يصابون بالإجهاد. عندما تصل درجات الحرارة إلى مستويات الصقيع، فإنّ القلب يُجهد نفسه محاولًا منع الجسم من الموت متجمّدًا، والحالة السابقة بشكلٍ خاص تدفعه لضخ الدم بقوةٍ أكبر.

توضح أعداد متزايدة من الدراسات الرابط بين درجة الحرارة البيئية وصحة القلب، فبرودة الطقس ليست مصدر القلق الوحيد، فقد أظهرت الدراسات أنّ ارتفاع الحرارة إلى 108.9 درجة فهرنهايت يضاعف ثلاث مرات خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. وبتسجيل شهر سبتمبر/أيلول من عام 2023 كأشد الأشهر غرابة من ناحية ارتفاع الحرارة في التاريخ المناخي المُسجَّل، وميل درجات الحرارة العالمية إلى الارتفاع خلال العقد القادم بمقدار 1.5 درجة سيلزيوس (2.7 درجة F) عن مستويات الحرارة ماقبل الثورة الصناعية، ستكون الحرارة مهددة لصحة القلب بشكل أكثر شيوعًا مماهي الآن.

تقول طبيبة القلب (Jennifer Wong) وهي المشرف الطبي لعلاج القلب دون جراحة في مستشفى (MemorialCare Heart & Vascular Institute) في كاليفورنيا: «بمعرفة تأثير الحرارة في أعضائنا، أنا متأكدة أننا سنشهد ازديادًا في النوبات القلبية مع ارتفاع حرارة الجوّ»، وتضيف:«قد تبدأ مراكز الرعاية القلبية بفحص عددٍ أكبر ممن يعانون من أعراض قد تؤدّي إلى حدوث نوبة قلبية، وهذا يتضمّن الألم الصدري، وانخفاض تدفّق الدم، وازدياد جهد القلب».

لا توجد طريقة للسيطرة على الطقس، لكن لديك بالفعل القدرة اللازمة لحماية قلبك من رداءة الطقس، وتعرّفُ المزيد حول المخاطر يمثل الخطوة الأولى.

كيف يؤثّر الطقس البارد في القلب؟

وفقًا لقول (Laxmi Mehta) طبيبة القلب في مشفى أوهايو: “درجة حرارة جسم الإنسان الطبيعية تتراوح بين (97.5 و98.9) درجة فهرهايت، عندما يبدأ البرد القارس بخفض هذه الحرارة، يستجيب الجسم بتنشيط النظام العصبي الودي (وهو المعروف بإطلاقه استجابة الفرد للهجوم أو الهروب)، وهذا يطلق تقنيات محددة للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الحرارة، إحدى هذه التقنيات تضييق الأوعية الدموية، وهذا يحدث عندما تتقلص العضلات الموجودة في جدران الأوعية الدموية لمنع فقدان الحرارة». إنّ الدم عنصر أساسيّ في الحفاظ على درجة حرارة الجسم، فهو بشكل طبيعي ينشر الحرارة في أجزاء الجسم كله، وفي البرد القارس تقلّص الجملة العصبية الودية تدفّق الدم إلى الجلد لإبقاء الجسم دافئًا.

تضيّق الأوعية الدموية وتقليص تدفّقِ الدم يُبقيان الإنسان دافئًا، لكنّهما أيضًا يزيدان ضغط الدم، فقد أظهرت دراسة لم تُراجَع بعد في المؤتمر الطبي الأمريكي لأمراض القلب بداية هذه السنة، أنّ ضغط الدم الانقباضي (وهو قياس ضغط الدم بالقراءة الأعلى والذي يمثل القوة الضاغطة على جدران الشريان عندما ينقبض القلب) يميل إلى الارتفاع في فصل الشتاء، مقارنة بقياسه في فصل الصيف، وهذا الضغط المرتفع يدفع القلب لبذل جهدٍ أكبر في دفع الدم للدوران عبر الجسم.

تفيد (Mehta) قائلة: «هذا الإجهاد قد يزيد معدل ضربات القلب وضغط الدم، الذي يمكن أن يؤدي إلى أعراض قلبية لدى بعض الناس، ويمكن أن يتسبب حتى بنوبات قلبية». وتحذّر من أنّ درجات الحرارة المنخفضة قد ترفع أيضًا خطر تشكل الخثرات الدموية، ذلك أنّ لزوجة الدم تزداد عندما يكون الجو باردًا، ومن المحتمل أن تسببّ الّلزوجةُ التصاقَ الصفيحات مُشكِّلة خثرة دموية، تزيد بدورها خطر حدوث نوبة قلبية أو احتشاء.

الخطر المحدق بالقلب في موسم الأعياد

إنّ الشتاء في نصف الكرة الأرضية الشمالي هو فترة للاحتفال ببعض أعظم أعياد السنة، وأيضًا لازدياد النوبات القلبية. فقد وجدت دراسة نُشرَت في (BMJ) عام 2018 أنّ احتمال تعرض الناس للإصابة بالنوبات القلبية في احتفالات عيد الميلاد أكبر مقارنة باحتفالات وأحداث أخرى، فالجو البارد والجهد الكببر الإضافي اللازم للتخطيط لهذه الأعياد، إلى جانب التساهل في تناول الملح، واللحوم عالية الكولسترول، قد يُنسي الناس نشاطَهم الحركي، ونظامهم الغذائي المعتاد لصحة القلب، واجتماع هذه العوامل يزيد خطر حدوث نوبة قلبية.

وتشرح (Mehta) قائلة: «يتناول الناس الطعام خارجًا بشكلٍ أكبر، ويشربون المزيد من الكحول، ويتمرنون وينامون أقل من المعتاد، كما أنّ الحماس لقضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة قد يؤدي لتجاهل الناس الأعراض أو محاولة تأجيل معالجة الأعراض إلى ما بعد فترة الأعياد».

كيف تؤذي الحرارة صحة القلب

وفقًا لقول (Craig Crandall) وهو أستاذ في الطب الداخلي في جامعة (Texas Southwestern Medical Center)، ودرس تأثير الحرارة في الجهاز القلبي الوعائي: « الحرارة كالبرودة قد تهدد مركز تنظيم الحرارة. فالجملة العصبية الودية تزيد تدفق الدم إلى الجلد، وهذا إلى جانب تضيّق أو توسّع الأوعية الدموية يساعد في تجاوز تبدد الحرارة»، ولكن جَلبُ المزيد من الدم إلى سطح الجسم في يوم حارّ، يدفع القلب إلى العمل بجهد إضافيّ، إذ على القلب أن ينبض أسرع ليضاعف سرعة دوران الدم من ضعفين إلى أربعة أضعاف في الدقيقة الواحدة عما تكون عليه في الطقس الاكثر راحة.

ويشرح (Crandall) قائلًا: «يجب أن يعمل قلبك بجهد أكبر لأنه لايزال بحاجة لدفع الدم داخل باقي أعضاء الجسم، وبالإضافة إلى ذلك، فهناك حاجة لدفع المزيد من الدم عبر الجلد لمساعدة الجسم على تبريد نفسه».

ويتابع (Crandall): إذا استمر شعور المرء بالحرارة الشديدة، فإن دماغه سيتابع إرسال إشارات إلى القلب لينبض أسرع، وهذا بكل تأكيد ما لا يستطيع القلب الاستمرار فيه دون توقف، لأنّ زيادة الطلب على تدفق الدم، يعني حاجة متزايدة للأوكسجين، لذلك ضغط الحرارة قد يُسبّب إجهادَ عضلة القلب وإدخالها في حالة من الافتقار الشديد للأوكسجين، وذلك ربما يسبب عواقب وخيمة لاسيّما عند الأفراد الذين يعانون أشكالاً مختلفة من أمراض القلب، فعلى سبيل المثال، من يعاني من انسداد الشرايين لديه مسبقًا مشكلة في تزويد القلب بالأ كسجين والمُغذيّات الأخرى، والجهد الإضافي قد يعرّضه لخطر الإصابة بنوبة قلبية.

– كيف تحمي قلبك

خلال الطقس المتطرّف، يجب أن يبقى الناس داخل المنازل إذا استطاعوا، ويشغلوا التدفئة أو التكييف حسب الحاجة، فإن كنت مضطرًّا للخروج، ارتد ما يناسب، ولأولئك الذين الذين يعانون مرضًا في القلب، تقدم (Mehta) نصيحة بتدفئة الجسم قبل الخروج في الجو البارد، وإن كان عليك القيام بعمل مُجهد كجرف الثلج خذ استراحات متتالية.

ويحثّ(Crandall) الأشخاص الذين لديهم خطورة مرتفعة للإصابة بأمراض القلب، على البقاء في أماكن داخلية معتدلة الحرارة قدر الإمكان خلال موجات الحر الشديد (سواء في المنزل أم في الأماكن العامة)، وقد لاحظ أيضًا أن الترطيب الشامل يساعد في طرد الحرارة الزائدة عن طريق التعرّق.

في الختام، يتّفق معظم أطباء القلب على أنّ أفضل طريقة لتجنّب ارتباط الطقس بالنوبات القلبية، هي تقليص خطر تعرض القلب للمشكلات في المقام الأوّل. ويقول (Wong): إنّ فهم الضغط الذي تضعه درجات الحرارة المتطرفة على الجسم، واستخدام وسائل قياس مناسبة وآمنة في هذه الحالات هو شيء مهمّ وأساسيّ، لكنّ القيام بكل ما يمكنك فعله لمنع الإصابة بأمراض القلب من تمارين رياضية، ومحافظة على نظام غذائي صحي وتلقّي العلاج، له الأهمية ذاتها.

  • ترجمة: فريال حنا
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1