نصف حالات جدري الماء المشتبه بها في الولايات المتحدة قد لا تكون كذلك
في وقت من الأوقات، كان جدري الماء من الأمراض الشائعة في مرحلة الطفولة، وكان الظهور المفاجئ لعدد قليل من البقع الحمراء التي تتحول إلى بثور من أبرز الأعراض التي يمكن التعرف عليها على الفور تقريبًا من قبل الآباء والأطباء.
لكن مع وجود أكثر من 4 ملايين حالة كل عام في أوائل التسعينيات في الولايات المتحدة وحدها، عانى جميع الأطفال الأمريكيين تقريبًا من الطفح الجلدي في مرحلة ما. وما كان مصدر إزعاج بسيط للكثيرين كان مدمرًا بالنسبة للبعض الآخر، حيث أُدخل الآلاف إلى المستشفى وتوفي المئات بسبب المرض شديد العدوى.
لا يزال جدري الماء شائعًا عند عدد من السكان في جميع أنحاء العالم، حتى في البلدان الغنية مثل السويد حيث التطعيم ضد الفيروس مجاني ولكن طوعي. ومع ذلك، وبفضل حملة التطعيم الناجحة على نطاق واسع التي بدأت عام 1995، ووفقًا لتقرير صادر عن وزارة الصحة في ولاية مينيسوتا، أصبح المرض الآن نادرًا جدًا في الولايات المتحدة لدرجة أن الأطباء يخطئون في تشخيصه أغلب الأحيان.
ومما لا شك فيه، تعد الندرة الحالية في حالات الإصابة بجدري الماء في الولايات المتحدة أمر جيد. فقد أدت جهود تطعيم الأطفال في جميع أنحاء البلاد إلى خفض أعداد الحالات وحالات العلاج في المستشفيات والوفيات بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا بنسبة تزيد عن 97%.
ومع ذلك، ما زال وجود عدد قليل جدًا من دراسات الحالة الشديدة التي يمكن دراستها يمثّل تحديًا تشخيصيًا للأطباء المختصين.
إذ لا يزال من الممكن أن يصاب بعض الأفراد الذين تلقّوا اللقاح ضد جدري الماء بالمرض، عادةً مع حمى أخف وبثور أقل أو معدومة، مجرد ظهور بقع حمراء. ويحدث هذا في كثير من الأحيان عند أولئك الذين تلقّوا جرعة واحدة فقط من اللقاح، وليس الجرعتين الموصى بهما.
ونظرًا لأن جدري الماء «المبتكر» الأكثر اعتدالًا يبدو مختلفًا عما قد يتوقعه الأطباء من مرض الطفولة الذي كان منتشرًا في السابق، فقد يكون من الصعب تشخيصه بمجرد النظر إلى الطفح الجلدي أو البقع الحمراء.
ولكن التشخيص الدقيق لمرض جدري الماء مطلوب لتشكيل سياسات الصحة العامة، والاستجابة لتفشي المرض، وتقييم برامج التطعيم، وفهم وبائيات المرض، التي تحوّلت بشكل كبير منذ عام 1995.
في عام 2016، وسّعت وزارة الصحة بولاية مينيسوتا (MDH) اختباراتها المخبرية لمرض جدري الماء ومراقبة النتائج. وقدّمت الإدارة اختبارات مجانية في مختبرات الصحة العامة التابعة لها لحالات الإصابة بجدري الماء، بما في ذلك الحالات التي شُخّصت في العيادات الطبية، وتلك المبلّغ عنها في المدارس أو مراكز رعاية الأطفال. كما كانت مجموعات الاختبار المنزلية المجانية متاحة للعائلات.
وقد وجد التحقيق أنه من بين ال 420 مريضًا الذين اشتبه في إصابتهم بجدري الماء، والذين قدّموا عينات إلى مختبرات MDH بين كانون الأول/ديسمبر 2016 وآذار/مارس 2023، كانت نتيجة اختبار 37% منهم فقط إيجابية لفيروس الحماق النطاقي varicella-zoster، الفيروس الذي يسبب جدري الماء.
وكان خُمس تلك الحالات الإيجابية عبارة عن أمثلة على «اختراق» جدري الماء، إذ تلقّوا جرعة واحدة على الأقل من لقاح جدري الماء، وتلقّى اللقاح حوالي نصف المرضى الذين اختبروا بواسطة MDH بشكل كامل أو جزئي.
وبشكل أكثر تحديدًا، من بين 208 مرضى الذين اشتبه أطباؤهم في إصابتهم بجدري الماء بعد فحصهم في منشأة طبية، تبيّن أن 45% فقط (أو 95 مريضًا) أثبتت إصابتهم بالمرض. وقد ثبتت إصابة 26 آخرين بالفيروس المعوي، وعُثر على شخص واحد مصاب بفيروس HSV-1، وهو نوع مختلف من فيروس الهربس المرتبط بجدري الماء.
وهذا يترك 86 مريضًا من سكان مينيسوتا الذين أظهروا نتيجة سلبية تتعارض مع شكوك طبيبهم، إذ ربما كانوا مصابين ببعض الآفات الجلدية الأخرى أو العدوى التي شُخّصت خطأ على أنها جدري الماء.
وخلُصت أليسون روبريخت من MDH وزملاؤها في تقريرهم إلى أن «هذه النتائج تشير إلى أن التشخيص السريري للحماق يمكن أن يكون غير موثوق به، خاصة في المرضى الذين تلقّوا اللقاح، وتشير إلى أهمية التأكيد المخبري للحماق».
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن نتائج الاختبارات من مختبرات MDH لا تمثل سوى جزء صغير من حالات جدري الماء المؤكدة مخبريًا في ولاية مينيسوتا خلال فترة الست سنوات هذه، لذا فإن بياناتها لا تعكس الصورة الكاملة لتشخيص الأطباء.
وفي حين أن النتائج يجب أن تحثّ الأطباء على مراجعة ممارسات الاختبار الخاصة بهم، إلا أنها نتيجة ثانوية لحملة تطعيم ناجحة أدّت إلى خفض أعداد حالات جدري الماء في الولايات المتحدة.
ربما في يوم من الأيام، ستكون الحالات الوحيدة التي سيتمكن الأطباء من رؤيتها هي تلك المحفوظة في السجلات التاريخية.
لم تُراجع جهود مراقبة الصحة العامة من قبل النظراء مثل الدراسة البحثية، ولكن يمكن الوصول إليها في التقرير الأسبوعي للمرضى والوفيات الصادر عن مركز السيطرة على الأمراض.
- ترجمة: عبير ياسين
- تدقيق علمي ولغوي: حلا سليمان
- المصادر: 1