هل يُمكنُ في يومٍ من الأيامِ تحميل عقولنا إلى كمبيوتر؟

يهدفُ ال “Transhumansim” إلى تعزيز البشر تقنياً بما يتجاوزُ القيود البيولوجية، وسيثيرُ ذلكَ العديدَ من المخاوفِ الأخلاقية.

نوقشَ هذا الموضوع على نطاقٍ واسعٍ، بالرغم أنهُ لا يزالُ بعيداً عن قدراتنا التكنولوجية.

نحن بعيدين جداً عن فهمِ طبيعةِ الدماغ وتركيبه، ناهيك عن نسخه؛ بسبب تركيبة الدماغ المعقدة.

فكرة تحميل عقولنا على الحاسوب تحسبها لوهلة نسجاً من الخيال العلمي ولكنها أصبحت أكثرَ انتشاراً بينَ كبارِ المفكرين (تشالمرز، 2024؛ هراري، 2015؛ كوين، 2012). تصفُ ما بعدَ الإنسانية فكرةَ استخدامِ التكنولوجيا لتعزيزِ القدرات البشرية بشكل يتجاوز القيود البيولوجية – أو “تحرير الجنس البشري من قيوده البيولوجية” (فوكوياما، 2004).

هذا الأمرُ ليس غريباً كما يبدو؛ قد يتفقُ معظمُ الناسِ على أن السماعاتِ والنظاراتِ الإلكترونية أمرٌ جيد (Trippett, 2018). حتى أن الأطرافَ الإلكترونيةَ أصبحت مقبولةً على نطاقٍ واسعٍ ومحتفى بها. (Meyer & Asbrock, 2018).

الجزءُ المخيف يعودُ عندما نغوصُ أعمقَ في الوادي الغريب – مصطلح يعبر عن شعور البشر تجاه الروبوتات اللي تشبه الإنسان- (موري، 1970/2012) حيثُ تندرجُ فكرة نقل عقولنا إلى كمبيوتر في فئة الخطر بالنسبةِ للكثيرين والبعض الآخر ينظرُ إليها كطريقٍ للخلود.

استثمرَ بعضُ الناسِ مبالغ طائلة من المالِ لضمانِ حفظِ أجسادهم أو على الأقل أدمغتهم بالتبريدِ على أملِ إعادة إحيائها في المستقبل من خلال التكنولوجيا (جيرمان، 2022).

مأزقٌ أخلاقيٌ وفلسفي:

تَخِلقُ النزعةَ “ما بعد الإنسانية” عدداً كبيراً منَ المخاوفِ الأخلاقية حولَ المساواة والوصول والموافقة والمخاوف المتعلقة بالسلامة وفقدان الهوية البشرية والعواقب غيرَ المقصودة – على سبيل المثال لا الحصر- تنقسم الآراء بشكلٍ حاد، حيث يرى البعض أنه طريق إلى مستقبلٍ سعيد، بينما يعبرُ آخرون عن قلقهم من أنهُ قد يكون أقربَ إلى خلقِ فرانكشتاين لوحشٍ لا يمكن السيطرة عليه. (إيبتس، 2021؛ كوخ، 2010؛ فيغو، 2018).

مخاوف فلسفية أخرى:

  1. هل يؤدي تحميل نسخة من عقلنا إلى وجود شخصين منفصلين أم يمكنُ نقل الذات؟
  2. هل يمكن للعقل أن يعمل بطريقةٍ غير مجسدة؟ 3) هل سيكون العقل الحاسوبي واعياً؟

على الرغمِ من أن هذه القضايا تجري مناقشتها بنشاطٍ، إلا أنهُ لا يوجد إجماعٌ واسع النطاق على أي منها؛ فنحنُ ببساطةٍ لا نعرفُ الإجابات على معظم هذه الأسئلة، ربما تكونُ هذه المناقشات مهمة، لكنها قد لا تكونُ ملحةً أو ذاتَ صلةٍ.

اقترح البعض وقال: “لا تزالُ فكرة تحميل عقولنا إلى جهاز كمبيوتر مجرد مفهوم خيالي من غير المرجح أن يكونَ ممكناً في أي وقت قريب، إن كان ذلك ممكناً على الإطلاق”.

تعقيد وغموض باهران:

يوجدُ بعضَ الفائدةِ في مناقشةِ مثلَ هذهِ الأسئلة التأصيلية، لكننا بعيدين جدًا عن محاولة تحميل عقل إلى جهاز كمبيوتر.

ويتعلقُ اثنان من القيود الرئيسية بالتعقيد المذهلِ للدماغ البشري (سي بانغ، 2023) والحالة الحالية لعلم الأعصاب: على الرغم من أن الحواسيب الفائقة تشق طريقها نحو منافسة العقول البشرية من حيث قوة الحوسبة الخام، إلا أننا ما زلنا بعيدين عن القدرة على محاكاة أكثر من 100 تريليون وصلة داخل كل دماغ بشري بدقة (كاروسو، 2023؛ زيمر، 2011).

والمشكلة الأخرى هي أنه حتى لو تمكنا من محاكاة مثل هذه التفاعلات المعقدة، فلا توجد طريقة لنا حاليًا لقياس جميع حالات الدماغ. فكر في الأمر كآلة تصوير: فحتى أفضل تقنيات الطباعة لا يمكنها إنتاج نسخة دون وجود ماسح ضوئي دقيق مرفق بها.

لقد فشل أكبر مشروع بحثي على الإطلاق في أوروبا (500 عالم يعملون لمدة 10 سنوات بميزانية 600 مليون يورو؛ نداف، 2023) في رسم خريطة كاملة للدماغ البشري – أي وصف بنيته الأساسية: حتى أنه لم يحاول تسجيل حالات مكوناته على الإطلاق. في الوقت الحالي، ليس لدينا حتى خارطة طريق أو حتى فهم أساسي لكيفية إمكانية إجراء مسح ضوئي للدماغ في المستقبل بتفاصيل كافية لتحميل معلوماته إلى جهاز كمبيوتر.

هناك تحدٍ أكبر:

إلى الآن لا نملكُ أي فكرة عن كيفية عمل الوعي (بانغ، 2023 ب؛ بانغ، 2023 ج). فحتى لو تمكنا من تحميل جميع المعلومات الموجودة داخل أدمغتنا على جهاز كمبيوتر، فلا يوجد دليل واضح على أن هذه المعلومات وحدها ستكون كافية لإنتاج الوعي.

دماغنا هو عضو بيولوجي معقد، وفي حين أن الكثير مما يفعله الدماغ له علاقة بالمعلومات – معالجتها وتخزينها واسترجاعها وتقييمها – لا يوجد دليل قاطع على أن هذا في حد ذاته هو ما يخلق تجاربنا الواعية. فالمعلومات تملأ محتوى تجاربنا لكن ما يعنيه بالضبط أن نختبر شيئًا ما يظل لغزًا.

في الختام:

تكتسبُ فكرة تحميل عقولنا على جهاز كمبيوتر شعبية متزايدة، ومع ذلك لا تزال في عالم الخيال العلمي؛ فنحنُ ما زلنا بعيدينَ جداً حتى عن رسمِ خريطة للدماغ البشري، ناهيك عن قياس حالة كل جزء منه وتكرارها على جهاز كمبيوتر. بالإضافة إلى ذلك نحنُ لا نفهمُ أيضًا ما الذي يجعلنا واعين وليس لدينا أي دليل على أن مجرد تحميل المعلومات الموجودة في الدماغ إلى جهاز كمبيوتر من شأنه أن يولد تجارب ذاتية.

  • ترجمة: ايمان عزيزة
  • المصادر: 1