هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح رئيسك التنفيذي القادم؟
في ظل التقاطع سريع التطور بين الذكاء الاصطناعي والقيادة المشتركة، يظهر سؤال استفزازي: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محلّ الرئيس التنفيذي؟
قد تبدو الفكرة بعيدة المنال بالنسبة للبعض، لكن تشير التطورات الأخيرة إلى أن دمج الذكاء الاصطناعي في أعلى مستويات الإدارة بدأ بالفعل.
وفي حال أصبح هذا الاندماج سائدًا، فإنه سيعيد تعريف جوهر القيادة الحديثة، ويطلق العنان لموجة من الابتكار والتغيرات التحويلية التي لم يسبق لها مثيل.
ظهور رؤساء تنفيذيين بالذكاء الاصطناعي
شهد العالم لحظة حاسمة عندما عينت شركة NetDragon Websoft الصينية برنامج ذكاء اصطناعي يُدعى Tang Yu رئيسها التنفيذي. وكلفت الشركة هذا الروبوت البشري الافتراضي المدعوم بالذكاء الاصطناعي ياتخاذ القرارات للعمليات اليومية للشركة.
بعد فترة وجيزة من التعيين، شهدت أسهم الشركة نموًا ملحوظًا وتجاوزت مؤشر هانغ سينغ في هونغ كونغ ودفعت تقييم الشركة إلى ما يزيد عن مليار دولار.
وبالمثل، لفتت شركة مشروبات بولندية الانتباه بتعيين Mika أول رئيس تنفيذي بشري بالذكاء الاصطناعي في العالم.
صُمم Mika لقيادة المشاريع المهمة وتحقيق النمو، ومن المتوقع أن يقود الشركة نحو نجاح أكبر.
الوقت وحده سيخبرنا بمدى نجاح هذه المساعي، ولكن لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل عما إذا كانت هذه الحالات مجرد تجارب معزولة أم أنها تشير إلى اتجاه متنام يأمل بجدية دور الذكاء الاصطناعي في القيادة.
القدرات المحسنة مقابل اللمسة البشرية
كشف استطلاع حديث أجرته مؤسسة edX أن 49% من الرؤساء التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون بشكل مذهل أن معظم جوانب دورهم -إن لم تكن كلها- يمكن أتمتتها أو استبدالها بالذكاء الاصطناعي، ولكن هل تكمن القضية هنا حقًا؟
جعلت قدرة الذكاء الاصطناعي اللافتة على معالجة كميات هائلة من البيانات واستخلاص رؤى قيمة منه رصيدًا حاسمًا لاتخاذ القرارات الاستراتيجية، وهو جانب أساسي من دور أي رئيس تنفيذي.
ولكن وفقًا لشركة McKinsey فإن الذكاء الاصطناعي ليس قادرًا بعد على أتمتة تطوير الاستراتيجية بشكل كامل.
ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين المكونات الرئيسية لصياغة الاستراتيجية بشكل كبير، مثل: التحليل التنافسي وتقييم الأداء عبر قطاعات أعمال مختلفة، مما يؤدي في النهاية إلى تحسين النتائج. يتيح هذا بدوره اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة ويعزز نهجًا قياديًا مرنًا وفعالًا.
وفقًا ل ‘أنانت أغاروال Anant Agarwal’ مؤسس edX فإن الذكاء الاصطناعي يتفوق في الأتمتة التقنية ولكنه يواجه تحديات أكبر في تكرار ‘المهارات الشخصية’ الأساسية التي تحدد الرئيس التنفيذي الناجح، وتتضمن هذه المهارات التفكير النقدي، والرؤية، والإبداع، والعمل الجماعي، والتعاون والقدرة على الإلهام والاستماع من بين أمور أخرى.
في الواقع، تكشف دراسة نُشرت في Harvard Business Review أنه منذ عام 2007 شددت الشركات التي تبحث عن مرشحين لمنصب C-suite بشكل متزايد على أهمية المهارات الاجتماعية ‘المهارات الشخصية’ مع التقليل من أهمية الخبرة العملية والفنية، ويدل هذا على أن الذكاء العاطفي والتعاطف أساسيان للقيادة الفعالة اليوم.
التعاون بين الرئيس التنفيذي والذكاء الاصطناعي
على الرغم من قدرات الذكاء الاصطناعي الرائعة، إلا أنه لا يعمل بشكل معزول.
يكمن مفتاح الاستفادة من كامل إمكانيات الذكاء الاصطناعي في فهم نقاط قوته ونقاط ضعفه وخلق علاقة تكاملية تستفيد من نقاط قوة كلا الطرفين.
يوفر القادة اللمسة الإنسانية الحاسمة والتعاطف والذكاء العاطفي الذي يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي حاليًا ولكنه ضروري للقيادة الفعالة.
في المقابل، يتفوق الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على خوارزميات منطقية مما يجعله موردًا لا يقدر بثمن للرؤساء التنفيذيين.
حتى لو كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يحل محل الرئيس التنفيذي بالكامل، ولكنه يواجه تحديات أخلاقية وتنظيمية واجتماعية وتحديات الثقة التي تعيق اعتماده السائد.
كما يفتقر الذكاء الاصطناعي للقوانين والقواعد الواضحة التي تحكمه في أدوار القيادة، مما يخلق غموضًا حول المسؤولية القانونية في عملية صنع القرار التي يقودها.
قد يقابل القبول الاجتماعي للرئيس التنفيذي بالذكاء الاصطناعي بالمقاومة بسبب مخاوف فقدان الوظائف والاهتمام بالخصوصية وعدم الثقة بالقرارات التي تتخذها الآلة.
وعلى صدى هذا الشعور وجد بحث Korn Ferry لعام 2023 أن الرؤساء التنفيذيين يدركون أهمية التدخل البشري في عمليات صنع القرار بناءً على مدخلات الذكاء الاصطناعي.
في الواقع، يقول 33% من كبار القادة الذين تم استطلاع آرائهم أنهم يجربون بالفعل طرقًا للاستفادة من الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تعزيز الإنتاجية والكفاءة العملية، وهذا يبرز الاعتراف بأنه في حين يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من المهام، لا يزال البشر يؤدون دورًا رئيسيًا في ضمان النتائج الناجحة.
إذًا، هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح حقًا رئيسك التنفيذي القادم؟ قد يحدث هذا بالفعل، ولكن ليس بالمعنى الحرفي.
إن دمج الذكاء الاصطناعي في أدوار الرئيس التنفيذي يعزز قدرات الإدارة العليا، ويعيد تعريف القيادة في العصر الرقمي.
وبينما لا يمكن الاستغناء عن اللمسة الإنسانية، فإن اندماج الخبرات في الذكاء الاصطناعي والقيادة يمكن أن يمهد لعهد جديد من الإدارة الرشيدة للشركات، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي كشريك استراتيجي في الإدارة العليا.
- ترجمة: حنان الميهوب
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1