لماذا يحب بعض الناس رائحة الجازولين (وقود السيارات)؟

هل سبق لك أن شممت نفحة من رائحة الوقود المتطاير من خرطوم محطة الوقود؟

ربما تأخذك العزة بالنفس للاعتراف، ولكن هل استمتعت برائحة الجازولين عندما داعبت رائحة المادة الكيميائية اللاذعة والحلوة تقريبًا بصيلات الشم لديك؟

حسنًا، أنتَ لست وحدك.

لكل شخص يجد رائحة الجازولين جذابة، ربما يكون هنالك نفس العدد من الناس الذين يجدونها مقرفة، ولكن الاشخاص الذين يحبون رائحة الجازولين، إذن ما هي مشكلتهم؟

لماذا يحب البشر رائحة الجازولين؟

حتى نفهم عقلية الاشخاص المدمنين على رائحة الوقود، علينا أن نفهم المصدر نفسه.

الجازولين هو مركب كيميائي يتكون من العديد من المكونات، وتتضمن مواد المانعة للجليد، وزيوت التشحيم، والمئات من المواد الكيميائية المعروفة بالهيدروكربونات التي تشمل البيوتان، البنتان، الأيزو بنتان، وما يعرف بمركبات BTEX، والتي هي كل من البنزين والتولوين وإيثيل بنزين والزيلين، البنزين هو المسؤول عن الرائحة الغازية للجازولين من بين جميع تلك المركبات.

المكون السحري للجازولين:

يضاف البنزين إلى الجازولين لزيادة مستويات الأوكتان، والذي يزيد بدوره فعالية إداء المحركات وكفاءة الوقود، للبنزين رائحة طبيعية حلوة والتي معظم أنوف البشر حساسة لها، يستطيع أنف الانسان تحديد رائحة البنزين حتى لو كان 1 جزء من المليون فقط في الهواء الذي نستهلكه بسبب رائحته النفاذة جدًا، كما أنه يتبخر بسرعة أيضًا، يمكنك وضع طبق من البنزين في وسط غرفة وسوف تشمها مباشرًة.

في الحقيقة، ليس من الغريب الإعجاب برائحة البنزين، فطوال قرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كان البنزين يضاف إلى مواد ما بعد الحلاقة ودوش الحمامات لكِ يعطي لهذه المنتجات رائحة منعشة، وكان يستخدم أيضًا كمذيب لنزع الكافيين من القهوة، ولكن هذه الاستعمالات لم تدم طويلًا ولسبب جيد، فلمعرف عن البنزين أنه مادة مسرطنة وخطرة عند استنشاقه بتركيز عالي أو التعرض له لمدة طويلة، لذلك يجب عليك أن تتجنبه حتى لو أعجبت برائحته.

هذا لن يفسر لنا لماذا يحب الناس مثل هذه المادة الكيميائية العطرية الخطرة، بينما لم يصل العلم إلى نتيجة محددة عن هذا الموضوع، هنالك نظريتان أساسيتان لعرضهما:

يحفز الجازولين الذكريات الجميلة

يحفز الأنف البشري الذكريات الواضحة والقوية عند التقاطه لروائح معروفة، ربما تأخذك رائحة إبر الصنوبر إلى المخيم الصيفي، وينقلك الديك الرومي المحمص لعقود طويلة من الزمن إلى منزل جدتك في أيام العطلة، يطلق على هذا التواصل القوي بين الذاكرة وروائح بظاهرة بروستيان نسبة إلى الكاتب الفرنسي مارسيل بروست والذي وصف بصورة بليغة ذكرى عزيزة عن طفولته والتي حفزها رائحة كعك مادلين المغموس بالشاي.

هنالك ارتباط أكثر من كونه ارتباط بالمجال الأدبي، فالروائح هي محفز الاحاسيس الوحيد الذي لا يعبر منطقة المهاد قبل وصوله إلى منطقة الدماغ الأمامي، تعمل منطقة المهاد كمشغل لوحة مفاتيح من نوعًا ما، إذ تربط الإيعازات الحسية من العيون وآذان واللسان وتوصلها إلى الجزاء الصحيحة في الدماغ حتى يمكن لنا تسجيل هذه الإيعازات وإن نفهمها، ولكن تعبر الروائح من لوحة المفاتيح هذه كليًا، لصالح الاتصال المباشر. لدى البصلة الشمية، وهي مجموعة من حزم الأعصاب التي تلتقط جزيئات الروائح، كثافة عالية من الخلايا العصبية بالقرب من اللوزة الدماغية والحصين والتي تشترك كل منهما في الاستجابة العاطفية وتشكل الذكريات بشكل متعاقب.

لهذا السبب تجعل الروائح عقولنا تشكل ذكريات قوية وبارزة عاطفيًا على مستوى اللاوعي.

وبالعودة إلى موضوعنا بخصوص الجازولين: ربما تشكلت ذكريات قوية وسعيدة مرتبطة برائحة الجازولين أو بشكل خاص مع البنزين، ربما ربط عقلك رائحة الوقود مع ذكريات الطفولة السعيدة لرحلات الصيف البرية أو التجول في الزوارق السريعة أو قيادة دراجتك الهوائية على جوانب الطريق الريفي في طفولتك أو قضاء بعض الوقت في مرآب عند عمل والدك على سيارة. عند التقاطك لرائحة البنزين ربما ستحفز لديك شعور بالحنين وراحة والتي يرتبط بذكريات العزيزة لديك.

يحفز الجازولين مسار الوسطي الطرفي

تركز نظرية أخرى على التأثير الجسدي للبنزين على مستشعرات الأعصاب التي تحدد هذه الروائح، لدى البنزين والهيدروكربونات الأخرى تأثير الكبح على النظام العصبي عند استنشاقها، مما ينتج عنه شعور بالبهجة الوقتية، ينتج عنه شعور ممتع لا يشبه شعور تعاطي الكحول أو أي مادة مخدرة أخرى.

هذا لأن العملية البيولوجية لتخدير أعصابك تفعل المسار الوسطي الطرفي، والمعروف أيضًا بمسار المكافأة في الدماغ، عند وصول رائحة البنزين للبصيلات الشمية لديك يرسل النظام الوسطي جرعة كبيرة من الدوبامين، أنه عقلك يخبرك “اجل، هذا جيد، احصل على المزيد من هذا”.

المسار الوسطي الطرفي له دور كبير في البيولوجية العصبية للإدمان، كما استنتجت مسبقًا، سواء كان الجنس أو الألعاب الرقمية أو المخدرات أو الجازولين فأن هذا المسار في الدماغ الذي يعطيهم هذا الشعور الرائع ويبدأ حلقة من ردود الفعل ذاتية التعزيز. يعتبر البنزين مادة مستنشقة الشائعة الاستخدام ومدمرة لصحة لأولئك الذين يصبحون مدمنين عليه. لذا، مرة أخرى، لا تستنشق هذه الأشياء عن قصد.

يمكننا على الأرجح تطبيق النظريتين لتفسير انجذاب الناس لرائحة اقلام السبورة البيضاء ومراكز هوم ديبوت للتسوق ورائحة كرات التنس الجديدة والكتب والروائح الأخرى التي نخاف من أن نعترف بحبها، ربما تكونت روابط قوية وذكريات سعيدة على المستوى اللاوعي بهذه الروائح أو هذه الروائح تطلق بصورة طبيعية جرعات مرضية من الدوبامين.

ولكن وبصراحة، هاتان النظريتان تفسّران لنا لماذا يجد بعض الناس رائحة الجازولين ممتعة لهم، ولكن لا يوجد الكثير من الابحاث عن هذا السؤال، رغم أنها نظريات مقنعة ألا انها غير حاسمة، في الحقيقة، ما زال العلماء يتعلمون أشياء جديدة عن هذه الرائح القوية كل يوم، ومن المؤكد أنهم سيكتشفون اسرار جديدة لحلها في المستقبل.

  • ترجمة: عمران كاظم حسين
  • المصادر: 1