تأخذ الأشجار وقتها للشفاء من الصدمات وكذلك البشر

أحب أن أرى جذوع الأشجار في أثناء المشي في الشتاء. عادة ما تكون جذوع الأشجار مخفية عن النظر تحت أوراق الشجر الخضراء المفعمة بالحيوية في الربيع والصيف، أو اللون البني الذي ينشره فصل الخريف. ونظرًا لكون أوراق الأشجار المتساقطة هي دليل على الاستعداد لفصل الشتاء، فستظهر الهياكل المخفية من الأشجار.

يتباطأ النمو النشط للشجرة التي تستمد المواد الغذائية من أوراقها خلال فترة الخريف. تحدث هذه العملية أولًا بسبب انخفاض كمية الكلوروفيل الأخضر الذي يقوم بعملية التمثيل الضوئي لتستفيد النباتات من الطاقة الشمسية الضرورية لتحويل المركبات المعقدة إلى أحماض أمينية وسكريات قابلة للذوبان، وهي المواد الغذائية التي تُخزّنها من أجل فصل الشتاء لتستهلكها الشجرة حتى قدوم فصل الربيع. تبدأ الشجرة في إسقاط أوراقها بمجرد امتصاص العناصر الغذائية منها. يوجد في قاعدة كل ورقة حاجز مادي يعرف باسم تكوين طبقة الانقطاع وهو الجزء الذي يُسقط الورقة من الشجرة. يُرى الجذع مع تساقط الأوراق بشكل كامل طوال فصل الشتاء، وعندها تدخل في حالة الراحة أو حالة السكون.

قال البعض إن حالة سكون الأشجار والأوراق المتساقطة في الشتاء يجعل شكلها وكأنها مهملة. كما إن مقارنة ألوان الخريف البنية المتدرجة وألوان الصحة النابضة والمساحات الخضراء في الصيف تجعلنا نفهم كيف أن التغيرات في الشتاء تكون غير ملحوظة. بالنسبة لي، عندما تتخلص جذوع الأشجار من أوراقها أرى أنها مظهر من مظاهر القوة والتجربة وزيادة في عمر الجذع. يدل المحيط الكامل لجذع الشجرة على عمرها بالإضافة إلى تفرعات الشجرة والهيكل الموجود. تركز الأشجار المتساقطة الأوراق إلى حد كبير على صيانة وحماية الجذع من الظروف القاسية، لذلك تكون الدروس التي نستمدها من فصل الشتاء قاسية جدًا، وتختلف عن الدروس التي نستمدها من مواسم أخرى.

أولًا: الأشجار لا تتأقلم مع الظروف الصعبة أو تستمر في نموها فقط من أجل العودة إلى دورة حياتها المعتادة.

لقد اكتشفت أنا وأصدقائي الدروس العديدة التي يمكن للمرء أن يتعلمها من النباتات وهي دروس حول توجيه ودعم الآخرين في المجتمع وعن أهمية المرونة، ودروس من الثقافات المتعددة حول المعاملة بالمثل وفوائد التنوع. أحد التعاليم العميقة التي تعلمتها من أشجار الشتاء تستند إلى ملاحظة تجارب الكائنات الحية التي تنبثق من دراسة متأنية للهيكل المكشوف للشجرة، ونمط التفرع، وفرة أو نقص براعم الشتاء، ووجود ندوب أو خدوش، إذ إنها كلها أجزاء من طريقة سير حياة الشجرة. ينتج عن سنوات الوفرة أو الندرة غزارة مختلفة من البراعم وقدرات مختلفة لبناء الخشب. يؤثر السياق البيئي على كيفية تطور الفروع واستطالتها. تعكس بنية الشجرة نوعية السنوات التي مرت بها. لقد تأثرت بشدة بما يمكننا تعلمه من كيفية تعافي الأشجار من الخدوش الواضحة التي تتعرض لها وهذا الأمر جزء من بين كل الميزات التي ذكرتها سابقًا.

تصبح الخدوش -سواء كانت ناجمة عن عمد في أثناء التقليم أو ناتجة عن كارثة طبيعية- مرئية للغاية خصوصًا عند جذوع الأشجار المكشوفة في الخريف والشتاء. تبدأ الأشجار وتشرع في عملية التعافي والشفاء عندما يكون هناك ضرر أو خسارة. الأشجار لا تتأقلم مع الظروف الصعبة (ندعوها نحن البشر الصدمة) أو تستمر في النمو (ندعو نحن البشر النمو بالشيخوخة) فقط من أجل العودة إلى دورة حياتها المعتادة. لكن في الواقع قد يؤدي الفشل في الاستجابة أو الاستجابة بنشاط وديناميكية عالية إلى اعتلال في الصحة على المدى الطويل حتى الموت. لذلك عندما يحدث الخدش تبدأ الأشجار في استجابة وقائية تحدث غالبًا على مرحلتين متميزتين: الأولى، مرحلة كيميائية أولية سريعة تتبعها المرحلة الثانية ألا وهي تكيف فيزيائي أبطأ وطويل المدى. الاستجابة الكيميائية السريعة للإصابة هي محاولة نشطة للحد من الضرر الناجم عن الآفات التي تنجذب إلى السكريات والمواد الكيميائية النباتية الموجودة في الخدش. الاستجابة الثانية الأبطأ هي تسكير الخدش وإغلاقه.

تعمل بعض المواد الكيميائية النباتية التي يتم إنتاجها في أثناء الاستجابة الأولى للخدش على حماية النبات بفعالية من خلال العمل كمركبات مضادة للميكروبات أو للفطريات لمنع ظهور المرض في الخدش المفتوح الأمر الذي قد يؤدي إلى النخر. تنتج الأشجار، بالإضافة إلى إحداث آليات كيميائية واقية، خشب الخدش أو الكالس (النسيج الرقيق الذي يتطور وينمو على سطح الخدش المفتوح) من أجل الإغلاق ببطء فوق الأنسجة التالفة. يعمل هذا النسيج في نهاية المطاف على عزل مكان الإصابة وتوفير حاجز وقائي بعيد المدى يمنع وصول العوامل المسببة للأمراض إلى الإصابة. ينتج عن الشفاء بالنسبة للنباتات التي تتبع مثل هذا المسار حل أو إغلاق مكان الخدش أو الحالة الانتقالية التي تمر بها.

ثانيًا: يجب إغلاق بعض المسارات في حياتنا والسعي وراء إمكانيات جديدة للبقاء على قيد الحياة

إن توفر الأكسجين في خدش الشجرة المفتوح يسهل عملية الشفاء. يمكن أن يكون الإغلاق المبكر للخدش كارثيًا. بدلًا من ذلك، من الأفضل ترك الأشجار تتبع عمليتها الطبيعية المتطورة لإغلاق الخدوش لتخفيف الضرر. تقدم استجابة خدش الشجرة هذه المتمثلة في البحث عن التطهير والإغلاق الصحي بعد الصدمة -عن طريق الحفاظ على الخدش خاليًا من العدوى وتعزيز الأوكسجين، متبوعًا بتغطية الخدش بأنسجة واقية لفترة طويلة المدى- درسًا مهمًا عن النباتات. إن تغطية الخدش قبل الأوان لمجرد إبقاء الضرر بعيدًا عن الأنظار دون الانتباه إلى التعامل معه بشكل واضح من خلال التطهير والرعاية العلاجية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل بدلًا من التقدم الصحي نحو الشفاء وإعادة التكوين والنمو والازدهار.

يحافظ التئام الخدش بشكل فعال على الصحة العامة للشجرة، ويؤدي إلى نمو أغصان وأوراق جديدة تغذي ثمارًا أو بذورًا جديدة. ما أتعلمه من الأشجار كل عام هو أن هناك توازنًا دقيقًا في النضال من أجل التعافي من الصدمة. يجب في بعض الأحيان إغلاق الطريق لتجنب المرض والضمور والخسارة، وفي أوقات أخرى يجب على المرء أن يدرك الوقت المناسب لبناء مسار جديد للسماح باستمرار تحقيق الهدف الأساسي والقيام بالعمل والتأثير. هناك مسارات يجب الابتعاد عنها وأخرى يجب اتباعها وتجديدها. يمكنك في الشتاء رؤية المسارات التي سلكتها الشجرة.

أعتقد أننا نحن البشر كثيرًا ما نعتقد أن الاستجابة المتوقعة للصدمة هي اتباع طريق التسامح الفوري والعودة السريعة إلى الوضع الطبيعي. في حين أن هذا الأمر ممكن في بعض الأحيان إلا أن هناك طرقًا بديلة للشفاء والمضي قدمًا على أساس الإغلاق وإعادة توجيه الطاقة وبالتأكيد توجد للمصالحة مزاياها. إن التئام الخدوش في الأشجار -أي إغلاق الأنسجة أو عزلها الواقي وما يترتب على ذلك من بناء مسارات حية جديدة بما في ذلك أنسجة اللحاء التي تنقل السكر وبنى نسيج الخشب المار بها الماء- يسمح بالسعي المستمر لتحقيق الغرض الأساسي لنمو الشجرة. يوضح نموذج التئام الخدوش هذا أنه للبقاء على قيد الحياة يجب إغلاق بعض المسارات والسعي وراء إمكانيات جديدة. لقد استخدمت هذه الدروس للمضي قدمًا في المجالات الشخصية والمهنية.

توجد لحظات فردية عندما تتجذر هذه الدروس بعمق في وعيي. يمكن مواجهة الاضطرابات الكبرى مثل الوباء العالمي بطرق متعددة: الرغبة في العودة إلى الحياة الطبيعية والحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لاستجاباتنا لصدمة المرض والموت. يدعونا التفكير في الدروس الفريدة المستفادة من استجابات الشفاء من الخدوش والانتقال إلى حالة النمو لدى الأشجار إلى التساؤل عن أفضل السبل التي يمكننا من خلالها ضمان الاستجابات السريعة لمنع الضرر في أثناء وجود خدش مفتوح، والاستجابات طويلة المدى للبحث عن طريقة لإغلاق وصياغة مسارات جديدة في المستقبل، بدلًا من تأخير إغلاق الخدش بسبب محاولاتنا لتطبيق تعريفات الحياة الطبيعية المعتادين عليها قبل الصدمة. الدروس موجودة لتعلمنا ولنتمكن من تطبيقها إذا استخلصنا العبر من حياة الأشجار في فصل الشتاء لنعتبر منها.

  • ترجمة: رؤى بستون
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1