منذ حوالي 590 مليون سنة، أفسح انهيار الحقل المغناطيسي الأرضي المجال أمام الحياة للازدهار على الأرض

انهار الحقل المغناطيسي للأرض تقريبًا قبل حوالي 590 مليون سنة، ممّا أدّى إلى تعريض الحياة على سطح الكوكب لخطر ارتفاع الإشعاع الكوني.

وفقًا لبحث جديد، من الممكن إيجاد تفسيرات مختلفة لظاهرة الضعف المؤقت للحجب المغناطيسي، ولكن لا يمكن اعتبارها سوى كارثة بيولوجية عزّزت مستويات الأكسجين، مما خلق ظروفًا أساسية لازدهار الحياة الأولى على سطح الأرض.

كتب عالم الأرض بجامعة روتشستر وينتاو هوانغ وزملاؤه في وثيقتهم البحثية: “كان الحقل المغناطيسي للأرض في حالة غير طبيعية تمامًا عندما تنوعت وترعرعت الحيوانات التي ترى بالعين المجردة لحيوانات إدياكارا Ediacara”.

عام 2019، أفاد علماء كنديون يدرسون الانطباعات المغناطيسية في الصخور أن تلك العينات أكدت ضعف الحقل المغناطيسي للأرض إلى أخفض مستوى وصل له منذ 565 مليون سنة، خلال عصر الإدياكاران، عند بدء تشكل الحياة متعددة الخلايا.

بالرغم من ذلك، ساد اعتقاد لفترة طويلة أن الحقل المغناطيسي الصغير المختفي سيكون ضارًا بالحياة الناشئة، لأن الحقل المغناطيسي للأرض يحمي الحياة من الرياح الشمسية.

على أية حال، لم يتفق الجميع مع هذا الرأي المحبط. بالعودة إلى عام 1965، وضح عالم الدراسات الكوكبية كارل ساجان بأن الغلاف الجوي للأرض والمحيطات كان من الممكن أن يكون حاجب وقائي لأشكال الحياة الأولى حتى لو تضاءل الحقل المغناطيسي للكوكب، ودُعِم هذا الرأي من خلال دراسات النمذجة الحديثة مثل 2019.

لكن أي رابط هذا سيجمع مصادفة بين ضعف في الحقل المغناطيسي -طفرة في الحياة الإدياكارية- وارتفاع مستمر في مستويات الأكسجين، وصف د. هوانغ وزملاؤه الأمر بأنه “مغرٍ لكن غير واضح”، إذ قد تكون النتائج الكندية بعيدة عن المتوقع.

لذا ذهب هوانغ وزملاؤه للحفر في صخورٍ نارية من جنوب أفريقيا تشكلت منذ مليارات السنين ودرسوا البلورات الموجودة فيها، وصخور أخرى عمرها 591 مليون عام أُخِذَت منها عينات سابقًا من البرازيل.

تحتوي هذه البلورات على معادن مغناطيسية صغيرة، والتي تحافظ على شدة الحقل المغناطيسي للأرض أثناء تشكلها.

قبل أكثر من ملياري سنة بقليل، عصف انفجار في منتصف عصر الباليوبروتيروزويك، إذ كان الحقل المغناطيسي للأرض قويا حينها، ولكن صرح الباحثون أنه بعد حوالي 1.5 مليار سنة تقريبًا انخفض إلى أدنى مستوى له، أي أقل بنحو 30 مرة مما هو عليه اليوم.

بعد ضم نتائجهم مع نتائج الدراسة الكندية لعام 2019، توصل هوانغ وزملاؤه إلى نتيجة مفادها أن حقول المغنطة المنخفضة هذه (والمسماة الحقول ذات الشدة بالغة الانخفاض والمتوسطة المدة، أو UL-TAFI) امتدت حوالي 26 مليون سنة على الأقل، من 591 إلى 565 مليون سنة مضت.

بمحض الصدفة، تتزامن هذه الفترة مع ارتفاع مفاجئ في مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي والمحيطات منذ حوالي 575 إلى 565 مليون سنة، خلال نهايات العصر الإدياكاري، عندما كان يحدث أيضًا انفجار في التنوع البيولوجي.

كتب هوانغ وزملاؤه: “تؤكد وتدعم المعلومات الجديدة قوة علاقة UL-TAFI المحتملة بتطور الحيوانات العيانية للعصر الإدياكاري”.

لكن لا يزال هناك سؤال حول كيف يمكن لحقل مغناطيسي ضعيف جدًا أن يسبب ارتفاع في مستويات الأكسجين.

من خلال نمذجة تطور الرياح الشمسية، يقترح هوانغ وزملاؤه أن الحقل المغناطيسي الضعيف ربما سمح لمزيد من أيونات الهيدروجين بالنفاذ من الغلاف الجوي الأرضي إلى الفضاء، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع مستويات الأكسجين في البحار والسماء، ممّا دعم بدوره تنوع الحياة في العصر الإدياكاراني.

إن حقبة نهاية العصر الإدياكارني -أي قبل حوالي 540 مليون سنة مضت- تبدو مفاجئة، إذ يعتبر الانفجار الكمبري نموذج للانفجار التطوري، الذي أفضى إلى نشوء حياة معقدة نتج عنها الحيوانات والحشرات التي نراها اليوم.

على النقيض من ذلك، يعرف عصر الإدياكاران بكائناته اللزجة والطرية التي تشبه الإسفنج الحيوي والرخويات وشقائق النعمان البحرية.

كانت هذه الحقبة الزمنية مليئة بالتجارب التطورية الضخمة التي انتهت بطرق مسدودة، كما لوحظ فيها تراجع كبير في التنوع البيولوجي إلى أن انتعشت الحياة في العصر الكمبري.

و مع ذلك تشير الأبحاث الحديثة، إلى أن النظم البيئية المتطورة الأولى ربما تكوّنت في العصر الإدياكاري، إذ تصف دراسة أجريت عام 2022 هياكل مجتمعية متزايدة التعقيد في مستحاثات أحفورية تعود إلى نهاية العصر الإدياكاراني.

و لكن تحتاج الحياة إلى الأكسجين لتزدهر وتتطور بشكل أكبر بكثير. يمكن للحيوانات البحرية المجهرية والإسفنجيات أن تتعايش في المحيطات ذات مستوى الأكسجين المنخفض، أما الحيوانات المتنقلة الأكبر حجمًا وذات تصاميم الجسد المتطورة تتطلب مزيدًا من الأكسجين لدعم احتياجاتها الاستقلابية.

يشرح هوانغ وزملاؤه: “إن النظام البيئي الحيواني المتطور المتضمن سلاسل غذائية طويلة وحيوانات مفترسة يستلزم كميات أكبر من الأكسجين، إذ يتضح ذلك من إقصاء مثل هذه الأنظمة البيئية المتطورة من نطاق الحد الأدنى العصري للأكسجين”.

من الواضح أن الحياة الإدياكارية اغتنمت فرصة اضمحلال الحقل المغناطيسي للأرض، حتى لو كان مصير العديد من هذه الكائنات أن تصل إلى طريق تطوري مسدود.

نُشرت الدراسة في صحيفة اتصالات الأرض والبيئة.

  • ترجمة: آية عبيد
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1