تراجع استخدام الكلماتَ المعبّرة عن عدم اليقين في بعض الأوراق العلمية

أثارت دراسةٌ للّغة المستخدمة في المقالات العلمية المنشورة من 1997 وحتى 2021 القلقَ حول ادّعاءاتٍ مبالغٍ فيها.

يعرفُ العلماء الحذرون كيف يعترفون بعدم اليقين في النتائج والاستنتاجات ضمن أوراقهم العلمية. لكن في إحدى الدوريات الرائدة؛ توصلت دراسة إلى أن تكرار كلمات التحفّظ hedging words من مثل “ربما” و”على الأرجح” قد انخفضت بحدود 40% خلال العقدين الماضيين.

يقول بعض المراقبين: أنه إذا ما استمرَّت هذه النزعة في الأدبيات العلمية، فإنها توحي بقلقٍ متزايدٍ حول ادعاءاتٍ غير واقعيةٍ ومبالغٍ فيها.

وعن التحفظ وتجنب الثقة المفرطة؛ تقول ميليسا ويلر Melissa Wheeler عالمة نفس اجتماعي من جامعة سوينبرن Swinburne للتكنولوجيا -والتي لم تشارك في هذه الدراسة-: “إنها شيء جوهري لإيصال ما تقوله حقيقةً بيانات الباحث، وما الذي تعنيه بشكل مجرّد”.

وأضافت: “إذا ما تركزت الكتابة العلمية حول البلاغة… سيغدو من الصعب على القارئ أن يفك مغاليق ما هو رائد ومبتكر حقيقةً”.

يفحص هذا التحليل الجديد والأضخم من نوعه ما يزيد على 2600 مقالٍ علميٍّ منشور في الفترة ما بين 1997 و2021 في مجلة (Science) والتي اختارها الفريق لكونها تنشر مقالات من اختصاصاتٍ متنوعة. (الفريق الإخباري لمجلة Science مستقل عن الفريق التحريري).

فتّش الفريق في الأوراق العلمية عن 50 مصطلح من مثل: [يمكن، مما يظهر، تقريبيًّا، يبدو].

وقد انخفض تكرار كلمات التحفظ هذه من 115.8 حالة من كل 1000 كلمة في عام 1997 إلى 67.42 من كل 1000 كلمة في عام 2021.

ويقول عالم اللغويات كين هايلاند Ken Hyland من جامعة East Angila والذي لم يشارك في هذه الدراسة: “تضيف هذه الدراسة لنتائج أخرى تشير إلى أنه في عالم أكاديمي متنافس هنالك إحجام متزايد عن تقليل الباحث من قيمة بحثه الشخصي”.

وتحليلات لدوريات علمية أخرى وكذلك ما توصل إليه بحث عام 2022 الذي فحص تقريبًا مجموعة الأوراق نفسها لمجلة (Science) أن هنالك استخدام متزايد للهجة دعائية إيجابية -عُبَّر عنها بصيغ تفضيل من مثل “مبتكر” و”غير مسبوق” – والتي ربما تفضي إلى ادعاءات مبالغ فيها.

وأما الدراسة التي نشرت في عدد أغسطس/آب من ¹Scientometrics، فإن قلّة كلمات التحفظ ربما تعكس استراتيجية خفية للمؤلفين لبيع نتائجهم للمحررين والقراء كبديل للمبالغة الصريحة.

وهذا ما يجب أن يقلق العلماء، على حد تعبير المؤلف المشارك ينغ وي Ying Wei عالمة اللغويات من جامعة نانجنغ Nanjing، لأنَّ: “طبيعة المعرفة الأكاديمية في أساسها غير قطعيّة”.

ولم تنخفض توقعات مجلة (Science) -طيلة فترة الدراسة- بأن المسودات توفر دليلًا موثقًا، حسب المحررة التنفيذية فالدا فنسن Valda Vinson والتي انضمت للمجلة عام 1999.

وتشير إلى أن المؤلفين قد يكونون أقلّ تحفظًّا لأن المحررين دائمًا ما يطلبون بشكل متزايد من المؤلفين أن يرفدوهم بمعلومات داعمة إضافية.

وتقول: “ربما تعكس نتائج ال Scientometrics ابتعاد المحررين عن الأعراف القديمة للكتابة العلمية التي تشجع التحفظ واستخدام صيغ المبني للمجهول²”.

وقد أعطى هذا النمط الأولويّة للهجةٍ أكثر حداثة وغير رسميَّةٍ، يميزها تحفظٌ أقلّ.

ولتفادي المبالغة، أضافت: “نخفف من حدة اللغة إذا تبيّن أنها قطعيّة في حين أن [الدليل] ليسَ كذلك”.

تشير فنسنون أن دراسة Scientometrics نظرت في الأوراق المنشورة ذات الطابع البحثي Research Article format، والتي جرت العادة بها أن تقتصر على بعض الأوراق الرائدة Landmark papers³ والتي ربما قد تكون معرَّضة للتحفظ بشكل خاص.

فخلال فترة الدراسة، انتقلت مجلة (Science) تدريجيًّا إلى نشر المزيد من النتائج بشكل المقالات البحثية.

تقول ويلر: “ربما يكون لأسلوب الكتابة غير الرسمي أكثرَ في الأوراق العلمية جانبًا إيجابيًّا، إذا ما جعل هذه الأوراق أكثر قابليةٍ للفهم لدى صنّاع السياسيات والعامّة”.

وقد وصلت هي وزملاؤها لذلك الاستنتاج في دراسة Scientometrics الصادرة عام 2021 والتي حلّلت ملخصاتَ ما يقارب 800,000 ورقة علمية منشورة في دوريات علم النفس ما بين 1970 و2016.

لكنّ الدراسة لفتت الانتباه إلى زيادة وقدرها 24% في مؤشر ⁴ “النفوذ clout” خلال تلك الفترة. إذ يعكس هذا المقياس اللغوي أسلوبًا شبيهًا “برأي الخبراء” شديد الثقة والسلطوي، والذي ربما يكون مفرطَ الثقة في بعض الحالات.

وتحذّر ويلر: “على الرغم من أن محرري الدوريات العلمية والمراجعين لا بد وأن ينتبهوا إلى المزاعم المبالغ فيها، إلاّ أنه لا ينبغي أنْ يتحمّلوا كل المسؤولية.

وأيضًا: الأمر متروك للجامعات والمؤسسات البحثية لتقييم النوعية على حساب الكمية بالنسبة لنتائج الباحثين “.

وقالت: مما سيتيح مزيدًا من الوقت للأكاديميين أن يتفكّروا مليًّا وينتجوا أعمالًا ذاتِ مغزىً بدلًا عن إصدار أكبر عددٍ ممكن من الأوراق المنشورة دون مراعاةٍ للجودة “.

أيًّا يكن، فقد أضافت ويي wei تحفظًّا لنفسها: لا تظهر الدراسة الجديدة ما الذي سبّبَ في انخفاض استخدام لغة التحفّظ.

فضغط النشر الذي يواجهه الأكاديميون ليتولَّوا منصبًا، أو ليحصلوا على ترقية، إضافة إلى التقدير المهني ربما جميعها تلعب دورًا، لكن ما يزال من الممكن أن يكون هناك عوامل أخرى أيضًا.

وقالت: “طبيعة الارتباط تستحق المزيد من الدراسة”.

هوامش المترجم:

1- مصطلح Scientometrics: يشير إلى المجال الذي يعنى بقياس وتحليل الأثر العلمي للكتابات البحثية والمنشورات العلمية، وهو حقل فرعي من نظم المعلومات informetrics.

يستخدم هذا المجال المقاييس الكمية والمؤشرات الببلوميتيرية لقياس تأثير الأوراق والدوريات العلمية، ومدى فهم الاقتباسات العلمية، واستخدم مثل هذه المقاييس لمساعدة المحتمع العلمي في اتخاذ القرارات وتحسين الأداء البحثي.

2-المبني للمجهول أو Passive voice: يقصد به هنا الغاية من استخدامه كأسلوب تحفظي للتملص من تبنّي فكرة أو رأي، كذلك الإيحاء بعدم القطع بصحة الفكرة المطروحة.

3- مصطلح Landmark papers: أو الأوراق العلمية الرائدة ما يميز هذه الأوراق العلمية عن سواها هو أنها عالية التأثير والتي غيّرت بعض الممارسات، أو وفّرت الدليل المفقود لدعم ممارسات حالية.

4- مؤشر النفوذ أو Clout index: هو مقياس للغة المؤثرة والواثقة، ويستخدم لتحليل الخطاب والتواصل اللفظي. يتم حسابه بناءً على استخدام الكلمات والعبارات التي تعكس الثقة والنفوذ في الخطاب. يستخدم هذا المقياس في الدراسات اللغوية والاجتماعية لتحليل التواصل اللفظي وتقييم مدى تأثيره على الجمهور.

  • ترجمة: عدي حسن اسماعيل
  • تدقيق لغوي: غفران التميمي
  • المصادر: 1