هل سنتوقّف يومًا ما عن استخدام البلاستيك؟

هل سنتوقّف يومًا ما عن استخدام البلاستيك؟

على الرّغم من الجهود المبذولة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتي تحفّز إيجاد بدائل للنّفط في قطاعات أخرى، فإنّ التّخلّص التّدريجيّ من البلاستيك، خاصّةً للتّطبيقات الطّبّيّة سيكون صعبًا للغاية.

بينما نعمل على منع الاحتباس الحراريّ الخارج عن السّيطرة، يتخلّص المجتمع تدريجيًا من الوقود الأحفوريّ.

ولكن هناك صناعة واحدة يزداد فيها استخدام النّفط وهي إنتاج البلاستيك.

ويجري الآن تحديث المصافي التي كانت مصمّمة لإنتاج الوقود للسّيّارات لإنتاج المزيد من المواد الكيميائيّة، بما في ذلك المواد الأوليّة للبلاستيك. وتُعَدّ المصافي الجديدة الجاري بناؤها في الشّرق الأوسط، وآسيا والمحيط الهادئ، والصّين منشآت متكاملة تمامًا لإنتاج المواد الكيميائيّة.

ستصبح البتروكيماويات-المواد الكيميائيّة المستمدّة من النّفط أثناء التّكرير والتي تُستخدم لإنتاج آلاف المنتجات، بما في ذلك البلاستيك-المحرّك الأكبر للطّلب العالميّ على النّفط، حيث تمثّل ما يقارب نصف النّموّ بحلول عام 2050 وفقًا لتقرير صادر عام 2018 عن وكالة الطّاقة الدّوليّة.

وفي بيانٍ في ذلك الوقت، قال المدير التّنفيذيّ لوكالة الطّاقة الدّوليّة فاتح بيرول: إنّ البتروكيماويات تشكّل نقاطًا عمياء في نقاش الطّاقة العالميّ.

إحدى الأسباب التي تجعل التّخلّص التّدريجيّ من البلاستيك صعبًا هو أنّ إنتاجه رخيصٌ للغاية.

لكن هذه ليست ميّزته الوحيدة

تتمتّع المواد البلاستيكيّة بخواصّ كيميائيّة تجعلها ضروريّة في المجال الطّبّيّ، فهي معقّمة ومرنة ورخيصة بما يكفي للتّخلّص منها بعد الاستخدام مرّة واحدة، الأمر الذي يعدّ مفيدًا لمكافحة العدوى.

وفي أحد أبحاثها، وجدت الدّكتورة جودي شيرمان المؤسّسة والمديرة لبرنامج ييل للتّنمية البيئيّة للرّعاية الصّحّيّة: إنّ الصّناعة الطّبّيّة تتّجه نحو الابتعاد عن المعدّات القابلة لإعادة الاستخدام لصالح تلك التي تُستخدم مرّة واحدة فقط.

وفقًا لمقال نُشر عام 2022 في مجلة (AMA Journal of Ethics)، يشكّل البلاستيك ما بين 20% و25% من النّفايات التي تنتجها المرافق الصّحّيّة الأمريكيّة.

وقد يتزايد استخدام البلاستيك الذي يتمّ التّخلّص منه في الرّعاية الصّحّيّة، على الرّغم من صعوبة تحديد مقدار الزّيادة بالضّبط، هذا ما أخبرت به شيرمان موقع لايف ساينس، وأضافت:

ليس هناك طريقة سهلة لقياس ذلك

ونحن نشهد تحوّلًا سريعًا نحو استخدام البلاستيك مرّة واحدة لدرجة أنّنا لا نملك أيّ فكرة عن ذلك.

لتجاوز الاعتماد على النّفط، سيحتاج الباحثون إلى ابتكار طريقة لصنع البلاستيك من مصادر غير نفطيّة على نطاق واسع.

ففي الولايات المتّحدة، ازداد إنتاج فول الصّويا بشكلٍ كبير ويرجع ذلك جزئيًا إلى استخدامه كوقود حيويّ.

يمكن أن يحدث شيء مشابه إذا انتقلنا إلى البلاستيك الحيويّ، أو البلاستيك المصنوع من الكتلة الحيويّة المتجدّدة، مثل نشاء الذّرة أو عديدات هيدروكسي ألكانوات PHAs، وهي عبارة عن بوليسترات طبيعيّة قابلة للتّحلّل تنتجها كائنات حيّة دقيقة.

لكن لا يخلو البلاستيك الحيويّ من المشاكل. لا يتحلّل كلّ البلاستيك الحيويّ ويحتاج معظمه إلى معالجة صناعيّة لإعادته إلى الطّبيعة. بالمقارنة مع تصنيع البلاستيك التّقليديّ، يؤدّي إنتاج البلاستيك الحيويّ إلى انبعاثات أقلّ من غازات الاحتباس الحراريّ.

ولكن مثل نظيراته التّقليديّة، ينتج البلاستيك الحيويّ جزيئات بلاستيكيّة دقيقة أثناء تحلّله، كما أنّه أغلى بكثير في الإنتاج، ولا يملك دائمًا الخصائص المثاليّة لكلّ تطبيق.

مثلًا في المستشفيات تحتاج المعدّات الطّبّيّة المتينة إلى أن تكون طويلة الأمد وقابلة لإعادة الاستخدام، لذا فإنّ حقيقة أنّ البلاستيك الحيويّ يتحلّل بسهولةٍ أكبر تمثّل مشكلة وليست ميّزة.

قال روبرت لانجر، أستاذ معهد ديفيد كوخ في قسم الهندسة البيولوجيّة بمعهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا، لموقع لايف ساينس: إنّ البلاستيك الحيويّ يستخدم بالفعل في بعض القطاعات الطّبّيّة، ولكن مستوياته منخفضة للغاية.

وقال لانجر: إنّ المتانة مسألة قابلة للحلّ، ولكن التّحدّي الأكبر هو أنّ أيّ شيء يستخدم في البيئات الطّبّيّة يجب أن يخضع للاختبار للتّأكّد من سلامته قبل استخدامه، وهو أمر مكلفٌ للغاية.

قال جان جورج روزنبووم

المهندس الكيميائيّ في معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا، لموقع لايف ساينس: إنّ قوانين الصّحّة والسّلامة تتطلّب الحفاظ على المواد المستخدمة في البيئات الطّبّيّة في ظلّ ظروف بالغة الصّعوبة. يجب أن تتحمّل المواد البلاستيكيّة مرارًا وتكرارًا الحرارة والضّغط العاليين اللّازمين للتّعقيم، على سبيل المثال، “قد لا تتحمّل المواد البلاستيكيّة القابلة للتّحلّل الحيويّ هذه الظّروف وقد لا تمتلك وقت الاستقرار المطلوب”.

ومع ذلك، ليس من المحتّم أن تبقى الرّعاية الصّحّيّة قطاعًا يستخدم البلاستيك التّقليديّ إلى أجلٍ غير مسمّى.

بل إنّ ما يحدث في صناعة البتروكيماويات الأوسع نطاقًا سوف يحدّد كيفيّة استخدام البلاستيك.

وفي هذا السّياق، قال فريدريك باور، وهو مساعد كبير محاضري جامعة لوند في السّويد، في مقابلةٍ مع لايف ساينس: “إذا طرأ تغيير على السّوق وانخفض الطّلب على المواد البلاستيكيّة القائمة على النّفط بشكلٍ كبير في قطاعات أخرى، فمن المرجّح أن تحذو الصّناعة الطّبّيّة حذوها”.

  • ترجمة: حنان الميهوب
  • تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
  • المصادر: 1