تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع: الفرص، التحديات والاعتبارات العرقية

أصبح الذكاء الاصطناعي المعروف ب (AI) واحدًا من أكثر التكنولوجيات التحويلية في القرن الحادي والعشرين، مؤثرًا على أبعاد حياتنا أجمعها بداية من الطريقة التي نعمل ونتعلم بها حتى طريقة تواصلنا وتفاعلنا مع بعضنا البعض. وقد صاحب تلك النقلة موجة من الأتمتة التي أعادت تشكيل سوق العمل؛ حيث غيرت الطريقة التي يمكننا أن نصل بها إلى خدمات الصحة، كذلك الطريقة التي يمكننا أن نتفاعل بها مع التكنولوجيا؛ غير أنها أثارت مخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على المجتمع.

يعد تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل واحدًا من آثاره الأكثر عمقًا؛ لأن الأتمتة استبدلت العمال البشرين بمعدلٍ غير مسبوق مع وجود الآلات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي التي طغت على الروتين، والوظائف ذات المهارات المنخفضة. وفي حين قدرتها على تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف، فإنها أثارت المخاوف بشأن استبدالها للوظائف، والجدير بالذكر أن الذكاء الاصطناعي ليس قاتلاً للوظائف، بل محولها.

أتمتة المهمات المتكررة منخفضة القيمة، يفسح الذكاء الاصطناعي المجال للتركيز على الأنشطة عالية المستوى التي تتطلب الإبداع، والتفكير النقدي، والتعاطف. في حين تأثيره على مجال الرعاية الصحية يعد بمثابة مجال آخر للتطور. فمع القدرة على تحليل كم هائل من المعلومات بسرعة ودقة، يمكن للنظم المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحسين نتائج المريض.

أضف إلى ذلك، تقليل تكاليف الرعاية الصحية. فمثلاً، تستخدم آي بي إم واتسون الصحية الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء في تشخيص السرطانات وعلاجها؛ لقدرته على تحليل كم هائل من البيانات المتخذة من التقارير الطبية، والدراسات البحثية، وغيرها من المصادر التي تساعد الأطباء على توصيات العلاج الشخصيَّة.

وبالمثل، تستعين جوجل ديب مايند الصحية بالذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الطبيَّة لرصد الأمراض. على سبيل المثال، سرطان الثدي واعتلال الشبكيَّة السكري. فلهذه النظم الإمكانات لأن تحدث ثورة في الطريقة التي نصل بها إلى سبل الرعاية الصحية وتحسين حياة ملايين الأشخاص حول العالم.

أحدث الذكاء الاصطناعي نقلة في الطرق التي نتعامل بها مع التكنولوجيا. فالمساعدات الذكية كسيري، وألكسا، وجوجل أسيستانت أصبحوا أكثر شيوعًا بصورة متزايدة وغيروا الطريقة التي نتعامل بها مع الأجهزة. فهذه المساعدات مزودة بلوغاريمات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها القدرة على فهم اللغة الطبيعية والاستجابة للأوامر الصوتيَّة، فضلاً عن روبوتات الدردشة التي أصبحت أكثر تطورًا تساعد الشركات على ترقية خدمة العملاء بصورة أفضل. على سبيل المثال، روبوتات الدردشة الخاصة بإتش آند إم التي تقدم توصيات شخصية لعملائها بناءً على تفضيلاتهم وصفقاتهم الشرائية في الماضي، كذلك ستاربكس الذي يساعد العملاء على تحديد طلباتهم بكل سهولة وسرعة.

يعد واحدًا من أكثر التطورات إثارة في مجال روبوتات الدردشة هو ظهور روبوتات الدردشة المبنية على المحولات التوليدية مسبقة التدريب المعروفة باسم GPT (Generative Pre-trained Transformer) وهو نوع من نماذج لغة الذكاء الاصطناعي المدربة على كم هائل من استقبال البيانات لإخراج نص بشري.

وقد أصبحت هذه النماذج أكثر تطورًا في الأعوام الأخيرة بظهور أحدثهم وهو GPT-3 الذي له القدرة على توليد نص لا يمكن تمييزه عمليًّا من نصوص أخرى كتبها البشر، كما أن لروبوتات الدردشة المبنية على المحولات التوليدية مسبقة التدريب أو GPT فهم اللغة الطبيعيَّة والاستجابة لها بطريقة كانت مستحيلة في السابق، مما أصبحت أكثر فاعلية بكثير في تقديم خدمة العملاء.

أحدثت روبوتات الدردشة المبنية على GPT ثورة في الطريقة التي تتعامل بها الشركات مع العملاء. فلها القدرة على تقديم توصيات ودعم شخصي، والإجابة عن الأسئلة المعقدة، والتعامل مع العديد من الطلبات بصورة فوريَّة. فهذا لم يحسن فحسب خدمة العملاء، بل وفر وقتا ومصادر قيمة للشركات. على سبيل المثال، تستخدم روبوتات الدردشة الخاصة بOpenAI، وGPT-3 من قبل شركات كمايكروسوفت وسيلز فورس من أجل دعم العملاء بصورة أكثر فاعلية وتحسين تجربتهم في المجمل.

بالرغم من فوائد الذكاء الاصطناعي الكثيرة، فإنه توجد المخاوف بشأن تأثيره على المجتمع؛ أحدها والتي تعد أكبرها هي إمكانية قيام أنظمة الذكاء الاصطناعي بإدامة التحيز والعنصريَّة؛ هذا لأنها ليست متحيزة مثل البيانات التي تم التدرب عليها. ولهذا، تصبح متحيزة. على سبيل المثال، أنظمة التعرف على الوجه قد تبدو أنها أقل دقة بالنسبة لذوي البشرة السمراء. ويتم التأكيد على ضرورة التنوع والشمول بصورة أفضل في تطور الذكاء الاصطناعي.

وثمة مخاوف أخرى هي احتماليَّة إساءة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. فمثلاً، الأسلحة ذاتية التشغيل التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قد تسبب في حدوث أضرار بالغة وإثارة المخاوف بشأن المساءلة والمسئولية. فضلاً عن ذلك، استخدام الذكاء الاصطناعي في الإشراف وتطبيق القوانين قد يثير الشكوك حول الخصوصيَّة والحريَّات المدنية.

مؤخرًا، بدأ الذكاء الاصطناعي في أتمتة الوظائف الروتينيَّة وغيرها ذات المهارات المنخفضة، مما أثار مخاوف بشأن استبدال العمال. على الرغم مما ذكر آنفًا أنه ليس قاتل للوظائف بل مبدلها. ففي حين أن بعض الوظائف قد تصبح عقيمة، سوف تظهر أخرى جديدة تتطلب مهارات كالإبداع، والتفكير النَّقدي، والتعاطف. ومن المهم أيضًا ملاحظة أن تأثير الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة ليس موحدًا في جميع الصناعات والمهن. من المرجح أن تشهد بعض الصناعات مثل الرعاية الصحية والتمويل نموًا كبيرًا في فرص العمل بسبب تطبيق الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، قد تواجه صناعات أخرى مثل التصنيع والتجزئة فقدان الوظائف بسبب الأتمتة.

بالنظر إلى مسألة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا على المجتمع، فمن الضروري أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي يصبح جيِّدًا كمستخدميه. وبينما توجد المخاوف بشأن احتمالية إساءة استخدامه، فإن ذلك يتوقف علينا كمجتمع لضمان أن الذكاء الاصطناعي متطور ويستخدم بصورةٍ مسئوليَّة وأخلاقيَّة. وهذا يستلزم نهجًا متعدد النظم يضم ليس فقط خبراء التكنولوجيا، وإنما أيضًا علماء الأخلاق، وصانعي السياسات، وأصحاب المصلحة الآخرين، كما أنه من المهم وضع أطر ومبادئ أخلاقيَّة حول تطور الذكاء الاصطناعي ونشره لتأكيد ضمان خدمته بصورة جيّدة وعدم إلحاقه الضَّرر.

من المهم أيضًا ضمان اتسام الذكاء الاصطناعي بالشفافيَّة والمسؤوليَّة، وهذا يعني أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لها القدرة على عمليات اتخاذ القرارات ويمكن أن تخضع لعمليات الإشراف والمراجعة الخارجيَّة. وبالقيام بذلك، يمكن أن نبني الثقة في أنظمة الذكاء الاصطناعي وأن نضمن أنها تستخدم لصالح المجتمع.

وفي الختام، يعد تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع مثيرًا ومتحدٍّ. فعلى الرغم أن الذكاء الاصطناعي له القدرة على تحويل الطريقة التي نعمل، ونتواصل، ونتفاعل بها مع التكنولوجيا، إلا أنه أثار المخاوف بشأن استبدال الوظائف، ونشر التحيز، والعنصريَّة، كذلك يمكن إساءة استخدامه.

وبينما نواصل تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره، من المهم أن نعالج هذه المخاوف ونعمل على ضمان تقاسم فوائد الذكاء الاصطناعي بين جميع أفراد المجتمع. ويتطلب هذا نهجا متعدد التخصصات يجمع خبراء من مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك التكنولوجيا والأخلاق والسياسة.

علاوة على ذلك، يتعين علينا أن نضمن تطوير الذكاء الاصطناعي مع مراعاة التنوع والشمول، بحيث يخدم جميع أفراد المجتمع ولا يؤدي إلى إدامة التحيزات والتمييز القائم. نحتاج أيضًا إلى النظر في تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل العمل والقوى العاملة، والتأكد من أننا نخلق الفرص للعمال لتحسين مهاراتهم وإعادة مهاراتهم من أجل الازدهار في عالم يلعب فيه الذكاء الاصطناعي دورًا متزايد الأهمية.

وأخيرا، يتعين علينا أن نواصل إجراء محادثة مفتوحة وصادقة حول المخاطر والفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي، والمشاركة مع أصحاب المصلحة من جميع القطاعات لضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية. ومن خلال القيام بذلك، يمكننا أن نضمن أن الذكاء الاصطناعي هو قوة من أجل الخير وأنه يساعدنا في حل بعض المشاكل الأكثر إلحاحا في العالم.

في النهاية، الأمر متروك لنا لتشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي والتأكد من أنه يفيدنا جميعًا. دعونا نحتضن القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي، ولكننا ندرك أيضًا المسؤولية التي تأتي معها، حتى نتمكن من بناء مستقبل أفضل وأكثر إنصافًا للجميع.

  • ترجمة: زينب محمد الأصفر
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1