هل تجعل اللّحية الرّجل أكثر جاذبيّة؟

إليكم ما تقوله العلوم.

عندما نفكر في تشارلز داروين، يتبادر إلى الذّهن الانتقاء الطّبيعيّ وجزر غالاباغوس، وإذا كنّا نتخيّله، فإنّه يمتلك لحية مثيرة للإعجاب.

اتّضح أنّه من بين الألغاز الكثيرة الّتي حاول داروين حلّها في علم الأحياء هو لماذا يميل ذكور البشر إلى إطلاق اللّحية، في كتابه ‘نزول الإنسان – The Descent of Man’ الصّادر عامّ 1871 م، تكهّن داروين بأنّ اللّحى قد لا تُعزّز البقاء بشكل مباشر، على عكس ادّعاءات دراسة حديثة نُشِرت عام 2020 م تقترح أنّ وظيفة اللّحية قد تكون امتصاص بعض تأثير اللّكمات، بدلاً من ذلك، ناقش داروين احتمال أنّ تكون اللّحى “زينة”، مثل ريش الطّاووس الزّاهي.

وفقًا لهذا المنحى من التّفكير، جعلت اللّحية أسلافنا الذّكور أكثر جاذبيّة للجنس الآخر، وبالتّالي كانت الجينات الّتي تجعل الرّجال مُشعِرين أكثر عرضًة لأن تُورَّث، وتُعرف هذه العمليّة بالانتقاء الجنسيّ.

يعمل الانتقاء الجنسيّ -أحيانًا وليس دائمًا- على تضخيم الخصائص الّتي تُعزِّز اللّياقة بطريقة أخرى، أي الّتي تزيد من فرص البقاء أو النّجاح في المنافسة، أو تشير إلى سمات أخرى كامنة، مثل الصّحّة الجيّدة أو الذّكاء، وهي صفات لها تأثيرات هامّة على لياقة أيّ نسل مُحتمَل.

هل تصنع اللّحية الرّجل؟

تُرى هل تجعل اللّحية الرّجل فعلاً أكثر جاذبيّة؟ وما هي السّمات الأخرى الّتي قد تشير إليها اللّحية؟

إذا كان الانتقاء الجنسيّ يُفضّل بالفعل المزيد من شعر الوجه، فقد نتوقّع أن تجد النّساء الرّجال الملتحين أكثر جاذبيّة.

إنّ أوّل الاختبارات التّجريبيّة لهذه الفرضيّة لم تأتِ حتّى أواخر ستينيّات القرن الماضي، أي بعد قرن تقريبًا من طرح داروين لها. كانت النّتائج مختلطة، إذ وجدت بعض الدّراسات أنّ الرِّجال ذوي اللّحى كانوا أكثر جاذبيّة، بينما وجدت أخرى أنّ الرّجال الحليقين اعتُبروا أكثر وسامة.

كانت إحدى القيود على هذه الدّراسات المبكّرة هي أنّها تميل إلى مقارنة أهداف ذكوريّة إمّا بلحى كاملة أو بدون شعر وجه، ولكن بالطّبع هناك نطاق أكبر في الحياة الحقيقيّة.

ضمن دراسة أجريت في أستراليا عام 2013 م، قيّمَ الرّجال والنّساء جاذبيّة الوجوه الذّكوريّة الّتي عُدّلت رقميًّا لتحتوي على أشكال مختلفة من شعر الوجه (مظهر حليق نظيف، لحية خفيفة، لحية كثيفة، لحية كاملة)، مالت النّساء إلى تقييم الوجوه ذات اللّحى الكثيفة على أنّها الأكثر جاذبيّة، ومن المثير للاهتمام أنّ الرّجال مالوا إلى الاعتقاد بأنّ اللّحى الكاملة أو اللّحية الكثيفة أو المظهر الحليق النّظيف كانت أكثر جاذبيّة من اللّحية الخفيفة، ممّا يشير إلى بعض الانفصال بين ما تبحث عنه النّساء وما يتخيّله الرجال. ومن المهمّ، أنّ جميع المشاركين حدّدوا هويّتهم كمغايري الجنس، ممّا يلغي إمكانيّة تفسير هذا الاختلاف الجنسيّ جزئيًّا بتفضيلات الرّجال المثليّين والنّساء المُستقيمات.

لكن نتائج أخرى تشير إلى أنّ العلاقة بين شعر الوجه والجاذبيّة قد لا تكون واضحة تمامًا، إذ أجرى فريق بقيادة بيتر غراي عام 2020 م تجربة مماثلة مع مشاركين من الولايات المتّحدة والهند، ووجدوا أنّه في كلا البلدين كانت الوجوه الذّكوريّة الحليقة النّظيفة تعتبر الأكثر جاذبيّة للشّركاء المحتملين، وعلى وجه العموم، شارك كلّ من النّساء والرّجال هذا الرّأي.

وفي دراسة أخرى، وهذه المرّة مع نساء من نيوزيلندا وساموا، كانت الوجوه الذّكوريّة الحليقة النّظيفة تعتبر أكثر جاذبيّة من الوجوه الذّكوريّة ذات اللّحى الكاملة.

ما الّذي قد تشير إليه اللّحية أيضًا؟

رغم هذه التّباينات، يبدو أنّ الصّورة أكثر اتّساقًا عندما يتعلّق الأمر بالسّمات الأخرى الّتي تشير إليها اللّحية، على سبيل المثال: وجد ديكسون وبروكس عام 2013 م أنّ زيادة شعر الوجه كانت مرتبطة بزيادة تصنيف الذّكورة بين المشاركين الأستراليين. في حين وجد فريق غراي بين المشاركين الأمريكيّين وليس الهنود، أنّ زيادة شعر الوجه مرتبطة بزيادة القوّة البدنيّة، وضمن كلتا العيّنتين في دراستهم، كان شعر الوجه مرتبطًا سلبًا بتصنيفات الودّ.

تشير هذه النّتائج مجتمعة إلى أنّ اللّحى قد توفّر دلالات على القوّة الجسديّة، وانسجامًا مع هذه الفكرة، وجدت دراسة نشرت في أيّار/ مايو من العام الحاليّ 2024 م -وهذه المرّة مع مشاركين من بولندا- أنّ الرّجال ذوي اللّحى الأكبر أفادوا بأنّ لديهم دوافع أكبر لحماية الذّات، ومن المثير للاهتمام، أنّه عندما فحص الباحثون مدى تحفيز الرّجال لتنمية شعر وجههم، وجدوا أنّ هذا كان مرتبطًا بشكل إيجابيّ بمشاعر النّقص الجسديّ ودرجات أعلى على مقياس المنافسة الجنسيّة.

علاوة على ذلك، وجدت دراسة أخرى عام 2012 م، أنّ الرّجال عندما يعبّرون عن الغضب بوجوههم، فإنّ اللّحى تزيد من تصوّر عدوانيّتهم بشكل كبير، لذا قد تكون اللّحية وسيلة لإرسال إشارة لا تعبث معي!

لكن قد ترسل اللّحى أيضًا إشارة أخرى، وهي أنّ الرّجل صالح ليكون أبًا؛ إذ أظهرت العديد من الدّراسات وتجارب الملايين من المراهقين أنّ الشّعر الكثيف على الوجه يزيد من العمر المتوقّع للرّجل، ربّما بشكل أكثر صلة بمسألة الأبوّة. لقد اكتشف ديكسون وبروكس عام 2013 م أنّه كان يُنظَر إلى الرّجال ذوي اللّحى الكاملة على أنّهم يمتلكون مهارات تربويّة أكثر من نظرائهم الأقلّ تشعرًا.

إنّ رغبة الرّجال في تنمية شعر وجههم مرتبطة إيجابيًّا بدافعهم لرعاية الأطفال، رغم أنّ كمّيّة شعر الوجه الفعليّة لدى الرّجال لم تكن مرتبطة بهذا الدّافع، لذلك وعلى الرّغم من أنّ اللّحى قد تكون إشارة إلى استثمار أبويّ مُحتمَل، إلّا أنّها قد لا تكون إشارة صادقة.

الخلاصة:

دراسة اللّحى هي مجال مُتنامي، لكن من الواضح أنّ شعر الوجه له عدد من التّداعيات على الإدراك والسّلوك الاجتماعيّ، ومثلما هو الحال مع الشَّعر الّذي ربّما بدأ في النّموّ على وجوه بعض قُرّائي، فقد بدأ العلماء للتّوّ بمعرفة بعض من الإجابات.

  • ترجمة: نِهال عامر حلبي
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1