وفقًا للأبحاث، هناك نوعان من النرجسيّين والفرقُ بينهما هائل!

في وقتٍ باتَ فيهِ التباهي بأفضل ما لديكَ على وسائل التواصل الاجتماعي معيارًا، بدأت الصفات النرجسية بالظهور في كل مكان.

في عاميّة اليوم، تُعرف السلوكيّات المنفردة مثل الاستحقاق، الفوقيّة، وتهنئة الذات، بالثّناء والثناء الذاتي. سماتٌ كهذه أصبحت أكثر شيوعًا هذه الأيام، ولكن لا يزال يُنظر إلى النرجسيّة على أنّها سمةٌ شخصيّة مَرضيّة، تشبه الساديّة، والمتلاعبة، وحتّى السيكوباتيّة.

ومع ذلك، فإنّ دراسة أُجريت عام 2021 على 270 شخص، بمتوسّط عمر 20، أضفت مزيدًا من المصداقيّة على فكرة أنّ السلوكيات النرجسية لا تحركها دائمًا نفس الأشياء مثل السكوباتية.

قال اختصاصيّ علم النفس الإكلينيكي باسكال واليش من جامعة نيويورك: «لفترةٍ طويلة، لم يكن من الواضح لماذا ينخرطُ النرجسيّون في سلوكيّات غير محبوبة، مثل تهنئة الذات، لأنّه في الواقع يجعلُ الآخرين يفكّرون بها بشكلٍ أقل. يكشف عملنا أنّ هؤلاء النرجسيين ليسوا عظماءً، بل غير آمنين».

وأضافت ماري كوالشيك، اختصاصية علم النفس الإكلينيكي، من جامعة نيويورك أيضًا: «بشكل أكثر تحديدًا، تشير النتائج إلى أنّ النرجسية تُفهم بشكلٍ أفضل على أنّها تكيّفٌ تعويضيٌّ للتغلّب على تدنّي القيمةِ الذاتيّة والتستّر عليها».

يميّز علماءُ النّفس بالفعل بينَ نوعين -مختلفين إلى حدّ ما- من النرجسيين: «النرجسيون الضعفاء»، والذين يعانون من تدنّي احترام الذات، وقلق التعلق، وهم حساسون للغاية للنقد؛ و«النرجسيون العظماء»، الذين يتمتعون بتقدير كبير وتعظيم للذات.

يساعد هذا البحث الأخير في زيادة الفصل بين الاثنين.

استخدمت Kowalchyk وفريقها سلسلةً من التدابير لتقييم مستوياتِ السّمات المٌختلفة بما في ذلك النرجسية، واحترامُ الذات، والاعتلالُ النفسي، لكلٍّ من المشاركين، وَوجدوا أنّ سلوكَ الانعطاف يرتبطُ ارتباطًا وثيقًا بالأفرادِ الذين لديهم أيضًا درجةٌ عاليةٌ من عدم الأمان والشعور بالذّنب. أظهرَ أولئك الذين أظهروا السيكوباتية مستويات منخفضة نسبيًا من الشعور بالذّنب.

قالت كوالشيك: «النرجسيون غير آمنين، وهم يتعاملون مع حالات عدم الأمان هذه عن طريق الثني على الذات. وهذا يجعل الآخرين مثلهم أقلّ على المدى الطّويل، وبالتّالي يزيدُ من تفاقمِ حالةِ انعدامِ الأمنِ لديهم، ممّا يؤدّي بعد ذلك إلى حلقةٍ مفْرغةٍ من سلوكيات الانثناء».

هذا على عكس الأفراد الذين يظهرون النرجسية العظيمة، الذين يؤمنون حقًا بأهميّتهم الذاتية ولا يُظهرون علامات انعدام الأمن. بالنسبة للباحثين، فإنّ الاختلاف بين الاثنين يتجاوزُ مجرّد تمييز فئة.

كتب الفريقُ في ورقتهم البحثيّة: «نحن نفترض أنّ ما كان يُنظر إليه سابقًا على أنّه نرجسية فخمة يمكن فهمه بشكل أفضل على أنه مظهر سلوكي واحد للاضطراب النفسي».

وهم يقرّون بأنّ هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من البحث في مجتمع أكثر تنوعًا عبر نطاقات زمنيّة أكبر للتحقّق من صحّة نتائجهم. لكنّ هذه النتائج الجديدة تتماشى مع دراسة صغيرة من عام 2017، إذ كشفت فحوصات الدماغ النرجسية عن ضائقة عاطفية وصراع عندما عُرضت عليهم صورة لأنفسهم.

في الواقع، كانت هناك دراساتٌ متضاربةٌ حول ما إذا كان النرجسيون يحبّون أنفسهم أم لا؛ من خلال تحديدِ نوعَي النرجسية بشكل أكثر دقة، يمكننا الوصول إلى فهم أفضل لسلوكياتهم، لأنّ كِلا النوعين من النرجسيين قد يُسبّبانِ أيضًا ضررًا حقيقيًا للأشخاص من حولهم على شكل إساءةٍ نرجسية.

بصرفِ النّظر عن علم الأمراض، يمكنُ رؤيةُ السّمات النرجسية -التي يُعتقد أيضًا أن زيادة التركيز على الفرديّة تغذيها- في مجتمعنا من خلالِ الطرق التي نكتب بها «أنا» أكثر من «نحن»، كلماتٌ أكثر تركيزًا على الذات في أغانينا، وتحوّلٌ نحوَ القصص التي تدور حول الشّهرة.

قاس الباحثونَ هذه التحوّلات أيضًا. على سبيل المثال، زادت معدّلات التأييد لعبارة «أنا شخصٌ مهم» من 12 إلى 80 بالمائة بين المراهقين بين عامي 1963 و1992.

علاوةً على ذلك، فإنّ التباهي بأنفسنا على وسائل التواصل الاجتماعي هو شيءٌ يشارك فيه الكثير منّا، إذ يشكّلون بشكلٍ جماعيٍّ، ويغذّي عدم الأمان بشأنِ عدم التّوافق. هذه السلوكيات متأصلةٌ فينا كنوعٍ اجتماعيّ إلزاميّ.

في حينِ أنّ النرجسيين بارعونَ في استخدامِ وسائلِ التواصل الاجتماعيّ، فإن إمكانية أن تزيد وسائل التواصل الاجتماعي من النرجسية كانت أقلّ حسمًا، لكنّ الورقة الجديدة تشير إلى أنّ «زيادةً مثل هذه السلوكيات -تحديدًا الارتقاء بالذات- أمرٌ منطقيٌّ ضمن الإطار الذي نقترحُه هنا، باعتبار أن الانخراطُ مع وسائلِ التواصل الاجتماعيّ يؤدّي بطبيعتهِ إلى مقارنةٍ وتقييمٍ اجتماعيين مستمرين، ممّا قد يؤدّي إلى تفاقمِ حالةِ عدم الأمان بشأن تقدير الذات».

لذلك، في المرّة القادمة التي تكون فيها على استعدادٍ لرفضِ السلّوك المتبجّح لشخصٍ ما، على أنّه أهميّة ذاتيّة، قد يكونُ من المفيدِ التفكير في أنه غير آمن فقط.

  • ترجمة: روان عسّاف
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1