لماذا ينفصل العديد من الأزواج بعد عقودٍ من الزواج؟
لم يفت الأوان ليسود الحب عالمك.
يُشير مصطلح ‘الطلاق الرمادي’ إلى ظاهرة إنهاء زواج شريكين تجاوزا سنَّ الخمسين عامًا. ولا عجب أن نتساءل عن سبب اقتناع شريكين اجتازا معًا معظم محطات رحلتهما الطويلة ليقفا فجأة مدركين أنهما لم يُحسنا الاختيار.
وهنا من الضروري أن نعي حقيقة أن رحلة إدراك الإنسان لما يصبُّ في صالحه أو طالحه تستمر معه مدى الحياة، وأن عبوره في هذه الرحلة قد يستغرق أعوامًا مديدة.
إذًا، وبعد كل هذه السنين من الاستمرار معًا، ما الذي أوصلهما لمحطة الانفصال؟ سلَّطت دراسة حديثة نُشرت في مجلة ‘Journal of Social and Personal Relationships’ الضوء على تجارب (44) شخصًا من المطلقين الذين تجاوزت أعمارهم 60 عامًا، وبيَّنت أن السر الكامن وراء التوقيت في حالات ‘الطلاق الرمادي’ يُعزا للمرور بمنعطفين، هما:
1. الإصرار على استمرار العلاقة رغم اتساع الشرخ:
يرى الباحثون أن أول سبب في الطلاق الرمادي يعود لإصرار الزوجين على الاستمرار في العلاقة رغم تنامي مشاعر عدم رضاهما عنها. إذ أفاد المطلقون أن اتساع الفجوة بينهم وبين شركائهم السابقين يُعزا للخيانة الزوجية، والتعنيف اللفظي، ومحاولة أحد الزوجين فرض سيطرته على الآخر مما جعلهم يدركون عدم التوافق فيما بينهم سواءً لاختلافات في الشخصية أو انعدام التواصل أو النمو الذاتي لأحد الزوجين بالتزامن مع رفض الآخر المضي قدمًا في نفس المسار.
وبالتالي، حثتهم مشاعر عدم الرضا على التفكير بالطلاق. غير أنهم أخَّروا هذه الخطوة لصالح أبنائهم ولكونهم معتمدين ماليًا على أزواجهم، ففضلوا البقاء تحت مظلة معاييرهم المجتمعية على تحمل تبعات الطلاق وأعبائه.
وكمثال على ذلك، عرض زوجين شاركا في الدراسة -‘دان’ 69 عامًا و’راشيل’ 68 عامًا- وجهات نظرهما المختلفة حول نهاية زواجهما الذي استمر 32 عامًا.
وأوضحت ‘راشيل’: “بدأت القصة بخروجه المتكرر مع فتيات عشرينيات بحجة الدراسة. تلا ذلك حصوله على رخصة قيادة دراجة نارية، ومن يومها اختفى من المنزل. وهكذا مضت 10 سنوات عجاف تجرعت فيها مرارة خيانته وأكاذيبه التي لا تنتهي. عزمت على الطلاق منذ أمد بعيد، ولكن ما أوقفني ذلك هو خوفي من تفكك أسرتي وضياع ابنتي”.
بالمقابل، قال ‘دان’: “تابعت دراستي ففتحت لي آفاقًا واسعة وكم تمنيت ألا أخطو خطوة إلا بصحبة زوجتي السابقة. تفاعلت معي في البداية واستمتعنا كثيرًا، ولكن فيما بعد إما أنها سئمت أو أن الأمر برمته لم يعد يحلو لها. وبالتدريج خيم شبح الصمت الزوجي بظلاله على جلساتنا وحرمنا من التجاذب العفوي لأطراف الحديث. وفعليًا كان الطلاق آخر محطة لرحلة أرغمنا على متابعة السير فيها لسنوات. ومع كل الشكوك التي راودتها حول علاقتي بفتاة أخرى، أصرت على أن مشكلتنا تزامنت مع لحظة خيانتي لها، لكنها في الواقع لم تبدأ من هناك”.
وتخبرنا أيضاً ‘روث’ -البالغة من العمر 68 عامًا، والتي استمر زواجها مدة 44 عامًا- كيف تسببت الاختلافات الشخصية والأخطاء في أسلوب التواصل مع شريكها في انهيار علاقتها الزوجية، غير أن بيئتها وحياتها الاجتماعية حالت دون طلاقها: “جُبلتُ على المشاعر الدافئة، والعاطفة المتقدة، والحنان، وتبادل الأحضان. أما زوجي -وعلى الرغم من ذكائه الحاد- يغلب على مشاعره البرود. وقعنا فريسة سهلة لجدالات عقيمة لم تبين لنا من منا كان على صواب؟ وما الكلمة التي أثارت الجدل؟ وبأي نبرة قيلت؟ وما عاقبتها؟ كان الأمر أشبه بحرب استنزاف. أردت الطلاق منذ أمد بعيد، لكنني لم أجرؤ على الإقدام عليه، ولم أكن أمتلك وعيًا كافيًا في سنوات زواجي الأولى. ففي سبعينيات القرن المنصرم لم يكن الطلاق منتشرًا كحاله الآن، ولم أدرك أنني في حالة يرثى لها إلا بعد حين”.
2. اليقين بحتمية الطلاق:
يرى الباحثون أن المرحلة الثانية من الزواج التي تبلغ ذروتها بالطلاق الرمادي هو القرار الحاسم بالطلاق نتيجة تراكم الضغوط والمشاكل الزوجية لسنوات. وتنجم هذه الضغوط بسبب نقاط التحول الكبيرة التي توجِّه الزواج نحو الانهيار التام.
تشمل نقاط التحوّل -أو اللاعودة- هذه أحداثًا محددة قد تضع العلاقة المتوترة بين الزوجين على الملأ، أو حالات متضخمة من عدم الأمانة الزوجية أو المالية أو حالات متطرفة من الإساءة الجسدية أو الاقتصادية أو العاطفية. وغالباً ما يؤدي ذلك إلى لحظة وضوح وحسم بشأن الطلاق.
كما وضح المشاركون كيف رجحت التغيرات البنيوية للأسرة كفة الطلاق عندهم ودعًّمت موقفهم، ولعل أبرزها استقلال الأبناء عن عائلاتهم، وتغير معايير البيئة المجتمعية بمرور الوقت، واكتمال النضج العاطفي لدى الزوجين ورغبتهما القوية في الاستمتاع بما تبقى من حياتهم.
قال الباحثون: “انفصل ‘ديفيد’ 70 عامًا، عن ‘ميريام’ 69 عامًا بعد زواج استمر 40 عامًا، وذلك نتيجة خيانات ديفيد المتكررة لزوجته وسلوكه الشائن منذ بدء علاقتهما الزوجية. وفي حفل عيد ميلاده ال60 قضى ديفيد على حياته الزوجية بيده عندما دعا عددًا من خليلاته السابقات إلى الحفل. وكانت ميريام أخذت عليه سالفًا العهود والمواثيق بألّا يعود لمثل هذه التصرفات أبدًا، بينما أصرّ على فعلته، وعندها حسمت ميريام أمر طلاقها. فظهور مدى هشاشة العلاقة الزوجية على الملأ يجبر كلا الزوجين على مواجهة حقيقة علاقتهما ويعزز إدراكهما بأن أوان التغيير قد حان”.
نعرض أيضًا حالة أخرى، ‘سارة’ 62 عامًا و’يعقوب’ 66 عامًا، استمر زواجهما 35 عامًا وانتهى بالانفصال بسبب مشاعر يعقوب الدفينة بعدم حصوله على التقدير والاحترام منها، وعلم سارة بخيانته لها. بالنسبة لسارة، لم يكن وقع الطلاق عليها أشد من رفض يعقوب الاعتراف بخيانته وعدم سعيه للحصول على استشارة زوجية. أما يعقوب فكان الأمر مختلفًا بالنسبة له، وبين ذلك بقوله: “في عشية عيد الميلاد، اشتريت هدايا لزوجتي ولأطفالي وقدمتها لهم. فماذا تتوقعون أن يكون رد زوجتي؟ قالت لي: لم أشترِ لك شيئًا، اذهب غدًا إلى السوق واختر هديةً تحلو لك”. كانت ردة فعلها واضحة للغاية، وبعد ذلك ماذا يجدر بي أن أفعل؟ لا شيء، سوى أنني قررت الرحيل لأعيش باقي أيامي بالطريقة التي أريدها، فغادرت المنزل “.
إن هشاشة القصص السابقة تنبهنا لضرورة الرصد المبكر لمؤشرات الضغوطات الزوجية ومعالجتها بأسرع ما يمكن. فغالبًا ما يكون الطلاق الرمادي متجذّرًا في القضايا المزمنة، والتحولات الجذرية، والتطورات الشخصية الممتدة عبر السنين. وهذا يتطلب الغوص في أعماق أكثر المشاعر والتوقعات الاجتماعية تعقيدًا، والتأكد من جدوى الشروع في حياة جديدة.
ومع ذلك، فمن الواضح أن هؤلاء المطلقين يتمتعون بمرونة استثنائية وعزم للبحث عن السعادة في سنواتهم المتبقية، مؤكدين عدم فوات أوان تعديل مساراتهم من جديد وتغييرها بما يتوافق مع نموهم الشخصي وتعافيهم.
ابذل قُصارى جهدك لتعيش حياة حقيقية هانئة غير آبه لسنوات عمرك الزمني.
- ترجمة: آلاء نوفلي
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1