اضطراب تبدد الشخصية: ما نعرفه عن هذه الحالة الغامضة

“ستعتقد أنني مجنون”، قال كالوم وهو ينظر إلى يديه وهو يلفهما معًا في حجره.

“كل شيء يبدو وكأنه حلم. أعلم أنني لست أحلم – أعني – أعتقد أنني هنا بالفعل، لكن في الوقت ذاته، لست متأكدًا. كل شيء يبدو غريبًا بطريقة ما”.

ثم أطلق تنهيدة عميقة: “لا أحد يفهم ما أقصده”.

الشاب النحيف البالغ من العمر 18 عامًا الذي يجلس أمامي يبدو مستسلمًا ومحبطًا للغاية. وهذا أمر شائع في مجال عملي. ليس فقط لأنني أعمل كمتخصصة في الصحة النفسية، حيث نادرًا ما أقابل أشخاصًا يمرون بأفضل أوقات حياتهم، ولكن لأنني أختص تحديدًا في التعامل مع اضطرابات الانفصال وتبدد الشخصية.

كالوم، الذي يجلس على الكرسي في غرفة العلاج الخاصة بي، يطابق المعايير التشخيصية لاضطراب تبدد الشخصية: اضطراب مربك على عدة أصعدة.

تتميز الحالة بأعراض رئيسية مثل الشعور العميق بالانفصال وعدم الواقعية، مما يثير الحيرة لدى من يعانون منها. كما وصف أحد العملاء: “الأمر يبدو غريبًا جدًا!”، وأضاف آخر: “إنه كأن تكون تحت تأثير الكحول بشكل دائم، ولكن بدون المتعة”.

تشمل الأوصاف الشائعة لهذه الحالة الشعور وكأنك محاصر داخل فقاعة، أو أنك خلف لوح زجاجي، أو أنك ترى العالم من مسافة بعيدة جدًا. كما يصف الناس أيضًا شعورًا بالغربة، وكأن أفكارهم وذكرياتهم- وحتى أجسادهم- لا تنتمي إليهم.

ليس من المستغرب إذاً أن يقضي الأشخاص المصابون باضطراب تبدد الشخصية ساعات طويلة في التفكير فيما قد يكون السبب وراء هذه الأحاسيس الغريبة، ولماذا تعود بشكل متكرر، وما الذي يمكنهم فعله للتخلص منها.

خلال مسيرتي، قابلت أكثر من شخص أجرى تصويرًا دماغيًا للبحث عن أورام افترض أنها قد تكون سبب المشكلة. كما أنه من الشائع أن يشرح البعض أن حالتهم بدأت بعد تجربة “رحلة سيئة” نتيجة استخدام القنب (نبتة الحشيش) ولم يتمكنوا بعدها من العودة إلى الواقع.

ومن المفارقات أن هذا القلق المستمر يُعتقد أنه السبب في استمرار اضطراب تبدد الشخصية. فالتركيز الدائم على هذه الأحاسيس الغريبة يجعل الأشخاص ينتبهون حتى لأدق التفاصيل. وعندما يشعرون بالخوف منها، يزيد ذلك من يقظتهم- ومستويات التوتر لديهم.

الحقيقة المدهشة هي أن تجارب تبدد الشخصية واغتراب الواقع التي تُميز هذا الاضطراب شائعة جدًا وطبيعية تمامًا، خاصة في حالات الضغط النفسي.

إذاً، لماذا ليس كالوم أول من يخبرني أن لا أحد سيفهم ما يمر به؟ لماذا من الصعب جدًا العثور على شخص يفهم؟

الإجابة الواضحة تكمن في الافتقار إلى لغة توصف بها تجارب تبدد الشخصية واغتراب الواقع. إنها أحاسيس دقيقة وذاتية يصعب التعبير عنها بدقة بالكلمات.

كما أنها ترتبط بجوانب من إحساسنا الشخصي للغاية بالواقع، والتي نادرًا ما نتحدث عنها مع الآخرين. ربما كانت الأيام الأولى لإغلاق كوفيد-19 هي المرة الوحيدة التي أصبح فيها من الطبيعي اجتماعيًا مناقشة غرابة الحياة اليومية.

( “يبدو الأمر وكأننا نعيش في فيلم، أليس كذلك؟” يقول صوت زميل عبر Zoom).

قلة الوعي أو التدريب

الإجابة الأكثر تعقيدًا هي أن الغالبية العظمى من متخصصي الصحة النفسية لا يتلقون أي تدريب على التعامل مع اضطرابات الانفصال. ونتيجة لذلك، فإن الأشخاص الذين يلجؤون إلى خدمات الصحة النفسية يشكون من تبدد الشخصية للأسف، هم عرضة لأن تُفهم أعراضهم بشكل خاطئ أو يتمّ تجاهلها.

ربما لهذا السبب يستغرق الأمر في المملكة المتحدة ما بين 8 إلى 12 عامًا لتشخيص اضطراب تبدد الشخصية بشكل صحيح. وفي هذه الأثناء، قد يخضع الأشخاص لعلاجات غير ناجحة للاكتئاب أو القلق، أو تُفسر أعراضهم على أنها جزء من اضطراب آخر يعانون منه أيضًا.

كثيرون يتم تحويلهم بين الخدمات حيث يكافح الأطباء لفهم كيفية مساعدتهم. وكثيرون يتم إخراجهم من الخدمات دون دعم. آخرون أخبروني أنهم ببساطة يتوقفون عن الحديث عن المشكلة لأنهم تعلموا أن ذلك لا يجدي نفعًا.

المتخصصون ليسوا الملامين على هذا. فأنت لا تعرف ما لا تعرفه. وفي الواقع، مع تزايد المناقشات حول الأعراض الانفصالية على وسائل التواصل الاجتماعي، يدرك العديد من المتخصصين في الصحة النفسية أنهم يعانون من فجوة معرفية ويسعون للحصول على نصائح وتدريب وموارد.

منظمة Unreal، الخيرية البريطانية المتخصصة في اضطراب تبدد الشخصية، تلقت العديد من الطلبات لتدريب المؤسسات بأكملها في الأسبوع الأول من إطلاق زر “طلب محاضرة” على موقعها الإلكتروني.

الباحثون بدورهم يؤدون دورهم. بدءًا من إنتاج إنفوغرافيك مختصر للإحالة، إلى الكشف عن أي تداخل في التواصل بين الشباب والمتخصصين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، وصولًا إلى دراسة الدماغ لفهم أفضل لهذا الاضطراب- هناك الكثير من العمل قيد التقدم. وأهمها الجهود المبذولة لتطوير وتحسين علاج نفسي مخصص.

لذا، عندما أنظر إلى كالوم، الذي يجلس منحنيًا في مقعده، أشعر بتعاطف عميق مع إحساسه بأن العالم لا يفهم ما يمر به. لكن لدي أيضًا بذرة أمل حقيقية بأن الأمور ستبدو أكثر إشراقًا له قريبًا.

إيما تشيرنيس، أستاذة مساعدة في علم النفس الإكلينيكي، جامعة برمنغهام.

  • ترجمة: كريستينا سليمان سليمان
  • تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
  • المصادر: 1