سبعة مفاتيح لخلق السلامة النفسية في العمل

مع ارتفاع معدل «دوران العمل» في آخرِ عشرين عام ومرحلة ما بعد الوباء، فإن المؤسسات التي تأمل في استبقاء الموظفين الأكثر موهبة سوف تصبح مخطئة في تجاهل الفوائد الضخمة العائدة من وراء إثراء جانب السلامة النفسي في العمل؛ لأن الفريق الذي يتمتع بجانب نفسي هو آمن، ويشعر أعضاؤه بالقبول والاحترام.

تساعد السلامة النفسية على تعزيز خلق بيئة أكثر شمولًا؛ مما يمهّد الطريق للمزيد من الإبداع، والابتكار، وزيادة استبقاء أرباب العمل لموظفيهم.

ما معنى السلامة النفسية؟

قضت «إِيمي إيدمونسون»، أستاذ بمدرسة التجارة جامعة هارفارد أعوامًا في دراسة سبل تكوين الأفرِقة والتعلم التنظيمي قبل صياغتها في عبارة تسمى «السلامة النفسية» في 1999. عرفت هذه العبارة «بالمناخ الذي يهيأ للفريق المتمثل في الاحترام والثقة المتبادلتين، وكل منهما يشعر أعضاء الفريق بالارتياح». ففي الأساس كلهم فريق واحد؛ مما يمكنهم جلب أنفسهم للعمل والتعبير عن آراءهم دون توبيخ.

في أوائل عام 2010، أجرت شركة «غوغل» بحثًا واسع النطاق لدراسة 180 فريق وتحليل 250 رأي لهذه الأفرِقة. فالهدف من هذه الدراسة هو فهم سبب نجاح بعض الأفرِقة بصورة أفضل من غيرها، حتى خلصت جهودهم في مشروع يطلق عليه «مشروع أرسطو». وبينما عجز بحث الشركة عن فك شفرة اللوغاريتمات المرتبطة بإعداد الأفرِقة بصورة مثالية، فإنه كشف عن الخمس ديناميات التي فيما يبدو أنها ميّزت الفريق الجيد عن سواه من ناحية السمات التالية وهي:

  • الاعتمادية: يعتمد العاملون على بعضهم لإخراج عمل ذي جودة.
  • البناء والوضوح: الأدوار، والأهداف، وخطط التنفيذ لكل عضو في الفريق.
  • المغزى من العمل: يؤدي العاملون شيء مهم لبعضهم على المستوى الشخصي.
  • تأثير العمل: يرى العاملون أن العمل مؤثر.
  • السلامة النفسية: يمكن للعاملين المخاطرة في الفريق دون الشعور بعدم الأمان أو الإحراج.

أوضحت النتائج أن رواد التعلم والتنمية لا يمكنهم التوقف عن التأثير في معدل إنتاجية الفرد، ويعد تعاون الفريق بصورة فاعلية ضروريًا لأي منظمة حتى يمكنها الحصول على نتائجها المرتقبة. ومن هنا، تلعب السلامة النفسية دورًا رئيسًا في تطوير ديناميات التعاون لدى الفريق.

مراحل السلامة النفسية الأربعة

إذن، كيف يمكن لأفرِقة التعلم والتنمية أن تساعد في خلق السلامة النفسية في العمل؟

يبدأ هذا من تجزئتها إلى أجزائها الأساسية. وصف «تيموثي أر. كلارك»، استشاري التنمية التنفيذي وعالم الاجتماع المدرب بجامعة أكسفورد المراحل الأربعة للسلامة النفسية التي من خلالها تحرز الأفرِقة التقدم، واللاتي يتركزن حول بُعدين؛ وهما السماح والاحترام.

عندما ينشأ الفريق على الاحترام والسماح، فسوف يتقدمون بصورة أعمق نحو مستويات السلامة النفسية الأربعة.

أوضح نموذج «كلارك» أنه عندما تنشأ الأفرِقة على الاحترام والسماح (كم عدد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة والتأثير على المجموعة)، سوف يتقدمون بصورة أعمق نحو مستويات السلامة النفسية الأربعة، وهي المحددة أدناه من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا، فكلها تحدد الاحتياجات النفسية الرئيسة.

  1. لامة الإدماج: يشعر أعضاء الفريق الواحد بالقبول على أنهم جزء منه، مرغوب فيهم، كذلك يشعرون بالتقدير، لا بالإقصاء عن بقية زملائهم.
  2. سلامة المتعلم: يكون في مقدور أعضاء الفريق طرح الأسئلة، وارتكاب الأخطاء، والاعتراف بارتكابهم الأخطاء، أو طلب المساعدة.
  3. سلامة المساهم: يأمن أعضاء الفريق على عرض أفكارهم دون الخوف من الإحراج أو السخرية، فهم يضيفون قيمة للمجموعة، ويحدثون فرقًا.
  4. سلامة المتحدي: من الممكن أن يطرح أعضاء الفريق الأسئلة على الآخرين بمن فيهم ذوي السلطة، ويقترحون التغييرات الهادفة على الأفكار، والخطط، والعمليات؛ إلا أن هذه المرحلة تمثل الخطر الأكبر على المستوى الشخصي؛ لأن الفريق يتحدى الصورة التي تصبح عليها الأشياء.

يقول كلارك يتألق الأفراد في البيئات التي توفر لهم المستويات الأربعة، ف«هو بمثابة دعم للثقة، والإشراك، والأداء»، إلا أنهم لا يشعرون بالأمان إذا لم تتوافر هذه المستويات؛ ويؤدي ذلك إلى شعورهم بالاختناق، والكبت، ومنعهم من الوصول إلى إمكاناتهم الكاملة، ومن المهم أيضًا أن يعي المرء أن السلامة النفسية ليست ثابتة، بل إنها تتطور على مدار الوقت. فهي ليست بمفتاح يمكنك الغلق أو الفتح به ببساطة، ولا يمكنك حتى التطبع بها، لكن قد تتقدم الأفرِقة إلى الأمام في بعض الأحيان وقد تتراجع في أحيان أخرى، فضلًا عن اختلاف موضع أحد أفراد الفريق عن البقية من ناحية مستويات السلامة النفسية؛ مما يشعر أعضاء الفريق جميعا بالنفور.

مفاتيح تعزيز السلامة النفسية في العمل

من الواضح أن المؤسسات تسعى إلى تمكين موظفيها وتحسين أدائهم الذي يجب أن يركز على تحقيق السلامة النفسية على أرض الواقع، ولكن كيف؟

يمكن لأفرِقة التعلم والتنمية أن تعزز السلامة النفسية في العمل باتخاذ الخطوات التالية:

1. تعزيز الإدماج

شارك أستاذ القانون بجامعة نيويورك، «كينجي يوشينو»، «ديلويت» في دراسة «الندب» لفرد يحاول تحسين هويته ليلقى استحسانا من الطرف السائد، فوجدت دراستهما أنه من 3120 فرد الذي جرى استقصاؤهم، من الجنسين ومختلف الفئات العمرية، والعرقية، والاتجاهات) في عشر صناعات مختلفة، كان 61% من زملائهم ينوبون عنهم في العمل؛ لكن صرح أكثر من النسبة المذكورة لعدد هؤلاء الأفراد المنوبين أنهم قد شعروا بالإضرار للغاية بذاتهم.

وأكد «يوشينو» من جانبه أن المؤسسات عليها أن تستجيب «بالتفكير في البشرية كلها، وكيفية ازدهارها، وسعادتها»، والسماح للموظفين بأن يكونوا أنفسهم فحسب في العمل؛ فهذا يساعد في إزالة الحواجز عند بدء المرحلة الأولى من السلامة النفسية، وهي سلامة الإدماج.

لضمان بث شعور الانتماء عند أعضاء الفريق، يمكن لرواد التنمية والقيادة أن:

  • توفر للقادة تمارين تعزيز الإدماج في سوق العمل وتعلمهم الخطوات الستة للقيادة الشاملة.
  • تمهد الطريق للحوار المفتوح أثناء تعلمهم البرامج إذ يتبادل الموظفون وجهات النظر بحرية.
  • تدريب مسؤولي ومديري التعيين للتحقق من الانحياز غير المصرح به وإدارته.
  • مراقبة الشمول بين المؤسسات باستخدام أبعاد تصنيف جارتنر السبعة.

2. خلق ثقافة مبنية على الرأي والرأي الآخر

تعني حرية الرأي بمفهومها العادل وجود سوق عمل آمن من الناحية النفسية، وبانتقال العاملين من مرحلة السلام النفسي لدى المتعلم، كانوا بحاجة إلى التعلم من أقرانهم والاعتراف بأخطائهم، وكل ذلك يتحقق بروح التعلم والتطور دون.

3. التهديد بالعيوب أو توثيق الأداء الوظيفي.

الحرية بمفهومها العادل هي وجود سوق عمل آمن من الناحية النفسية، وللمساعدة في خلق ثقافة مرحب بها، يمكن لفريق القيادة والتنمية أن يقدموا برامج تدريب تعلم الموظفين كيفية الإفادة بآرائهم بصورة لائقة، وذكر الأسباب التي تجعل ذلك مهمًا. فبما أن الإفادة بالآراء تعد مهارة، ينبغي أن تسنح الفرص للمتعلمين لتطبيق ذلك في بيئة آمنة، على سبيل المثال من خلال ممارسة لعب الأدوار. ويمكن لقادة الفرق أن يشكلوا نموذجًا حول كيفية إبداء الآراء وتقبلها؛ فعندما يطلب من الآخرين الإفادة برأيهم بصورة استباقية، فهذا يعني أنها متوقعة ومرحب بها.

4. فاعلية القيادة

أكد بحث أجرته شركة مكنزي وشركاؤه، شركة استشارية إدارية، أن المناخ الإيجابي الذي يسود الفريق يعد «المقود الأكثر أهمية في السلامة النفسية لأعضائه»، ويشار به هنا إلى بيئة العمل إذ يقدر أعضاؤه إسهامات بعضهم، ويراعي مصالح أحدهم الآخر، كذلك يساهمون بمدخلاتهم لإنجاح عمل الفريق؛ ويعد القادة مسؤولون عن إعداد النغمة لهذا النوع من المناخ السائد من خلال ضبط التصريحات على وجه التحديد أكثر من خلال أساليب القيادة. وأوضح البحث أيضًا أن لسلوكيات القيادة الداعمة والاستشارية أثرًا كبيرًا على توفير مناخ إيجابي لأعضاء الفريق، وكذلك على سلامتهم النفسية.

القيادة الاستشارية هي ترحيب القادة بمشاركات فرقهم، ثم النظر فيها، ومن ثم البت فيها، وتتضمن القيادة الداعمة الاهتمام بأعضاء الفريق باعتبارهم أفراد وليس بوصفهم موظفين في الشركة؛ لذا يجب أن تقدم برامج التدريب الإدارية دروسًا حول كيفية تنمية المهارات مثل القيادة الاستشاريَّة والدَّاعمة، كما أن كفاءات الذكاء العاطفي الحل الرئيسي للتطوير وتعزيز السلامة النفسية في سوق العمل.

5. بناء الذكاء العاطفي

يمكن أن تؤثر الدروس المقدمة إلى الموظفين حول الذكاء العاطفي مباشرة على مستويات تأثير السلامة النفسية في العمل. يشمل تدريب الذكاء العاطفي موضوعاتٍ منها – على سبيل المثال – كيفية إدراك الحالات العاطفية التي تنتاب أعضاء الفريق، وتكوين علاقات عمل إيجابيَّة. وتعد طريقة عرض التَّدريب مهمة، وأوضح البحث أن عملية التعلم تتم بصورة فاعلية عن بعد عنه في إلقاء المحاضرات وجهًا لوجه، وتُعرض حسب التنسيق المطلوب، كما يمكن تسجيل المحاضرة مسبقًا حتى يزيل أثر العوائق على عملية التعلم. وخلال أسبوع عمل نموذجي، يمكن لأغلب الموظفين أن يخصصوا عشرين دقيقةً من وقت فراغهم لتطور أنفسهم.

6. زيادة الثِّقة

يمكن الاستعانة بدرس مصمم بطريقةٍ جيّدة وسهل الوصول إليه كالموجود أدناه من “أليسا كوهن”، المدير التنفيذي وخبير القيادة، لغرس أفضل الممارسات لخلق بيئة آمنة نفسيًّا.

يعد التعود على مدح أعضاء الفريق لإنجازاتهم بمثابة سيناريو مربح لهم؛ فهو يساعد الموظفين على تطوير علاقات إيجابيَّة مع الآخرين؛ ليشعر الشخص الذي يتلقى الثناء بقيمة عمله على مدى تقدمه في مرحلة كلارك لسلامة المساهم. في مقالة نشرت بمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، أشارت “لورا ديليزيونا” إلى أنه يعين صاحب العمل الموظفين لمعالجة التحديَّات التي يفرضها هو أو زميلهم، أو رئيسه باعتباره تهديدًا للحياة. فعلى حد وصف “ديليزيونا” إنها ك “اللوزة الدماغيَّة التي تعد بمثابة جرس المنبِّه؛ فهي تثير استجابة الكر والفر، وتخطف مراكز الدِّماغ العليا، غير أنه عندما نلجأ إليها كثيرًا، تجعلنا نفقد صوابنا. ففي حين أن هذه الاستجابة قد تنقذ حياتنا في الأوضاع الخَطِرة، فإنها تعيق التخطيط الاستراتيجي المطلوب في مكان العمل اليوم”.

وبسبب هذه الاستجابات التطوريَّة، ربما تصبح سلامة المنافس (تشالنجر) هي المرحلة الأصعب للوصول إلى الأمان النفسي؛ لكن بناء الثقة يمكن أن يتصدى لهذا التحدي.

صرحت “أنجي مكآرثر”، مؤسس شركة استشاريَّة عالميَّة، أنه “عندما تثق في شخص ما، فإنك تدع المستحيل ممكنًا” ؛ إذ ترى أن الثقة قد تشكل عائقًا أو مسارًا، ولكن بإزالة الغموض عنها يمكن أن تصبح خطوة رئيسية نحو بنائها. لذا، يجب أن تتبادل الأفرِقة الحديث بكل صراحةٍ عن سلوكيَّاتٍ محدّدة يمكن للأعضاء أن تجعلهم يثقوا في بعضهم أكثر، مثل الالتزام بالشفافية حول تحديد ماهية المهام اليومية أو الإطار الزمني لتسليم المشروعات.

7. تقدير الأمان النفسي

من المهم الاستمرار في مراقبة السلام النفسي في محيط العمل بتطوره مع مرور الوقت. وفي دراسة أصلية ل “إيمي إيدمونسون”، باحثة في هارفارد، استخدمت “إيمي” مجموعة من الأسئلة التالية لقياس السلام النفسي بين 51 فريق عمل.

  1. إن ارتكبت خطأ، هل يوجه اللوم إليك؟
  2. هل في مقدورك حل المشكلات والقضايا العويصة؟
  3. هل في بعض الأحيان لا يتقبل أعضاء الفريق الآخرين لكونهم مختلفين؟
  4. هل من الآمن المخاطرة؟
  5. هل من الصعب طلب المساعدة من الأعضاء الآخرين؟
  6. هل يتعمد البعض تقويض جهودك؟
  7. هل تستغل مهاراتك الفريدة وتطبّقها؟

يستخدم القادة في المؤسسات هذه الأسئلة لمعرفة مستويات السلام النفسي بأفرِقتهم وأقسامهم. بمجرد إنشاء خط الأساس، يمكن أن تقدم فرق التعلم والتنمية الدعم والتدريب الأعمق حول أي مجالات قد تكون غير متوفرة.

8. كن واعيًا عندما تكون بعيدًا

قد غيرت جائحة (كوفيد-19) طريقة عمل الأفرِقة إلى الأبد؛ مما جعل الكثير من المؤسسات تخطط البقاء على سياستها بالعمل عن بعد في المستقبل، ولأن تفاعلنا يُعظّم عن بعد، لم تعد هناك الحاجة لخلق بيئة تتوافر فيها السلام النفسي.

في البيئات النائية والمختلطة، يجب أن يكون القادة أكثر تصميمًا على التحقق من أفرِقتهم من خلال مكالمات الفيديو الفردية المنتظمة. للتأكد من استمرار نمو الشمولية، يمكن للمديرين التفكير في دمج الأشخاص معًا في المشاريع الذين لا يعملون معًا عادةً، ويمكن أيضًا تشجيع أعضاء الفريق على استضافة جلسات عصف ذهني افتراضية متعددة الوظائف عند بدء مشاريع جديدة.

يمكن للتفاعل الذي يتم بصورة افتراضية مفيدًا أكثر ما كنا نتوقعه بالنسبة لخلق السلام النفسي، فمثلًا، أثناء جدولة المكالمات مسبقًا وإعادة صياغة الرسائل النصية قبل إرسالها، يُخصص وقت لإنشاء تواصل هادف.

على الرغم أنه قد يصعب قراءة لغة الجسد من خلال الشاشات، فإنها يمكن أن تساعد الموظفين على ممارسة الاستماع الفعال أثناء المكالمة. فقد يصبح الوضع محرجًا– على المستوى الشخصي- اجتماعيًا عند التواصل البصري على فترات طويلة، لكن تلك المكالمات عبر الفيديو تزيل هذا الحاجز، ومن هنا يستجيب أعضاء الفريق للإيماءات العاطفية والاجتماعية إلى حدٍّ أكبر، ويعي ما يقوله المتحدث كنتيجة لذلك بصورة أفضل.

ملاحظة نهائية

أوضحت الأبحاث أن المؤسسات التي تثري النمو بهذه العقلية، فلا بأس بالفشل، وإنما يصبح الموظفون أكثر سعادة في بيئة يسودها الإبداع، وتقييم مشرفيهم على أن فرقهم هم الأكثر تعاونًا أيضًا، وهنا يبنى السلام النفسي تلقائيًا في هذا النوع من البيئات، كما يمكن لفرق التعلم والتنمية أن تتعاون مع القادة للسير على هذا المبدأ؛ مما يساعدهم الموظفين على التقدم خلال مراحل «كلارك» الأربعة في العملية، وستصبح المؤسسات التي تطبق السلام النفسي بتلك الطرق هي الأكثر نجاحًا.

  • ترجمة: زينب محمد الأصفر
  • تدقيق لغوي: غفران التميمي
  • المصادر: 1