كيف تؤثر مشكلة العقل والجسد على مستقبل الذكاء الاصطناعي؟

تُشير “عقولنا المتجسِّدة” إلى أنّ فكرة الهروب من الموت عن طريق الحاسوب أمرٌ مستبعد في نهاية المطاف.

الخُلاصة

•تمامًا كما أنّ صور انعكاسات أجسادنا ليست هي الأجساد بعينها، فإنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، المُدربة على غرار الفكر البشري، ليست عقولاً حقيقةً.

• تعتمد العقول، بطريقة ما على الدماغ الماديِّ، فوجودها مرهون بالدماغ.

• إنّ الطبيعة المتجسِّدة جوهريًا للعقول البيولوجية لها آثار مهمة على أبحاث الذكاء الاصطناعي.

تأمل الصورة التي تظهر في مرآة حمامك كلَّ صباح. فالجسد الذي يظهر في المرآة ليس جسدًا آخر يشغل معك حيزًا في العالم. وليست نسخة مطابقة لجسدك، ولا حتى صورةً باهتةً عنه، فذلك الجسد المنعكس على المرآة أمامك ليس جسدًا على الإطلاق، بل هو ضربٌ آخر من الكائنات.

وعلى المنوال نفسه، فإنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة، المُدَّربة على الفكر والسلوك البشري، لا تمثل عقولاً. يُشبه المرآة إلى حدٍّ كبير. فتلك الأنظمة لا تُنتج أفكارًا أو مشاعر، مثلما تُنتج المرايا الأجسام. وإنّما تُنتج ضربًا جديدًا من الانعكاس.

ربما تتساءل: “كيف يمكننا التأكد من أنَّ أدوات الذكاء الاصطناعي ليست عقولًا؟ ما هو العقل في الأساس؟ لدينا كمٌّ هائل من البيانات العلمية عن العقول، وبضعة آلاف من السنين من الحدس الفلسفي بشأنها.

ومن حيث التعريف العلمي المُحكم، صحيح أننا لسنا أقرب اليوم مما كنا عليه في عام 1641، عندما عرَّف الفيلسوف وعالم الرياضيات رينيه ديكارت العقل بأنه «شيء مُفكر». مع ذلك، واستنادًا إلى الأدلة العلمية، يقبل معظمنا أنّ العقول، بطريقة ما، تخضع للدماغ الماديّ. أي أن العقول تعتمد على الدماغ في واقعها. ومن غير المرجح أنّ تكون العقول كيانات غير مادية طليقة تُرتبط ببساطة بالجسد مثل قائد بسفينته، وهي استعارة استحضرها ديكارت ولكنه رفضها في النهاية باعتبارها غير مناسبة.

لا شكَّ، أنَّ العقول تأتي إلى الوجود من خلال الجسد وعملياته الفيزيائية. صحيحٌ أنَّ العمليات التي تجري في الدماغ ضرورية، لكن الأدلة العلمية تُؤكِّد بشكلٍ متزايد أنَّ حياتنا العقلية أيضًا تحركها أجهزة جسدية أخرى كالأعصاب الحركية، ونظام الغدد الصماء، وحتى جهازنا الهضميِّ. عقولنا مُتجسَّدة، لا مجرد مُتصلة بأجسادنا أو مُحاطة بها. وكان ديكارت قريبًا من الحقيقة حين أقرَّ بأن عقولنا “مُمتزجة” مع الجسد بشكلٍ غامض. على عكس أي شخص يُوجِّه سفينة عن بعد، فمثلا عندما أقود سيارتي واصطدم بشكل عنيف سأتعرض أنا للإصابة أيضا وليس سيارتي فقط. أنا لا أحرك جسدي، بل أحرك نفسي.

لكنَّ ديكارت، الذي كان مقتنعًا بأنَّ للعقل وللجسد طبيعتين منفصلتين، لم يستطع مع ذلك قبول فكرة أنَّ العقل هو حقًا من الجسد، وأننا نتحرَّك ونفكِّر كأجسام مُفكرة وعقول متجسَّدة. ولم يكن ليتقبل حقيقةً علميةً مفادها أنَّ العقل ليس مجرد خلايا عصبية في دماغي وأعصابٍ في أصابعي، بل أيضًا هرموناتٍ تتدفق في دمي ونواقلَ عصبيةٍ تنتجها البكتيريا في أمعائي.

كما يستطيع نموذجٌ واحدٌ مُدرَّب من الذكاء الاصطناعي أن يُسيِّر سربًا من الطائرات المسيرة بدون طيار أو ألفَ جسمٍ آليٍّ مختلف في وقتٍ واحد، لكنني لا أُسيِّر جسدي. أنا جسدي. في حين أنَّ شيئًا مثل الروح التي تبقى على قيد الحياة بعد الجسد هو أبعد من متناول العلم لتأكيده أو دحضه، فإنّ التفكير في ذهني – مدفوعًا بهرموناتي وإشاراتي العصبية، وتُحركه تدفق الناقل العصبي عبر نقاط الاشتباك العصبي بين خلايا دماغي وأمعائي العصبية، كشيء آخر غير جسدي هو ارتكاب ما يُسمِّيه الفلاسفة خطأ الفئة – مُصطلح فلسفيٌّ يشير إلى حدوث خطأ وجودي بحيث أنَّ الأشياء التي تنتمي إلى تصنيف معين تُوضع في تصنيفٍ آخر لا تنتمي إليه بالفعل-.

إنَّ الطبيعة المُتجسِّدة جوهريًا للعقول البيولوجية لها آثارٌ مهمة على أبحاث الذكاء الاصطناعي، والتي كثيرًا ما تُضلّ بسبب فكرة أنَّ العلاقة بين عقولنا وأجسادنا تعادل العلاقة بين البرامج والأجهزة. قد تكون هذه الاستعارة الحسابية للعقل مفيدة في بعض الأحيان، ضمن حدودها، ولكنها غالبًا ما تم تضخيمها في نظرية حسابية للعقل: الاعتقاد بأنّ العقل هو، بالمعنى الحرفي للكلمة، حاسوب. إنَّه يثير خيالات تنزيل وتحميل العقول البشرية إلى الحوسبة السحابية، أو إلى عوالم افتراضية، أو إلى أجساد الروبوتات. كل ما نعرفه عن الفسيولوجيا المعقدة والمتطورة للحياة العقلية يمنحنا سببًا كافيًا للتشكيك في هذه الأوهام.

  • ترجمة: رجاء الغيثي
  • تدقيق لغوي: سارة ابو جلبان
  • المصادر: 1