
من يقرر من يحصل على العلاجات الطبية التجريبية؟
بالنسبة لكثير من المرضى، فإن السعي للوصول إلى علاج لم تثبت فعاليته بعد قد يكون الفرصة الأخيرة للنجاة. وبالنسبة لهم، فإن المجازفة تستحق.
كان “ماكس” لا يزال طفلًا صغيرًا حين لاحظ والداه شيئًا مختلفًا في طريقة حركته. بدا أبطأ من أقرانه، لم يستطع القفز، وكان الجري بالنسبة له حلمًا بعيدًا. كشفت تحاليل الدم احتمال إصابته بمرض وراثي يمسّ أحد البروتينات الأساسية في العضلات.
يقول والده، تاو وانغ، الباحث في منظمة تهتم بالتغير المناخي، إنه وزوجته لم يستوعبا الأمر في البداية. استغرقهم شهورًا قبل أن يخضعوا ماكس لاختبار جيني أكّد أسوأ مخاوفهم: لقد أُصيب بضمور العضلات الدوشيني.
هذا المرض النادر يستهدف الذكور في سن الطفولة. هو مرض تقدمي، يفقد فيه المريض قدرته العضلية تدريجيًا. لا علاج له. أغلب المصابين يحتاجون إلى كرسي متحرك قبل بلوغهم العشرين، ونادرًا ما يتجاوزون الثلاثين.
يقول وانغ إن تشخيص ابنه ضربه وزوجته “كإعصار”. لكن الأمل تسلل من جديد حين أشار أحد الأطباء إلى تجربة سريرية كان ماكس مؤهلًا للمشاركة فيها. التجربة كانت لعلاج جيني تجريبي يهدف إلى تعويض البروتين المفقود بنسخة مصممة قد تساعد في إبطاء التدهور أو حتى عكسه. لم يتردد وانغ: “كنا مستعدين لتجربة أي شيء يمنحنا بصيص أمل”.
مضى على ذلك أكثر من عامين. واليوم، ماكس طفل نشيط في الثامنة. يركض، يقفز، يصعد الدرج بسهولة، بل يستمتع بالتنزه سيرًا على الأقدام. يقول والده: “إنه طفل مختلف تمامًا”.
العلاج الذي تلقاه ماكس خضع مؤخرًا لعملية تقييم من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ضمن آلية “الموافقة المعجلة”، وهي آلية مخصصة للأدوية الموجهة لأمراض خطيرة لا يتوفر لها علاج، وتتطلب بيانات أقل من التجارب السريرية التقليدية.
لكن تلك الموافقة لا تعني دائمًا الفعالية. فالعقار الذي تلقاه ماكس فشل في تجربة سريرية عشوائية: لم يكن أداؤه أفضل من الدواء الوهمي (Placebo).
ومع ذلك، فإن العديد من المصابين وعائلاتهم يطالبون بالحصول عليه. خلال اجتماع للجنة استشارية في FDA في مايو، توسّل عدد من الآباء للموافقة على الدواء قبل صدور نتائج تجربة جديدة. وبالفعل، في 22 يونيو، منحت الإدارة موافقة مشروطة للعقار، ولكن فقط للأطفال الذكور في سن الرابعة والخامسة.
حين تتفوق القصة على الدليل
بين عامي 2009 و2022، حصلت 48 دواءً لعلاج السرطان على موافقة معجلة لـ66 حالة، لكن تم سحب 15 منها لاحقًا.
هذا ليس العقار الوحيد الذي نال الموافقة رغم ضعف الأدلة. هناك ميل واضح لتخفيض معايير قبول الأدوية الجديدة، مما يسهل على الناس الوصول إلى علاجات قد لا تساعدهم، بل قد تضرهم. أحيانًا، تغلب القصص الشخصية على الأدلة العلمية في صناعة القرار، لنجد أنفسنا أمام أدوية لا تعمل كما ينبغي.
وهنا تُطرح أسئلة ملحة: من يستحق الوصول إلى هذه العلاجات؟ ومن يُقرر ذلك؟ تزداد أهمية هذه الأسئلة في ظل التطور السريع في التكنولوجيا الحيوية. لم نعد نحسن العلاجات فحسب، بل نخلق فئات جديدة بالكامل — مثل التعديلات الجينية والطب الدقيق.
في العام الماضي فقط، خضعت امرأة لعلاج بتقنية CRISPR لتقليل مستويات الكوليسترول عبر تعديل جيناتها. كما زُرع قلب خنزير معدل وراثيًا في مريض يعاني من مرض قلبي حاد. أثار هذا الجدل: هل كان المريض مناسبًا؟ خصوصًا أنه توفي لاحقًا.
بالنسبة لكثيرين، لا سيما في مواجهة أمراض قاتلة، يبدو العلاج التجريبي خيارًا أفضل من الانتظار السلبي. يقول هوكن ميلر، شاب عمره 26 عامًا مصاب بضمور العضلات: “المرض مميت، وبعض الناس يفضلون أن يجربوا شيئًا بدلًا من انتظار الموت.”
توسيع الوصول… أم حماية الأرواح؟
المعضلة واضحة: كيف نوازن بين حماية الناس من آثار علاج غير معروف وتمكينهم من فرصة ربما تكون الأخيرة؟ العقار قد يكون المنقذ… أو قد يكون خيبة أمل، وربما كارثة. والأسوأ، أن فشل تجربة واحدة قد يدفع المستثمرين بعيدًا، مما يعرقل التقدم العلمي بالكامل.
في الولايات المتحدة، تُدار أغلب حالات الوصول للعلاجات التجريبية من خلال إدارة الغذاء والدواء. منذ الستينيات، فرضت الإدارة على الشركات إثبات فعالية الأدوية وموازنة المنافع مقابل المخاطر، مما حدّ من إمكانية الحصول على أدوية بناءً على الأمل فقط.
لكن حين يكون التشخيص صادمًا، يتغير كل شيء. ظهرت مطالب متزايدة من المرضى الميؤوس من شفائهم تطالب بالحصول على العلاجات غير المعتمدة.
في عام 1979، رفع مجموعة من المصابين بالسرطان دعوى قانونية للحصول على علاج تجريبي. المحكمة سمحت لأحدهم بشراء الدواء، لكنها أوضحت أن خطورة المرض لا تعني تجاوز مبدأ “السلامة والفعالية”. وأكدت المحكمة العليا لاحقًا هذا القرار.
البدائل المتاحة للوصول إلى العلاجات:
التجارب السريرية: المشاركة في التجارب هي الطريقة الأكثر وضوحًا، لكنها ليست متاحة للجميع بسبب معايير السن أو الموقع الجغرافي أو الحالة الصحية.
برنامج “الوصول الموسّع” (Expanded Access): يُعرف أيضًا بـ”الاستخدام الرحيم”، حيث توافق FDA على معظم الطلبات، لكن القرار النهائي بيد الشركة المصنعة، التي يمكنها منح الدواء مجانًا، أو بيعه دون ربح، أو الرفض تمامًا.
قانون “الحق في المحاولة” (Right to Try Act): أُقر في 2018 لتجاوز FDA، لكنه لا يلزم الشركات بتقديم العلاج. ورغم ذلك، فهو يفتح بابًا قانونيًا جديدًا للمرضى الباحثين عن فرصة.
عندما يُرفض مريض عبر هذه القنوات، قد يتحول الخبر إلى قضية رأي عام. تقول أليسون باتيمان-هاوس، الباحثة في أخلاقيات الطب: “غالبًا ما تتكرر نفس القصة: مريض في حاجة، ونظام معقد، وقرار مؤلم.”
ترجمة : لبنى طريش
- ترجمة: لبنى طريش
- المصادر: 1