لماذا تستطيع خفافيش الفاكهة تناول أطنان من السكر دون أن تُصاب بالدّاء السُّكري؟!

تأكل بعض خفافيش الفاكهة يوميًا ما يصل إلى ضعف وزنها من المانجو السُّكري أو الموز أو التين ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، بل لتنمو أيضًا. تملك هذه الثدييات الطائرة رغبة دائمة لتناول الحلويات دون أن يُسبب لها هذا بعض التأثيرات السلبية على صحتها كالإصابة بالدّاء السُّكري على عكس البشر.

وجدت دراسة نشرت في 9 يناير/كانون الثاني في مجلة Nature Communications أن التَكيُّف الجيني قد ساعد على عدم إصابتها بالأذى من نظامها الغذائي السُّكري. وقد يكون لهذه الدراسة تأثيرًا مستقبليًا على علاج الداء السُّكري، الذي يؤثر على ما يقدر بنحو 38 مليون أمريكي، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). كما يُعتبر السبب الرئيسي الثامن للوفاة في الولايات المتحدة ومُسببًا أساسيًا للفشل الكلوي وبتر الأطراف السفلية والعمى لدى البالغين.

وقال نداف أهيتوف، المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الوراثة من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: “في حالة الإصابة بالدّاء السُّكري لا يستطيع جسم الإنسان إنتاج أو استخدام الإنسولين، مما يؤدي إلى مشاكل في ضبط نسبة السكر في الدم. لكن تملك خفافيش الفاكهة نظامًا وراثيًا يتحكم في نسبة السكر في الدم دون فشل. ونوّد أن نتعلم من هذا النظام كي نُصنّع الإنسولين بشكل أفضل أو نزيد حساسية الجسم له لدى المرضى”.

خفافيش الفاكهة مقابل خفافيش الحشرات

تستيقظ خفافيش الفاكهة كل يوم بعد حوالي 20 ساعة من النوم وتتغذى على الفاكهة قبل أن تأوي إلى كهوفها أو أشجارها أو الهياكل التي بناها الإنسان. ومن أجل معرفة كيف يمكن لخفافيش الفاكهة تناول الكثير من السكر والنمو، ركز الفريق في هذه الدراسة على كيفية تطور البنكرياس والكلى لديها. فالبنكرياس هو عضو موجود في البطن يضبط نسبة السكر في الدم. لقد قارن الباحثون بين خفاش الفاكهة الجامايكي وخفاش آكل للحشرات يسمى الخفاش البني الكبير. وحللوا التعبير الجيني -أيّ الجينات تم تشغيلها أو إيقاف تشغيلها- وتسلسلات الحمض النووي التنظيمية التي تتحكم بالتعبير الجيني. حيث قاس الفريق كُلًّا من التعبير الجيني والحمض النووي التنظيمي الموجود في خلايا فردية. تُظهر هذه القياسات أنواع الخلايا التي تشكل أعضاء الخفافيش بشكل أساسي، وكذلك كيف تنظم هذه الخلايا التعبير الجيني الذي يتحكم في نظامها الغذائي. ووجدوا أن تركيبة البنكرياس والكلى في خفافيش الفاكهة قد تطورت لتلائم نظامها الغذائي السُّكري. فهو أي البنكرياس يحتوي على عدد أكبر من الخلايا المنتجة للإنسولين، الهرمون الأساسي المسؤول عن خفض نسبة السكر في الدم. كما يحتوي على المزيد من الخلايا التي تنتج هرمونًا آخر ينظم السكر يسمى الجلوكاجون. كما تملك كلى خفافيش الفاكهة عددًا أكبر من الخلايا التي تحتجز الكميات القليلة من الأملاح والكهارل خلال تصفية الدم.

التغيرات في الحمض النووي

من خلال إلقاء نظرة فاحصة على علم الوراثة، وجد الفريق أن الحمض النووي التنظيمي في تلك الخلايا قد تطور لتشغيل أو إيقاف الجينات المناسبة لاستقلاب الفاكهة. أما الخفافيش البنية الكبيرة الآكلة للحشرات فكانت تمتلك المزيد من الخلايا التي تفكك البروتين وتحافظ على الماء، كما ضُبط التعبير الجيني في هذه الخلايا للتعامل مع نظام غذائي من الحشرات.

وقال وي جوردون، المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الأحياء في كلية Menlo، في بيان: “كان تنظيم الحمض النووي حول جينات الأنسولين والجلوكاجون مختلفًا بشكل واضح جدًا بين نوعي الخفافيش. لقد اُعتبر الحمض النووي الموجود حول الجينات سابقًا” غير مهم “، لكن تُظهر بياناتنا أن هذا الحمض النووي التنظيمي قد يساعد خفافيش الفاكهة على التعامل مع الزيادة أو النقصان المفاجئ في سكر الدم”.

وبينما تشبه بيولوجيا خفافيش الفاكهة ما هو موجود لدى البشر المصابين بالداء السُّكري، إلّا أنها لا تعاني من التأثيرات الصحية ذاتها.

وقال جوردون: “تجعل التغييرات الصغيرة حتى لو في حرف واحد من الحمض النووي هذا النظام الغذائي فعالًا لدى خفافيش الفاكهة. ويجب علينا فهم عملية الاستقلاب الغذائي للكميات المرتفعة من السكر مثل هذا، من أجل مساعدة واحد من كل ثلاثة أمريكيين في مرحلة ماقبل السُّكري”.

دراسة الخفافيش من أجل صحة الإنسان

تعد الخفافيش واحدة من أكثر عائلات الثدييات تنوعًا، ويعتبر بعض العلماء كل شيء بدءًا من أجهزتها المناعية وحتى الأنظمة الغذائية الخاصة جدًا بمثابة أمثلة على الانتصار التطوري. هذه الدراسة هي واحدة من الأمثلة الحديثة على كيفية تأثير دراسة الخفافيش على صحة الإنسان، بما في ذلك أبحاث السرطان والوقاية من الفيروسات.

ومن أجل هذه الدراسة، سافر جوردون وأهيتوف إلى مدينة Belize للمشاركة في مؤتمر Bat-a-thon السنوي، حيث درسوا الخفافيش البرية والعينات الميدانية. كما استخدموا أحد خفافيش الفاكهة الجامايكية التي اصطادوها في Bat-a-thon لدراسة استقلاب السكر.

وقال أهيتوف: “بالنسبة لي، الخفافيش مثل الأبطال الخارقين، كل واحد منهم لديه قوة خارقة مذهلة، سواءً كانت تحديد الموقع بالصدى أو الطيران أو امتصاص الدم دون تخثره أو تناول الفاكهة وعدم الإصابة بالداء السُّكري. هذا النوع من العمل هو البداية فقط”.

  • ترجمة: عهد محروقة
  • المصادر: 1