روبوت مساعد في الجراحة المجهرية في متناول الجميع

تُشير الجراحة المجهرية إلى العمليات الجراحية التي تُجرى على أنسجة بشرية دقيقة باستخدام مجهر جراحي وأدوات أخرى. وتتطلب هذه العمليات مهارة عالية، ولا يُمكن إجراؤها إلا من قِبل عدد محدود من الأطباء والمرافق. ورغبةً منها في جعل هذه الجراحة المتقدمة في متناول كلٍّ من القائمين على العلاج والمحتاجين إليه، تُطوّر شركة سوني أبحاثًا ونماذجًا لتكنولوجيا روبوت المساعدة الجراحية.

يتكون نظام الروبوت بشكل أساسي من وحدة تحكّم على سطح طاولة يُشغّلها الجرّاح، وروبوت يُجري العمليات الجراحية على المريض. إذ تُحاكي حركات يدي الجراح على وحدة التحكم بمقياس مُصغّر يتراوح بين نصف و1/10 في طرف أداة الجراحة الخاصة بذراع الروبوت. وتُمكّن تقنية تحجيم الحركة هذه الجراحين من إجراء عمليات دقيقة تتجاوز قدراتهم البدنية المحدودة. لقد صُمّم النظام للاستخدام في مختلف المرافق والحالات الجراحية، كما صُمّمت وحدة التحكم والروبوت بأصغر حجم ممكن.

الاستفادة من براعة أصابع الجراح

تتضمن الجراحة المجهرية مزيجًا من حركات دقيقة للغاية، مثل إدخال الإبر في الأوعية الدموية الدقيقة، وحركات أكبر نسبيًا مثل سحب الخيوط. وقد أُثيرت مخاوف من أن تقنية قياس الحركة، وهي ميزة من ميزات تقنية روبوت المساعدة الجراحية هذه، تُبسّط الحركات الدقيقة للغاية، إلا أنها قد تُقلّل من كفاءة الحركات الأكبر نسبيًا.

ولمعالجة هذه المخاوف، طوّرت سوني جهاز تحكم صغير وخفيف الوزن يُمكن التحكم به بأطراف الأصابع بطريقة مُشابهة للأدوات الجراحية التقليدية. ومن خلال الاستفادة القصوى من إمكانيات أطراف أصابع الإنسان، يمكن إجراء عمليات جراحية فائقة الدقة دون الحاجة إلى زيادة كبيرة في نطاق الحركة. تهدف هذه التقنيات إلى تمكين الجراحين من أداء مهام متنوعة براحة تامة وفي وضعية مستقرة مع وضع أيديهم على مسند اليد.

تشغيل سلس وبديهي من بُعد

في حين أن تدخّل الروبوتات بين الجراحين والمرضى يُمكّن من حركات أدق، إلا أنه قد يؤدي أيضًا إلى تأخّر أو ارتعاش في حركات الأدوات، مما يقلّل من سهولة استخدام الجراحة بمساعدة الروبوت ويُعقّد الإجراءات.

ولمواجهة هذه التحديات، استُبدِلَت جميع مفاصل ذراع الروبوت، من مفاصل الكتفين والمرفقين إلى مفاصل المعصم فائقة الصغر عند طرف الأداة، بمفاصل منخفضة الاحتكاك، مما يضمن حركات سلسة وخالية من الارتعاش. بالإضافة إلى ذلك، يُحسّن نظام تحكم كهربائي مُركّز على زمن انتقال منخفض ونظام ميكانيكي مُركّز على خفة الوزن من استجابة حركات الروبوت. إذ تؤدي هذه الإجراءات إلى حركات سلسة وبطيئة لطرف الأداة، مما يوفر تجربة تشغيل من بُعد سهلة الاستخدام تقلّل من الشعور بتدخل الروبوت.

وظيفة فريدة لتبادل الأدوات تلقائيًا

تتضمن العمليات الجراحية مراحل مختلفة، ويتطلب كل منها أدوات محددة. على سبيل المثال، تُستخدم الملاقط لإمساك الأنسجة، بينما تُستخدم المقصات لقص الخيوط. في العمليات الجراحية الفعلية، يتبادل الجرّاحون والمساعدون هذه الأدوات بسرعة عدة مرات أثناء تلك الإجراءات.

واستنادًا إلى سلاسة سير العمل في مثل هذه البيئات الطبية، طوّرت سوني وظيفة تبادل أدوات تلقائية. إذ تعمل هذه التقنية على أتمتة تبادل الأدوات الذي تقوم به الأيدي البشرية في روبوتات المساعدة الجراحية التقليدية، مما يسمح بتبادلات أكثر استقرارًا وسرعةً. وعلى وجه التحديد، صُغّر حجم الأداة بالكامل، مع آلية مصمّمة لتخزين أدوات متعددة بالقرب من ذراعي الروبوت. إذ يتيح ذلك الأمر تبادل الأدوات بكفاءة وضمن حركات صغيرة من أي من ذراعي الروبوت دون مقاطعة الجراحة للتدخل اليدوي. تهدف هذه الوظيفة إلى تجنب الانقطاعات المؤقتة عند تغيير الأدوات الروبوتية، مما يجعل المساعدة الجراحية الروبوتية أكثر سلاسة.

تصوير عالي الدقة بدقة 4 K

تُعدّ المشاهدة المجسّمة المكبّرة للأنسجة الدقيقة ضروريةً للجراحة المجهرية. لذا، جُهّز النموذج الأولي بشاشات OLED صغيرة بدقة 4 K من النوع 1.3، من تطوير شركة Sony Semiconductor Solutions Corporation، مما يُتيح للمُشغّلين عرض صور عالية الدقة للمنطقة المُصابة وحركة الأدوات الجراحية. وبفضل دقة إعادة إنتاج الألوان والملمس والعمق، يهدف النموذج الأولي إلى توفير دعم بصري للإجراءات الجراحية المجهرية.

تجربة إثبات المفهوم

في شباط/فبراير 2024، أُجريت تجارب باستخدام هذا النموذج الأولي في جامعة آيتشي الطبية، إذ نجح أطباء وطاقم طبي غير متخصّص في الجراحة المجهرية في توصيل أوعية دموية لحيوانات (يبلغ قطرها نحو0.6 مم) في مجال الجراحة المجهرية الفائقة. وتُعدّ هذه أول حالة ناجحة في العالم لتوصيل أوعية دموية في مجال الجراحة المجهرية الفائقة باستخدام روبوت مساعد جراحي قادر على التبديل التلقائي للأدوات.

في المستقبل، تخطط سوني للتعاون مع الأقسام الطبية الجامعية والمؤسسات الطبية لمواصلة تطوير تقنية المساعدة الجراحية الروبوتية والتحقق من فعاليتها. وتواصل الشركة جهودها في البحث والتطوير، وتهدف إلى المساعدة في حل المشكلات في المجال الطبي والمساهمة في تطوير الطب من خلال توفير التقنيات الروبوتية.

شهادات حية على نجاح استخدام الروبوت المساعد في مجال الجراحة المجهرية الفائقة.

البروفيسور مونيكازو نايتو من جامعة آيتشي الطبية، قسم التشريح.

«يتمتع البشر بقدرة فائقة على التنسيق بين الدماغ واليد مقارنةً بالحيوانات الأخرى، مما يسمح لهم بحركات متقنة ودقيقة. وتُعدّ الجراحة المجهرية إحدى المجالات التي تُستغل فيها هذه القدرة على أكمل وجه. ومع ذلك، يستغرق الأمر شهورًا بل سنوات من التدريب المكثف حتى لأمهر الأطباء للتمكّن من هذه التقنية. في هذه الدراسة التعاونية، اختُبِرت تقنية روبوت المساعدة الجراحية من سوني لتقييم قدرتها على تعزيز مهارات جرّاحي المجهر المبتدئين. وقد أظهرت النتائج تحكمًا استثنائيًا في حركات الأطباء عديمي الخبرة، الأمر الذي يُمكّنهم من أداء مهام معقدة ودقيقة بمهارة تُضاهي مهارة الخبراء المخضرمين. آمل أن تُسهم تقنية روبوت المساعدة الجراحية في بناء مستقبل تُمكّن فيه القدرات المُوسّعة للأطباء البشريين من تطوير ممارسات طبية متقدمة».

د. توموهيتو أوكوبو من جامعة آيتشي الطبية، قسم التشريح، جراحة الصدر.

«بصفتي متخصص في جراحة الصدر، أجريتُ بشكل رئيسي جراحات سرطان الرئة. لا تتضمن جراحة سرطان الرئة عادةً مفاغرة الأوعية الدموية الدقيقة أو الأعصاب تحت المجهر. لذلك، أجريتُ مفاغرة دقيقة للأوعية الدموية لأول مرة في هذه التجربة باستخدام روبوت سوني المساعد للجراحة. أول ما شعرتُ به عند تشغيل الروبوت هو أنني تمكّنتُ من مفاغرة الأوعية الدموية الدقيقة بالإحساس نفسه الذي أشعر به عند مفاغرة الأوعية الدموية الكبيرة يدويًا. وبعد مشاركة هذه التجربة مع جراحي ميكروسكوب مبتدئين آخرين ومنحهم فرصة تجربة العملية، حققوا نجاحًا مماثلًا في مفاغرة الأوعية الدموية الدقيقة بمساعدة الروبوت. لقد جعلتني رؤية كل ذلك بنفسي مقتنعًا بأن تقنية روبوت المساعدة الجراحية هذه ستساهم في زيادة انتشار الجراحة الدقيقة في المستقبل».

  • ترجمة: احمد نزار ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1