
هل يسبب استخدام ChatGPT الادمان كالمخدرات؟
تُشْبِهُ الاستعانةُ ببرنامج ChatGPT للكتابةِ ارتداء زوجين من أحذية الكعب العالي. ذلك لأنه- كما يقول طالب دراساتٍ عُليا من الصين: “يجعلُ كتابتي تبدو أنيقةً وراقية، ولو أنني أتعثر وأسقط في العالم الأكاديمي بين حين وآخر”.
طَرَحَ مُشارِكٌ هذه المقارنة في دراسةٍ أخيرةٍ عن الطلّاب الذين تبنّوا استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالهم. طلب الباحثون من طلاب دوليين ممن يُكمِلون الدراسات العليا في المملكة المتحدة، توضيح دور الذكاء الاصطناعي في كتاباتهم باستخدام استعارة لغوية.
لم تخلو الإجاباتُ من الإبداعِ والتنوّع، إذ قيلَ أنَّ الذكاءَ الاصطناعيّ سفينةٌ فضائيةٌ أو مرآةٌ أو عقارٌ مُحَفِزٌ للأداء أو سيارةٌ ذاتيةُ القيادةِ أو مُستَحضَرُ تجميلٍ أو جسرٌ أو وجبةٌ سريعةٌ. كما قارن شخصان الذكاء الاصطناعي التوليدي بالرجل العنكبوت، وغيرهم قارنه بخريطة مارودرز السحرية من فيلم Harry Potter. وتكشف هذه المقارنات كيف يشعر مستخدمو هذه التقنيات بتأثيرها في أعمالهم، خلال الوقت الذي تُكافِحُ فيهِ المُنشآتُ التعليميةُ للفصل بين الاستخدامات الأخلاقية وغير الأخلاقية.
– ويقولُ تسين-هسي لين، المؤلّفُ الرئيسي للدراسةِ والباحثُ في تقنياتِ التعليمِ في جامعة هونغ كونغ: “غَيَّرَ الذكاءُ الاصطناعيُ التوليدي التعليم بشكلٍ كبيرٍ.” ويُضيفُ: “نُريدُ أَنْ يكون الطلابُ قادرين على التعبيرِ عن أفكارهم حول استخدامِه وشعورهم تجاهه”.
وَظَّفَ لين وزملاؤه طلابَ دراساتٍ عليا من 14 بلدًا، مثل الصين وباكستان وفرنسا ونيجيريا والولايات المتحدة الأمريكية، ممن يدرسون في المملكة المتحدة ويستخدمون ChatGPT-4 في عملهم، والذي كان متاحًا للذين يَدفعونَ ثَمَنَ الاشتراكِ بهِ في ذاك الوقت. وطُلِبَ من الطلاب ابتكار وشرح استعارةٍ تُعَبّرُ عن الطريقةِ التي يؤثّر بها الذكاء الاصطناعي التوليدي في كتاباتهم الأكاديمية، ليكتشفوا أن 227 من الاستعارات التي تضمنتها إجاباتُ المشاركين، كانت مطابقةً لاستخدامهم الحقيقي لهذه التقنية. كما أجرى الباحثون مقابلاتٍ متعمّقةً مع 24 طالبًا، وطلبوا منهم تقديم صور لتفاعلاتهم مع الذكاء الاصطناعي.
وعند تحليلِ الإجابات، صنَّفَ الباحثون طُرُقَ استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي في عملهم وآراءهم به، في أربعِ فئاتٍ، وكان أبسطَ هذه الفئات الدعم التقني، أي استخدام الذكاء الاصطناعي في التأكّد من صِحَةِ قواعدِ اللُغَةِ الإنكليزية أو تنسيقِ قائمةِ مراجِعَ.
شبَّهَ المشاركون الذكاءَ الاصطناعيَ بالمحسناتِ الجماليةِ مِثلَ مساحيق التجميل أو أحذية الكعب العالي، والبعضُ الآخرُ مَنَحَهُ دورًا بشريًا كمدرّسِ لُغةٍ أو مُحرر، وآخرون شبهوه بأداةٍ ميكانيكيةٍ مثل آلة تغليفٍ أو شريطِ قياس.
– أما الفئة الثانية، فتأتي بعنوان، تطوير النص، بمعنى مشاركة الذكاء الاصطناعي التوليدي في عمليةِ الكتابةِ بحدّ ذاتها. إذ استخدَمَهُ بعضُ الطلابِ في تنظيمِ الترتيبِ المنطقي للكتابة، وأحدُ الطلاب ساواه بروبوتِ تسلا للقيادة الآلية لأنَّهُ ساعدهم في البقاء على الدرب الصحيح. في حين استخدمه آخرون لمساعدتهم في المراجعات الأدبية وشبَّهوه بالمساعد -وهو استعارة تستخدم في التسويق للذكاء الاصطناعي- أو متسوقٌ بشري. غالبًا ما استخدم الطلاب الذين استعانوا بروبوت المحادثة للعصف الذهني استعاراتٍ تصف التقنية كدليل، لذا أطلقوا عليه لقب البوصلة أو الرفيق أو سائق الحافلة أو خريطة سحرية.
– أما بالنسبةِ للفئةِ الثالثةِ، فقد استخدمَ الطلابُ الذكاءَ الاصطناعي لإحداثِ تحولٍ أكثرَ عُمقًا ومعنى في عملية الكتابة والنتيجة النهائية لها. أطلقَ الطلابُ في هذه الفئةِ تسمياتٍ مثل الجسر أو الأستاذ الذي يُساعدهم على تخطي الحدودِ الثقافيةِ في أساليبِ التواصلِ- وهو أمر مهم بشكل خاص لأن الكتابة الأكاديمية تتم في كثير من الأحيان باللغة الإنجليزية. ووَصَفَ ثمانيةُ طلابٍ الذكاءَ الاصطناعي بقارئِ الأفكارِ، فقد قالَ أحدُ المشاركين موضحًا السبب: “لأنه يُساعدُ في التعبيرِ عن تلك المفاهيم الدقيقة للغاية والتي يَصعُب التعبيرُ عَنها”.
وقال طلابٌ آخرون أنَّ الذكاءَ الاصطناعي ساعدَهُم على فَهمِ تلك الأفكارِ الصعبةِ، خصوصًا من خلال الاستفادة من تخصصاتٍ مختلفةٍ. كما شبَّههُ ثلاثُ طلابٍ بالسفينةِ الفضائيةِ واثنان آخران شبهوهُ بالرجلِ العنكبوتِ لأنَّه، على حدّ قولِهم: “يُمكِنُهُ التنقّلُ بسرعةٍ عبر المعلومات الأكاديمية المعقدة مختلفة الاختصاصات والموجودة على الإنترنت”.
– تضمَّنت الفئةُ الرابعةُ استعاراتٍ تُسلّطُ الضوءَ على المخاطرِ المحتملةِ للذكاءِ الاصطناعي، إذْ عَبَّرَ بعضُ الطلابِ عن شعورٍ بعدم الراحةِ للطريقةِ التي يفتقر الذكاء الاصطناعي فيها إلى الابتكار، كالرسام الذي ينسخُ لوحات رسامٍ آخر، والافتقارُ للفهم العميق، مثل الوجبات السريعة، المتاحة لكنها تفتقر إلى القيم الغذائية. وشاع في هذه الفئة استخدام الطلاب لكلمة عقار، وبالأخص النوع الذي يُسببُ الإدمان، في وصفِ تقنيةِ الذكاءِ الاصطناعي. وشبَّهَت إحدى الإجابات، والتي كانت معبرةً بشكلٍ خاصٍ الذكاء الاصطناعي بالمُنشطات المُستخدمة في الرياضة، قائلًا: “في البيئةِ التنافسيةِ التي نعيشُ فيها، لا يريدُ أحدٌ التخلُّفَ بسببِ عدمِ استخدامِهِ لهذهِ التقنية”.
– تقول إميلي وينشتاين، الباحثة في مجال علوم التكنولوجيا في مركز التطوير الرقمي التابع لجماعة هارفارد والتي لم تشارك في الدراسة: “الاستعارات مهمة جدًا، وقد شكلت الخطاب العام لجميع أنواع التقنيات الحديثة”. تُوضّحُ المقارناتُ التي استخدمناها لوصفِ التقنيات الحديثة، فرضياتنا لطريقة عملها -وحتى النقاط المجهولة بالنسبة لنا. وتُضيفُ إميلي: “هناك مخاطرُ واضحةٌ في الاستعارات المستخدمة” فمثلًا، أنظمة مساعدة السائق تسبب الحوادث، وقارئو الأفكار والخرائط السحرية الموجودة في العالم الخيالي لا يمكن للعلم تفسيرها لذا لا يمكن الثقة بها فحسب، وأحذية الكعب العالي كما نوَّه المشاركون في الدراسة قد تسقطك سقطة محرجة.
وتُكمل وينشتاين قائلةً، لا يوجدُ استعارةٌ واحدةٌ بإمكانها وصفُ التقنيةِ الحديثةِ فمثلًا، الاستعارات التي شبّهتها بالمخدرات والسجائر شائعةٌ جدًا عندما يتحدث الناس عن وسائل التواصل الاجتماعي، وهي مناسبة في بعض النواحي. أي يمكن لتطبيقات مثل TikTok و Instagram أن تسبِبَ الإدمان بشكل عام، وغالبًا ما تستهدف المراهقين. ولكن عندما نحاول استعمال استعارة واحدة فقط لوصف التقنية الحديثة، نخاطر حينها بإغفال جوهرها وعدم إدراك كل من فوائدها وأضرارها.
وقالت: “إذا كان تصورك لوسائل التواصل الاجتماعي هو أنها كوكايين، سيكون من الصعب لنا النقاش حول الاستخدام المعتدل مثلًا”.
من الناحية الثقافية، لا تزال تصوراتنا للذكاء الاصطناعي التوليدي محدودة. وتقول إميلي: “تكمن المشكلة الآن في أننا نفتقر إلى الطرق للتحدث عن التفاصيل، إذ يوجد الكثير من الذعر الأخلاقي وردود الأفعال، ولكني أعتقد أن الكثير من الأشياء التي تسبب لنا ذلك الذعر وردود الأفعال العاطفية، هي السبب في عدم امتلاكنا اللغة أو الأسلوب للتحدث عنها بشكل خاص أكثر” عما نريده من هذه التقنية.
– سيتطلب صوغ هذه اللغة الجديدة الاستماع الجيد والمناقشات في الفصل الدراسي- ربما حتى على أساس كل مهمة على حدة، إذ يساعد هذا على تخفيف العبء عن الأساتذة في فهم كل استخدام محتمل للذكاء الاصطناعي، والتأكد من أن الطلاب لا يعيشون حالة من عدم الوضوح والفهم. وقد يسمح الأساتذة والمرشدون باستخدام الذكاء الاصطناعي في بعض المهام كدليل للعصف الذهني أو مساعدتهم في تصفح شبكة الإنترنت بحثًا عن المعلومات. وتقول وينشتاين: “تختلف الأهداف التعليمية باختلاف المهام والسياق، وأحيانًا قد لا يكون هدفك في الواقع متعارضًا مع استخدام تحويلي أكثر”.
- ترجمة: علي العدي
- المصادر: 1