
يبحث الأطفال عن هذا الدليل لتمييز من قد يثقون به من البالغين
وفقًا لدراسة أجريت حديثًا، فإن مشاركة الطعام وتبادل القبل من الإشارات التي يستخدمها الأطفال لترجمة عالمهم الاجتماعي
يعد تعلم التعامل مع العلاقات الاجتماعية مهارة عسيرة للنجاة في المجتمعات الإنسانية، وهذا يعني بالنسبة للأطفال الرضع والصغار أن عليهم الإلمام بمن يمكنهم الاعتماد عليهم للاعتناء بهم.
حدد علماء الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) إشارة معينة يستخدمها الأطفال الصغار وحتى الرضع لتحديد ما إذا كان بين شخصين علاقة قوية والتزام متبادل لمساعدة بعضهما البعض: سواء كانا يتبادلان القبل، يتشاركان الطعام، أو بينهما تواصل آخر يتضمن مشاركة الرضاب.
كشف الباحثون في دراسة حديثة أن الأطفال يتوقعون من الناس الذين يتشاركون الرضاب أن يساعدوا بعضهم البعض حين يقع أحدهم في ضائقة، وعلى نحو أكثر بكثير مما يحصل عند مشاركة الألعاب أو التواصل بطرق أخرى لا تتضمن تبادل الرضاب، وتقترح الاستنتاجات، بحسب الباحثين، أن الأطفال يستخدمون هذه الإشارات لاكتشاف من حولهم من هو الأكثر احتمالًا لتقديم المساعدة.
تقول ريبيكا ساكس، أستاذة جون و. جارفي في علوم الدماغ والعلوم المعرفية، عضو معهد ماكجفرن التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لأبحاث الدماغ، والمركز لأمراض الدماغ والعقول والمكائن (CBMM)، والمؤلفة الرئيسية للدراسة الحديثة: “لا يعلم الأطفال مسبقًا أي العلاقات مقربة وأيها ذات التزام أخلاقي، لذلك يجب عليهم تعلم ذلك بملاحظة ما يحدث حولهم”.
أشلي توماس، الباحثة لما بعد الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعضوة في CBMM، هي المؤلفة الرئيسية للدراسة التي نُشرت اليوم في مجلة “علوم”. ويشارك في التأليف براندون وو، طالب تخرج من جامعة هارفارد، دانيال نيتل، أستاذ العلوم السلوكية في جامعة نيوكاسل، وإليزابيث سبيكل، أستاذة علم النفس في جامعة هارفارد وعضوة في CBMM.
مشاركة الرضاب
في المجتمعات البشرية، يميز الناس عادة بين العلاقات “المتينة” و”الضعيفة”. العلاقات المتينة، التي تكون عادة بين أفراد العائلة، تتسم بدرجات كبيرة من الترابط والالتزام والإحساس المتبادل. لاحظ علماء الأنثروبولوجيا أيضًا أن الأشخاص في علاقات متينة أكثر استعدادًا لمشاركة السوائل الجسدية مثل الرضاب.
يقول توماس: “ألهمنا هذا لطرح سؤالين: هل يستطيع الأطفال الرضع التمييز بين هذه الأنواع من العلاقات، وهل قد تكون مشاركة الرضاب إشارة جيدة يمكنهم استخدامها للإدراك”.
درس الباحثون الأطفال الرضع الذين تتراوح أعمارهم بين 16.5 إلى 18.5 شهرًا والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8.5 إلى 10 أشهر، وراقبوا ردود أفعالهم أثناء مشاهدة تفاعلات بين ممثلين ودمى متحركة. في التجربة الأولى، شاركت دمية برتقالة مع أحد الممثلين، ثم رمى الممثل كرة ذهابًا وإيابًا مع ممثل آخر.
لاحظ الباحثون أن الأطفال كانوا أكثر احتمالًا للنظر نحو الممثل الذي شارك الطعام مع الدمية، لا الذي شارك اللعبة، خاصة عندما أبدت الدمية علامات الضيق أثناء جلوسها بين الممثلين.
في الجزء الثاني من التجربة، الذي ركز أكثر على الرضاب، وضعت الممثلة أصبعها في فمها ثم في فم الدمية، أو على جبينها ثم على جبين الدمية. لاحقًا، عندما أظهرت الممثلة تعبيرًا عن الضيق وهي تقف بين دميتين، كان الأطفال الذين شاهدوا الفيديو أكثر احتمالًا للنظر إلى الدمية التي شاركت معها الرضاب.
الإشارات الاجتماعية
تشير النتائج إلى أن مشاركة الرضاب هي إشارة مهمة تساعد الأطفال الرضع على التعلم عن علاقاتهم الاجتماعية وعلاقات من حولهم، بحسب الباحثين.
يقول توماس: “المهارة العامة في تعلم العلاقات الاجتماعية مفيدة جدًا. السبب الذي قد يجعل التمييز بين العلاقات المتينة وغير المتينة مهمًا خصوصًا للأطفال الرضع، الذين يعتمدون على البالغين لفترة أطول مقارنة بمعظم الكائنات الأخرى، هو أنها طريقة جيدة لمعرفة من يستطيع تزويدهم بالدعم الذي يعتمدون عليه للبقاء”.
أُجريت المجموعة الأولى من الدراسات قبل بدء إجراءات الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، مع أطفال حضروا المختبر مع عائلاتهم. وأُجريت التجارب التالية عبر تطبيق “زووم”. وأظهرت النتائج تشابهًا قبل وبعد الجائحة، ما يؤكد أن المخاوف الصحية المرتبطة بالجائحة لم تؤثر في النتائج.
تقول ساكس: “نعلم أن النتائج كانت لتكون مشابهة لولا الجائحة. قد تتساءل، هل بدأ الأطفال يفكرون بشكل مختلف حول مشاركة الرضاب عندما أصبح الحديث عن النظافة متكررًا؟ لذا فإن امتلاكنا بيانات قبل الجائحة مفيد جدًا”.
أتاح إجراء الجزء الثاني من الدراسات عبر “زووم” للباحثين استقطاب مجموعة أكثر تنوعًا من الأطفال، لأن المشاركين لم يكونوا محدودين بالعائلات القادرة على الحضور شخصيًا إلى المختبر في كامبريدج خلال ساعات العمل.
يتطلع الباحثون في المستقبل إلى إجراء دراسات مماثلة مع الأطفال الرضع في ثقافات ذات بنى أسرية مختلفة. بالنسبة للبالغين، يخططون لاستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لدراسة أجزاء الدماغ المشاركة في تقييم العلاقات الاجتماعية المبنية على الرضاب.
علمًا أن هذا البحث موَّله المعهد الوطني للصحة، ومؤسسة باتريك جوزيف ماكغفرن، ومؤسسة غوغنهايم، وزمالة دكتوراه من مجلس البحوث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومركز معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للأدمغة والآلات، ومؤسسة سيغل.
- ترجمة: ابرار سعد
- المصادر: 1