
من أسطورة إسحاق أسيموف إلى روبوتات بـ16 ألف دولار: كيف غزت الآلات عالم البشر؟
12 لحظة محوريّة في تاريخ الرّوبوتات، من إسحاق أسيموف إلى السّيّارات ذاتيّة القيادة
من قوانين الرّوبوتات الثّلاث لإسحاق أسيموف إلى الآلات ثنائيّة الأرجل التي يمكنك شراؤها اليوم، إليك 12 معلمًا مهمًا في تطوير الرّوبوتات.
لقد أسرت قلّة من التّقنيّات خيال الإنسان كما فعلت الرّوبوتات. إنّ فكرة الآلات التي تستطيع المشي والتّحدّث مثلنا كانت وما زالت جزءًا أساسيًا من الخيال العلميّ لعقود.
أمّا الواقع فكان أكثر ابتذالًا، إذ أنّ معظم الرّوبوتات الموجودة في العالم الحقيقيّ هي أذرع منفصلة مخصّصة لأعمال المصانع المملّة والمتكرّرة. لكنَّ الإنجازات الحديثة في كلّ من الذّكاء الاصطناعيّ وأجهزة الرّوبوتات تعني أنَّ الرّوبوتات الذّكيّة الشّبيهة بالبشر التي تخيلناها تقترب أكثر فأكثر من الواقع.
منذ العصور القديمة، تخيّل النّاس إمكانيّة وجود بشر اصطناعيين، من تماثيل الطّين في الفولكلور اليهوديّ إلى الخدم الميكانيكيّين للإله اليونانيّ هيفايستوس. كما أنّ التّاريخ مليء بأمثلة على الآلات الآليّة المعقّدة المصمّمة لإبهار الجماهير بحركاتها الشّبيهة بالحياة. لكنّ كلمة “روبوت” قُدِّمَت لأوّل مرّة من قبل الكاتب التّشيكيّ كارل تشابيك في مسرحيّته عام 1921 R.U.R، والتي تعني Rossumovi Univerzální Roboti (روبوتات روسوم العالميّة). المصطلح مشتقّ من الكلمة التّشيكيّة “روبوتا”، والتي تعني العمل القسريّ، وتصوّر المسرحيّة بعمّال اصطناعيّين مصنوعين من مادّة عضويّة صناعيّة يثورون ضدّ أسيادهم من البشر، وهي قصّة تردّد صداها في العديد من الأعمال اللّاحقة.
أصبحت الرّوبوتات موضوعًا شائعًا في الخيال العلميّ، حيث استخدمها المؤلّف الأسطوريّ إسحاق أسيموف بشكل بارز في العديد من قصصه. كان الموضوع الرّئيسيّ لعمله هو كيفيّة تفاعل هؤلاء البشر الاصطناعيّين مع المجتمع البشريّ. في قصّته القصيرة “Runaround” لعام 1942، قدّم القوانين الثّلاث للرّوبوتات، والتي كان من المفترض أن تحكم كيفيّة عمل جميع الرّوبوتات في عالمه الخياليّ. يحظر القانون الأوّل على الرّوبوتات إيذاء البشر، ويفرض القانون الثّاني على الرّوبوتات طاعة البشر ما لم تنتهك القانون الأوّل، ويأمر القانون الثّالث الآلات بحماية نفسها طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الآخرين. على الرّغم من كونها خياليّة تمامًا، إلّا أنّ قوانين أسيموف الثّلاث كانت مؤثّرة على تطوير الأطر الأخلاقيّة للذّكاء الاصطناعيّ والرّوبوتات.
لم تستغرق أفكار الخيال العلميّ وقتًا طويلاً حتّى تنتقل إلى العالم الحقيقيّ. في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ المخترع المتسلسل جورج ديفول العمل على ذراع آليّة يمكنها أداء مهام متكرّرة في المصانع. تعاون مع رجل الأعمال جوزيف إنجيلبرجر لتشكيل Unimation، أوّل شركة روبوتات في العالم، وفي عام 1961 بدأ روبوت Unimate الخاصّ بهم للعمل على خط التّجميع في مصنع جنرال موتورز في نيوجيرسي. كان للذّراع التي تعمل بالطّاقة الهيدروليكيّة خمس درجات من الحريّة (DoF)، وهو مقياس للبراعة يعني أنّ ذراعها يمكن أن تتحرّك أو تدور في خمسة اتّجاهات مختلفة. تطلّبت برمجة الجهاز من المستخدم تحريك الذّراع فعليًا إلى أوضاع مختلفة لتعليمه التّسلسل المطلوب من الإجراءات، والذي سُجِّل بعد ذلك في جهاز تخزين مغناطيسيّ يُعرف باسم ذاكرة الأسطوانة.
في حين تمّ إحراز تقدّم كبير في القدرات الميكانيكيّة للرّوبوتات بحلول منتصف السّتينيّات، إلّا أنّها كانت ما تزال آلات غبيّة في الأساس تحتاج إلى برمجتها يدويًا. في عام 1966، بدأ الباحثون في معهد ستانفورد للأبحاث العمل على روبوت بعجلات مزوّد بكاميرات وأجهزة استشعار تعمل باللّمس يمكنها التّفكير في أفعالها ووضع الخطط والتّنقّل في العالم الحقيقيّ. يمكنه التّحرّك بين غرف متعدّدة بشكل مستقلّ، وتجنّب العوائق وفتح الأبواب وتشغيل مفاتيح الإضاءة ودفع الصّناديق. حظي الرّوبوت، الذي أطلق عليه الفريق اسم “Shakey”، باهتمام إعلاميّ كبير في عام 1970 حتّى أنّ مجلّة Life أشارت إليه باعتباره أول شخص إلكترونيّ.
كان التّقدّم الرّئيسيّ وراء الرّوبوت هو بنية برمجياته ذات الطّبقات، والتي مكّنته من التّفكير في المهام، وهو شيء كُرِّر في العديد من الرّوبوتات اللّاحقة.
في حين كان Unimate أوّل ذراع روبوتيّة تدخل مرحلة الإنتاج، أصبحت ذراع ستانفورد بمثابة المخطّط الأساسيّ لصناعة الرّوبوتات الصّناعيّة النّاشئة. صُمِّمَت الذّراع ذات السّتّ درجات من الحرّيّة في عام 1969 بواسطة فيكتور شينمان، الذي كان آنذاك طالبًا في مختبر الذّكاء الاصطناعيّ في ستانفورد، وكان يعمل بالكهرباء ويتمّ التّحكّم فيه بواسطة جهاز كمبيوتر.
على مدار السّنوات التّالية، بنى شينمان إصدارات متطوّرة بشكل متزايد من الذّراع في كلّ من ستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا، قبل أن يبدأ في النّهاية شركة تسمّى Vicarm Inc. في عام 1974 لتسويق عمله. انتهى به الأمر ببيع تصميماته إلى Unimation في عام 1977، والتي أصدرت روبوت الآلة العالميّة القابلة للبرمجة والتّجميع (PUMA) في عام 1978. كان العميل الأوّل هو جنرال موتورز، التي استخدمته لتجميع المكوّنات الفرعيّة للسّيّارات.
تداخل ميلاد الرّوبوتات مع قفزة تكنولوجيّة كبرى أخرى – ظهور عصر الفضاء. أدرك العلماء أنّ الآلات التي يمكن التّحكّم بها عن بُعد أو حتّى التي تعمل بشكلٍ مستقلّ يمكن أن تكون أداة قويّة لاستكشاف النّظام الشّمسيّ. في عام 1970، هبط الاتّحاد السّوفيتيّ على القمر بLunokhod 1، و هي أوّل مركبة روبوتيّة في العالم،كان الرّوبوت الذي يشبه حوض الاستحمام بثماني عجلات تعمل بشكل مستقلّ، قابلًا للتّحكّم فيه عن بُعد من الأرض عبر هوائيّات وتغذية من أربع كاميرات. عملت المركبة التي تعمل بالطّاقة الشّمسيّة لمدّة تقارب عامًا، أي حوالي ثلاثة أضعاف ونصف المدّة التي صُمّمت لتدوم، وسافرت 6.5 ميل (10.5 كيلومترات).
كما استخدمت أيضًا مجسّات قابلة للتّمديد لإجراء أكثر من 500 اختبار على الخصائص الميكانيكيّة للتّربة القمريّة.
بحلول ثمانينيّات القرن العشرين، أصبحت الرّوبوتات الصّناعيّة التي يمكنها تنفيذ مهام متكرّرة في بيئات خاضعة للرّقابة شائعة، لكن الجهود المبذولة لإنشاء آلات أكثر مرونة واستقلاليّة كانت تتعثّر. كان لدى عالم الرّوبوتات الأستراليّ رودني بروكس حدس بأنّ هذا الثّبات كان بسبب النّهج التّنازليّ الذي اتّبعه الباحثون. وتضمّن ذلك التّركيز على غرس مهارات التّفكير المجرّد في الآلات وتطوير أنظمة معقّدة من الرّموز الرّياضيّة لتمثيل العالم من حولهم. وبدلًا من ذلك، استلهم من الطّبيعة وركّز على حلقات التّغذية الرّاجعة بين الاستشعار والفعل التي تمكّن السّلوك المتطوّر لدى الحيوانات. وأثبت أنّه من خلال اتّباع هذا النّهج التّصاعديّ، الموضّح في ورقة عام 1990 بعنوان “الأفيال لا تلعب الشّطرنج”، كان من الممكن الجمع بين وحدات سلوكيّة بسيطة متعدّدة لحلّ تحدّيات تتجاوز الرّوبوتات التي كانت موجودة في ذلك الوقت.
على الرّغم من التّقدّم الكبير في الرّوبوتات ، كانت معظم الآلات بعيدة كلّ البعد عن الأشخاص الميكانيكيّين الذين صُوِّروا في الخيال العلميّ. تغيّر ذلك في عام 1996 عندما كشفت هوندا النّقاب عن روبوتها P2 ، والذي كان أوّل روبوت بشريّ قادر على المشي بشكلٍ مستقلّ على قدمين. بدأت الشّركة العمل على مشكلة الحركة على قدمين في أواخر الثّمانينيّات من خلال دراسة ومحاولة تكرار كيفيّة سير البشر. تُوِّجَت الأبحاث حول P2 وخلفائها P3 و P4 في النّهاية بتطوير روبوت ASIMO البشريّ الشّهير للشّركة، والذي كُشِفَ عنه لأوّل مرّة في عام 2000 ووضع معيارًا للرّوبوتات البشريّة للمضيّ قدمًا.
و بينما ركّزت معظم شركات الرّوبوتات التّجاريّة على الآلات المصمّمة لاستبدال العمل الشّاقّ في المصانع، قرّرت شركة Intuitive Surgical التّركيز على العمليّة الدّقيقة للجراحة طفيفة التّوغل. وقاموا ببناء نظام جراحيّ روبوتيّ رباعيّ الأذرع يسمّى “da Vinci” يمكن التّحكّم فيه عن بعد بواسطة جرّاح. كانت الأذرع قادرة على حمل أدوات جراحيّة مثل المشارط والكمّاشات والمقصّات، ومكّنت الجرّاح من إجراء حركات فائقة الدّقّة. تمّت الموافقة على الجهاز للاستخدام من قبل إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة في عام 2000، وقد استُخدِم في أكثر من 14 مليون إجراء.
كانت هناك تجارب متفرّقة في المركبات ذاتيّة القيادة على مرّ السّنين، لكن أوّل شركة كرّست موارد جدّيّة للفكرة كانت جوجل.
بدأت الشّركة في تطوير سيّارات ذاتيّة القيادة في عام 2009 وقادت أكثر من 140,000 ميل على الطّرق العامّة قبل الإعلان عن المشروع في أكتوبر 2010. أُجريت التّجارب السّابقة في سيّارة تويوتا بريوس مُعدّلة مع سائق سلامة خلف عجلة القيادة. ولكن في عام 2015، قامت الشّركة بأوّل رحلة ذاتيّة القيادة بالكامل على طريق عام في مركبة مُصمّمة خصّيصًا مع عجلة قيادة أو دوّاسات. بعد تغيير علامتها التّجاريّة إلى Waymo، بدأت الشّركة أوّل تجاربها العامّة لخدمة سيّارات الأجرة بدون سائق في فينيكس، أريزونا في عام 2017.
كان أحد المحفّزات الرّئيسيّة للاختراقات الأخيرة في الرّوبوتات الذّكيّة الشّبيهة بالبشر هو تحدّي الرّوبوتات التّابع لوكالة مشاريع الأبحاث الدّفاعية المتقدّمة. أطلقت وكالة مشاريع الأبحاث الدّفاعيّة المتقدّمة في عام 2012 المسابقة، وتحدّت الفرق لتطوير روبوتات شبه مستقلّة يمكنها تنفيذ مهام معقّدة في مناطق الكوارث المحاكاة. كُلِّفت الرّوبوتات بالسّير عبر الأنقاض وتسلّق السّلالم وإغلاق الصّمّامات المتسرّبة وحتّى قيادة مركبة خدمات عامّة. أُقيمَت النّهائيّات في عام 2015. وبينما تنافست بعض الفرق بروبوتاتها الخاصّة، زُوِّدَت ستّة فرق بروبوتات أطلس الشّبيهة بالبشر التي بنتها شركة بوسطن ديناميكس. واصلت الشّركة تطوير الرّوبوت بعد انتهاء المنافسة، حيث أظهرت قدرات متقدّمة بشكل متزايد على مرّ السّنين مثل الجري في الهواء الطّلق والقفز ومعالجة دورات الباركور.
أصبحت شركة Agility Robotics النّاشئة أوّل شركة تُطلق روبوتًا تجاريًا ثنائيّ القدمين بعد بيع وحدتين من طراز Digit الخاصّ بها لشركة Ford. في حين أنّه ليس شبيهًا بالبشر تمامًا، بفضل ساقيه “الخلفيّتين” التي تعمل بشكل أشبه بالطّيور منه بالبشر، فإنّ الرّوبوت تقريبًا بحجم وشكل إنسان صغير ومصمّم للمساعدة في المستودعات والإعدادات الصّناعيّة الأخرى. يُمثّل هذا الإطلاق بداية ازدهار في الرّوبوتات الشّبيهة بالبشر التّجاريّة، حيث كشفت شركات مثل Tesla و Figure و 1X عن عروضها الخاصّة بعد ذلك بوقت قصير. كما أنّ التّكاليف تتراجع بسرعة، ففي وقت سابق من هذا العام، أطلقت الشّركة الصّينيّة Unitree روبوتها G1 الشّبيه بالبشر، والذي تبلغ تكلفته 16000 دولار فقط.
ترجمة: كارول قبه
تدقيق: ريمة جبارة
- ترجمة: كارول قبه
- تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
- المصادر: 1