الميتافيرس قادم وربما نحن نعيش فيه بالفعل!
ارتدى مدير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رضوان فيرك Rizwan Virk قبل بضع سنوات، سماعة الرأس التي تُستخدم في الواقع الافتراضي في أثناء إجراء بحث عن برنامج الواقع الافتراضي (VR) ولعب لعبة بينج بونج. كانت اللعبة واقعية لدرجة أنها خدعت عقله للحظات. حاول غريزيًا أن يضع المضرب على الطاولة ويتكئ عليها عندما انتهى من اللعب. بالطبع الطاولة لم تكن موجودة وكاد أن يسقط. كان من السهل جدًا خداع حواسه للاعتقاد بأن العالم الافتراضي حقيقي لدرجة أنه بدأ يفكر فيما سيحدث للبشرية إذا واصلوا تطوير هذه التكنولوجيا.
كتب فيرك في عام 2019 كتابًا بعنوان «فرضية المحاكاة»، أعدّ فيه المراحل العشر لتطوير التكنولوجيا التي ستأخذنا إلى نقطة المحاكاة إذ لن نكون قادرين على تمييز عوالمنا الافتراضية عن العالم المادي أو تمييز شخصيات الذكاء الاصطناعي التي تعيش في تلك العوالم الافتراضية من البشر الحقيقيين. توصل فيرك إلى استنتاجٍ مفاده أنه إذا تمكنت حضارتنا من الوصول إلى هذه النقطة، فمن المحتمل أن تكون حضارة متقدمة في مكان آخر في الكون الحقيقي قد فعلت ذلك بالفعل وأننا بالفعل داخل أحد عوالمهم الافتراضية التي تشبه المصفوفة.
اتضح أن بعض علماء وادي السيليكون (المكان الذي يوجد فيه أهم مؤسسي التكنلوجيا مثل غوغل، أبل ….) قد وضعوا أنظارهم على بناء هذه المحاكاة فائقة الواقعية، والتي يسمونها ميتافيرس. صاغها كاتب الخيال العلمي نيل ستيفنسون لأول مرة في عام 1992، إذ إن ميتافيرس عبارة عن مجموعة من العوالم الافتراضية المترابطة التي يمكن استخدامها في كل شيء من الترفيه إلى التجارة إلى العمل. يُطلق على ميتافيرس اسم الجيل التالي من الإنترنت، والذي لن نستكشفه باستخدام متصفح الويب، ولكن عبر الصور الرمزية ثلاثية الأبعاد مثل تلك الموجودة في ألعاب الفيديو مثل Fortnite أو Roblox.
لقد انتقل الميتافيرس إلى ما وراء الخيال العلمي ليصبح «خيالًا تقنيًا اجتماعيًا»، وهي رؤية جماعية للمستقبل يحملها أولئك الذين لديهم القدرة على تحويل تلك الرؤية إلى حقيقة. غيّر فيس بوك مؤخرًا اسمه إلى ميتا وخصص 10 مليارات دولار لبناء تقنية مرتبطة بالميتافيرس. أعلنت مايكروسوفت للتو أنها كانت تنفق رقمًا قياسيًا بقيمة 69 مليار دولار لشراء Activision Blizzard، وهم صناع بعض أكثر ألعاب الإنترنت متعددة اللاعبين شعبيةً في العالم، بما في ذلك World of Warcraft.
تتجاوز الرؤية الحالية للميتافيرس الواقع الافتراضي البسيط للعبة بينج بونج لتشمل في النهاية الواقع المعزز (إذ تعرض النظارات الذكية الأشياء على العالم المادي) والسلع الرقمية المحمولة والعملات في شكل رموز غير قابلة للاستبدال (NFTs) والعملات المشفرة وشخصيات الذكاء الاصطناعي الواقعية التي يمكنها اجتياز اختبار المحاكاة (أي تتحدث وتتصرف كالبشر تمامًا) وتكنولوجيا واجهة الدماغ والحاسوب (BCI). ستسمح لنا هذه التكنلوجيا ليس فقط بالتحكم في صورنا الرمزية (أفاتار) عبر موجات الدماغ، ولكن أيضًا إرسال إشارات من ميتافيرس مباشرة إلى أدمغتنا، مما يزيد من تشويش أدمغتنا في معرفة ما هو حقيقي وما هو افتراضي.
لقد قدر السيد فيرك أن الأمر سيستغرق مائة عام أخرى أو أكثر للوصول إلى نقطة المحاكاة، ولكن إذا استمر وادي السيليكون في هوسه ببناء الميتافيرس فسنصل إليه في وقت أقرب بكثير. هذا الأمر مهم لأنه إذا كان من الممكن لأي حضارة أن تصل إلى نقطة المحاكاة (في الماضي أو المستقبل على الأرض أو كوكب آخر) فإن الفرص تزداد بشكل كبير بأن نكون بالفعل نعيش في عالم محاكاة واقعي للغاية تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر ولكن لا يمكننا تمييزه عن الواقع المادي. سيكون هذا صحيحًا سواءٌ كنا شخصيات غير قابلة للعب (أي الشخصيات التي يتحكم بها الحاسوب أو شخصيات الذكاء الاصطناعي) داخل العالم المحاكي، أو إذا كنا لاعبين موجودين خارج اللعبة، أو تجسيدًا للعب الأدوار داخل اللعبة (كما كان الحال مع نيو أو مورفيوس في المصفوفة ضمن أحداث فيلم ماتريكس).
هذا يسمى حجة المحاكاة وقد اقترحه فيلسوف أكسفورد نيك بوستروم في عام 2003. صرح بوستروم أن هناك عدة احتمالات متبادلة، والتي قام فيرك بتبسيطها إلى اثنين: (1) أنه لا توجد حضارة تصل إلى هذه النقطة ولا يتم إنشاء مثل هذه المحاكاة أو (2) أن حضارة واحدة على الأقل تصل إلى هذه النقطة ولا تخلق عوالم محاكاة واحدة فقط بل العديد من العوالم المحاكاة.
إذا كان الخيار 1 صحيحًا فليس هناك فرصة لأن نكون بالفعل داخل محاكاة لأن هذه الأنواع من المحاكاة قد لا تكون ممكنة. وإذا كان الخيار 2 محققًا فمن المحتمل أن حضارة أكثر تقدمًا (تخيل حضارة تسبقنا بمئات أو آلاف السنين) قد وصلت بالفعل إلى هناك. ثم قاموا بعد ذلك بإنشاء بلايين من عوالم المحاكاة بمليارات من الكائنات المحاكاة الذين لا يدركون أنهم أنفسهم في محاكاة.
إذا كان هناك المليارات من العوالم المحاكاة وعالم مادي واحد فقط من الناحية الإحصائية، فمن المرجح أن تكون فيه؟ هذه هي الحجة التي قادت إيلون ماسك في عام 2016 إلى القول بأن فرصنا في الواقع الأساسي (أي ليس في محاكاة) هي «واحد من بين المليارات». افترض كل من ماسك وبوستروم أننا من المحتمل أن نكون شخصيات غير قابلة للعب، لذلك لم نتمكن من الخروج من المحاكاة بمحض إرادتنا. حتى لو كنا لاعبين محبوسين في صورة رمزية داخل المحاكاة، فإن قدرتنا على الخروج ستعتمد على طبيعة المحاكاة حتى لا تؤثر على الواقعية لأولئك الذين ما زالوا في المحاكاة. لم ينعكس هذا فقط مع فيلم The Matrix، ولكن في الحلقة الأخيرة من مسلسل Rick and Morty، إذ تخطو شخصية ما إلى الواقع الافتراضي Life Simulator وتعيش ما يبدو وكأنها حياة كاملة، ولا تخرج من اللعبة إلا عندما تموت الشخصية.
سنثبت مع اقترابنا من بناء التخيل التكنولوجي الكامل للميتافيرس ليس فقط أن الخيار 2 ممكن، ولكن أيضًا أنه محتمل. إذا تمكنا من الوصول إلى الواقع الافتراضي في غضون مائة عام من اختراع أجهزة الكمبيوتر، فمن المحتمل أن تكون حضارة أخرى قد وصلت إلى هناك بالفعل في عالم مادي يبلغ عمره مليارات السنين، وأنشأت بالفعل بلايين من عوالم المحاكاة. كانت حجة بوستروم أنه إذا كان هذا هو الحال فإن احتمال كوننا أحد هذه الكائنات المحاكاة في عالم محاكى أعلى بكثير من احتمال وجودنا في الواقع المادي الفردي.
في حين أن البعض منا قد يكون لاعبين من العالم «الخارجي»، محاصرون في شخصيات للعب الميتافيرس في هذا الواقع الافتراضي، كما هو الحال في فيلم ماتريكس، فإن معظمنا من الناحية الإحصائية سيكونون محاكين لشخصيات الذكاء الاصطناعي في عالم افتراضي محاكي، معتقدين أننا نحن في الواقع في «العالم الحقيقي». إذا كان هذا الأمر يبدو غريبًا بعض الشيء فربما يكون رد الفعل المناسب الوحيد هو رد الفعل الذي قدمه كيانو ريفز بشخصية نيو Neo في فيلم ماتريكس الأصلي منذ 23 عامًا: ألا وهو اختيار الصحوة (whoa).
- ترجمة: رؤى بستون
- تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
- المصادر: 1