صديق الإنسان الوفي يمهد الطريق للاكتشاف المبكر للسرطان
بريتاني ستيف – جامعة بوردوينقضّ مرض السرطان على مرضاه دون إنذار مسبق، ورغم أن الجينات والظروف الحياتية والبيئية تستطيع تفسير معظم ذلك، إلا أنه لا توجد طريقة معتمدة وموثوقة للتنبؤ بمن هم الأكثر عرضة للسرطان. وهذه المأساة لا تقتصر فقط على البشر، بل على صديقهم المقرب أيضاً؛ الكلب.
قامت عالمة مختصة بمرض السرطان لدى الكلاب من كلية الطب البيطري في جامعة بوردو بالعمل على اتخاذ الخطوات الأولى لجعل أحد الأنواع الخطيرة من خلايا سرطان الكلاب (المماثلة لخلايا سرطان البشر) أسهل للاكتشاف والعلاج قبل تطورها.
تُعتبر كلاب الصيد الاسكتلندية المشهورة بكونها الحيوانات الأليفة المفضلة للرؤساء (جورج بوش وفرانكلين روزفيلت) وأكثر البيادق لطفاً في لعبة المونوبولي، مشهورة أيضاً لأسباب أخرى أقل لطفاً، لكونها تعاني من سرطان المثانة بنسبة 20% أكثر من باقي سلالات الكلاب. وعندما يحدث ذلك فإنه يظهر على شكل عنيف مشابه لمرض السرطان الذي يجتاح عضلات المثانة لدى البشر.
إن العلاقة بين الإنسان والكلب سبب من أسباب دراسة ‘ديبورا ناب’، البروفيسورة المتميزة في علم الأورام المقارن من جامعة بوردو، لسرطان المثانة لدى الكلاب لمدة ثلاثين عاماً. تقول ناب: “في كثير من حالات سرطان المثانة لدى الكلاب أو البشر يتم تشخيص المرض بوقت متأخر بعد انتشار المرض وتفشيه. إن المرحلة الأولية من سرطان المثانة قد لا تظهر فيها أية أعراض، وبالتالي ينتشر المرض دون ملاحظته، وعندما تبدأ الأعراض بالظهور فإنها تتشابه إلى حد كبير مع أعراض التهاب المجرى البولي، الأمر الذي يدفع الأطباء إلى استخدام المضادات الحيوية لفترة من الوقت. ولكن عندما يُلاحظ وجود مشاكل مستمرة رغم استخدام المضادات، يتم فحص الكلب فحصاً سريرياً، ونكتشف انتشاراً إلى حدود أبعد من المثانة محدثاً تغييراً على المستوى الجزيئي للخلايا، وهنا يُصبح العلاج بالأدوية ضرورياً”.
تابعت “ناب” وفريقها مجموعةً مؤلفة من (120) كلب صيد اسكتلندي لمدة ثلاث سنوات مجريةً فحوصات للقنوات البولية باستخدام تقنية الموجات فوق الصوتية، وبإجراء تحليل البول كل ستة أشهر. وعندما أظهرت هذه الاختبارات احتمالية وجود خلايا سرطانية قام الفريق بإجراء فحوص خزعية باستخدام منظار المثانة. تم الاكتشاف المبكر لسرطان المثانة لدى اثنين وثلاثين كلباً من تلك الكلاب حيث أن عملية الفحص تلك اكتشفت السرطان قبل أن تبدأ الأعراض بالظهور وقبل أن يتغير سلوك وصحة الكلاب. قام الفريق أيضاً بتقييم دقة اختبارَي بول متوفرين تجارياً لفحص سرطان المثانة ولكنه اكتشف أن هذين الاختبارين لم يتنبأا أو يتمكنا من تحديد وجود السرطان بدقة.
مكّنت تلك التجربة فريق “ناب” من علاج السرطان مبكراً ودراسة الطريقة التي يتغير ويتطور فيها الورم على المستوى الخلوي خلال تقدم مراحل السرطان. تم علاج الكلاب التي شُخص مرضها بالسرطان باستخدام دواء “ديراكوكسيب” والذي يُعدّ مضاد التهاب غير ستيروئي وله فعالية ضد الأورام عند الكلاب، ويُستخدم عادةً لعلاج سرطان المثانة لديها. يسبب العقار عادةً تثبيطاً للمرض بنسبة تصل إلى 20% لدى الكلاب في حالات سرطان المثانة المتقدمة، لكن بعد الاكتشاف المبكر الذي حققه فريق “ناب” فقد ارتفعت تلك النسبة إلى 42%.
قالت الباحثة أن اكتشاف السرطان في مراحله المبكرة لدى هذه الكلاب (التي كانت تتصرف بشكل طبيعي بينما كان السرطان ينتشر داخل أجسامها) يعني القدرة على إمكانية علاج هذا المرض في مراحله المبكرة وقبل تطوره. وحقق العقار نجاحاً كبيراً ويعود ذلك إلى البدء المبكر بالعلاج.
“لقد كنا نتوقع وجود تحسن في نسبة التثبيط بنسبة أكبر من ال20%، لكننا لم نتوقع هذا التغير الكبير في النسبة. حيث أن العلاج باستخدام العقار” ديراماكس “يُعد علاجاً فموياً وقائياً وغير مُكلف على الإطلاق، وقد سبب هذا العقار مضاعفة فترة إخفاء الأعراض ويعود ذلك إلى الاكتشاف المبكر للسرطان”.
إن لكلاب الصيد الاسكتلندية قابلية وراثية مرتفعة للإصابة بسرطان المثانة ما يعني بشكلٍ أو بآخر توفر عدد كبير من العينات وذلك يُعد مثالياً للبحث في مجال الكشف المبكر عن السرطان، ويعني أيضاً زيادة بذل الأطباء البيطريين أقصى ما لديهم لإنقاذ حياة الكثير من الكلاب وإنقاذ قلوب الكثير من البشر.
يعلم مالكو كلاب الصيد الاسكتلندية بشكلٍ جيد مخاطر ما يحدث، حيث أن تلك الكلاب هي الأكثر عرضة لسرطان المثانة، تماماً كما تكون كلاب اللابرادور أكثر عرضة للإصابة بخلل التنسج الوركي، وكلاب داشهوند الألمانية أكثرها عرضة لإصابات العمود الفقري. لكن ما أدى لإجراء دراسات من هذا النوع هو اهتمام البشر بحيواناتهم الأليفة. فقد أظهر المجتمع الاسكتلندي دعماً كبيراً لتلك الدراسات، وتهافت الناس من كافة أصقاع البلاد لِأخذ كلابهم للمشاركة في التجارب المخبرية، مُظهرين بذلك مدى أهمية الكشف المبكر عن مرض السرطان بالنسبة لهم، ومدى ما يحملونه من أمل تجاه ذلك الكشف لدى الكلاب والبشر على حد سواء.
تم نشر تلك الدراسة في صحيفة “أقصى حدود علم الأورام”.
وقالت “ناب” أنه من الناحية البيطرية، فإن الدراسة تُظهر أهمية فحص الكلاب للكشف عن سرطان المثانة، وعلى هذا أن يصبح الروتين المعتاد لبعض الكلاب في المستقبل. لقد أظهرت النتائج أكثر من ذلك، خصيصاً في علم المورثات المقارن. وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تُثبت أنه في حال اكتشاف المرض مبكراً وعلاجه فإن ذلك يُحدث فرقاً كبيراً، ورغم كون بحثنا الأول من نوعه إلا أننا نأمل أن يفتح الباب نحو تحركات مماثلة، فنحنُ نتجه نحو نهجٍ استباقي شخصي لمواجهة السرطان.
- ترجمة: دعاء حميد
- تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
- المصادر: 1