ما السر وراء لون أعيننا؟

ما زال العلماء يستكشفون المزيد من الأشياء عن هذه الخاصية المميزة التي نمتلكها. فقد كانوا حتى السنوات القليلة الماضية يصفون لون العينين بأنه أمرٌ معقد. لكن بعدها أصبح من المعروف أن جينًا واحدًا يتحكم بلون العينين، البني وهو الأليل السائد، الأزرق وهو الأليل المتنحي. ربما نتذكر هذه القاعدة حين تعلمناها في مادة الوراثة في الثانوية عندما درسنا قواعد غريغور مندل، وهو أب الوراثة الحديثة.

أما الدراسات الحديثة فقد ساعدت على جعل الأمور أوضح. إذ وجدت أن لون العينين يخضع لمورثاتٍ عديدة. ويعد أيضًا خاصيةً فرديةً بكل شخصٍ كبصمات الأصابع.

قام مجموعة من الباحثين من جامعة King في لندن، بدراسةٍ مؤخرةٍ نشرت في Science Advances في آذار/مارس 2021، بعد أن فحصوا لون عيون أكثر من 195,000 مشارك، وحددوا وجود العديد من الجينات التي تحدد لون العينين. وقد قال بيرو هايز، وهو أخصائي في طب العيون في جامعة King وأحدُ مؤلفي هذه الدراسة: «يعد لون أعيننا واحدًا من أكثر الأشياء لفتًا للنظر في الوجه البشري».

وتساعدنا هذه الموجودات المكتشفة على فهمٍ أعمق للون العينين، إضافةً لأنها قد تساعد العلماء على إيجاد علاجاتٍ جديدة لأمراض عديدة كالزرق الصبغي والمهق العيني.

وأضاف هايز: «لطالما حيرت العيون أجيالًا عدةً عبر العصور».

في الواقع لقد تغيرت نظرتنا لتعقيد العيون وتشكل اللون فيها بعد الدراسة التي أجراها مجموعة باحثين من معهد Queensland للعلوم الحيوية الجزيئية (IMB) ومعهد Queensland للأبحاث الطبية، ونفوا فيها الفكرة السائدة التي تقول بأن لون العينين يعتمد على جين واحد، هذا ما فسح المجال أمام المزيد من الأبحاث العظمى.

والأن قد حددت آخر دراسة وجود أكثر من 61 جينًا مختلفًا يحدد لون العينين، إضافةً لذلك، يقول هؤلاء المؤلفين أن لون العيون خاص بكل فرد بشكلٍ كامل. وهذا يعني أنه لا يوجد أحدٌ يملك لون عينين مثل لون عينيك.

لكن السؤال هو ما هي ماهية لون عينك بالتحديد ومن أين أتت هذه الألوان في البداية؟

لون العينين بشرحٍ مبسّط

ما يحدد لون عينيك هو كمية الميلانين، أو الصباغ التي يمتلكها الإنسان في قزحيته، فكلما أمتلك المزيد من الميلانين، كلما كان لون عينيه أغمق. يعد اللون البني هو اللون الأكثر شيوعًا عالميًا. إذ يملك قرابة 45% من الأمريكيين عيونًا بنية، وفي المقابل يملك قرابة 9% منهم فقط عيونًا خضراء، فهو إذًا أندر لون هناك.

لا يملك أصحاب العيون الخضراء صبغةً خضراء في قزحيتهم. وهذا لأن اللون الذي نراه ما هو إلا انعكاس للضوء. إذ يملك أصحاب العيون الفاتحة اللون كميةً أقل من الميلانين، أي أن أعينهم تمتص القليل من الضوء. إضافةً لذلك فإن ما نراه من لون في العينين يأتي من الطبقتين العلويتين من القزحية فقط. ومهما كان لون أعين الشخص، فإن الطبقة الخلفية من القزحية لديه -وتسمى السدى- مكونةٌ من صباغٍ بنيٍ.

بينما نشاهد في أيامنا هذه ألوان الطيف المتعددة بالأعين، لكن الحال لم يكن كذلك في السابق. إذ إن البشر جميعهم قبل قرابة 10,000 عامًا كانوا يملكون عيونًا بنيةً فقط، وذلك حسب الأكاديمية الأمريكية لطب العيون.

من أين أتت هذه الألوان المختلفة إذا؟

يعزي العلماء سبب التنوع الهائل في ألوان الأعين في يومنا هذا إلى طفرةٍ جينية وحيدة حدثت سابقًا وهي ما سببت كل هذا.

لطالما أن لون العينين يُحدد من خلال كمية الميلانين في الجسم (إضافة للون الشعر والجلد)، فقد أيقن العلماء أن سبب هذه الإضافات العديدة على ألوان العيون، كتدرجات الأزرق، الأخضر، والأشهل، هو تغيير في الجين المكون للميلانين؛ ويمكن لهذه الطفرة التي توقعها العلماء أن تقلل من إنتاج الميلانين ضمن الحدقة. إضافةً لذلك، يمكنا ربط هذه الطفرة إلى سلفٍ واحد.

يتوقع العلماء وجود ترابط بين تطور لون العيون وتنقلات أجدادنا من مناخات حارة إلى أخرى باردة. وهذا يعود لأن الميلانين في الواقع يشكلُّ حاجزًا لحماية الأعين من أشعة الشمس. إذ نرى العيون البنية بشكلٍ أكبر في المناخات الحارة، كما في إفريقيا وآسيا، وبالمقابل فإنهم أقلية في أيسلاند على سبيل المثال.

إن وجود الحاجز الواقي هذا أو غيابه يمكن أن يترك الشخص عرضةً للإصابة بالعديد من الأمراض. إذ تقترح الدراسات أن الأشخاص ذوي العيون الفاتحة -أي الذين يملكون حماية أقل من العوامل الخارجية- أكثر احتماليةً لتطوير التنكس البقعي، سرطان العين، أو اعتلال الشبكية السكري.

في المقابل لا يخلو ذوو العيون البنية من خطر الإصابة ببعض الأمراض، وخاصة مرض الساد، وهو تغيم في العدسة بسبب ترسب البروتينات ضمنها مع الوقت.

المواليد ذوو العيون الزرقاء

هل يولد الأطفال بعيونٍ زرقاء صافية؟ لا ليس كذلك، وذلك كما يقول الباحثون في جامعة ستانفورد Stanford إذ درسوا معدل انتشار العيون الزرق في المواليد للجدد.

وقد وجدت دراسةٌ نشرت في عام 2006 أن ثلثي المواليد يولدون بعيونٍ بنية، وقرابة 20% منهم كانوا أصحاب عيون زرقاء.

إضافةً لذلك، فإن معظمهم يخسرون اللون الأزرق خلال أشهر من الولادة. وأضاف الباحثون أن معظم المواليد ذوي العيون الزرقاء كانوا من العرق الأبيض، بينما كان معظم المواليد في آسيا وإسبانيا أصحاب عيونٍ بنية.

ووضحوا أنه لا مشكلة في أن يملك زوجين بنيي الأعين طفلًا أزرق الأعين. فحين نصت قواعد مندل على أن هذا الشيء مستحيل، لكن العلم الحديث يقول عكس ذلك.

  • ترجمة: تمام حمزة
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1