ماذا لو لم تستطع الوثوق بذاكرتك؟
هل تتذكر قراءة كتبBerenstein Bears عندما كنت طفلاً؟ أو ربما شاهدت فيلم الجني في التسعينيات من بطولة الممثل سندباد؟ في الواقع إنه فيلمBerenSTAIN Bears، وفيلم الجني هذا غير موجود. على الأقل ليس في كوننا. ذكرياتنا تخدعنا أكثر مما قد تدركه.
إذن كيف يمكننا أن نعرف حقيقًة ما إذا كانت ذكرياتنا صحيحة؟ كيف تعمل الذاكرة في عقولنا؟ ماذا يكشف تأثير مانديلا عن ذاكرتنا؟ ما مدى سهولة اختراق ذاكرتنا؟
الذكريات تشبه إلى حد ما لوحات مونيه الانطباعية. يمكن أن تكون حية ومفصلة للغاية، لكنها ليست مثالية تماماً. هذا لأن قدرة دماغنا على معالجة الذكريات وتخزينها محدودة، تماماً مثل القرص الصلب للحاسوب. ولكن بدلاً من لغة الحاسوب التي تستعمل نظام العد الثنائي (01)، فإن أدمغتنا تخزن الذكريات في الروابط بين الخلايا العصبية.
إزالة أو تغيير مادة كيميائية واحدة أو جزيء في الدماغ يمكن أن يغير هذه الروابط العصبية. وهذا يمكن أن يمنع تكوين الذكريات. أو حتى تدمير الذكريات الموجودة بالفعل. لذا، كيف يمكننا أن نعرف حقاً ما إذا كانت ذكرياتنا حقيقية؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، دعونا نلقي نظرة على كيفية عمل الذاكرة. يشبه إلى حدٍ كبير حفظ ملف على جهاز كمبيوتر، تقوم عقولنا بترميز ذكرياتنا. ثم تقوم بتخزينها في شبكتنا العصبية، حتى يتمكن عقلنا الواعي من استعادتها لاحقاً. نعالج أنواعاً مختلفة من الذكريات بطرق مختلفة.
نصنع ذكريات حسية عندما يتم تلقي المعلومات الحسية ومعالجتها بواسطة عقولنا. قد يكون هذا شيئاً مثل رؤية جرو لطيف، أو شم رائحة كعك القرفة الطازج أثناء المشي في الصباح. نقوم بتخزين الذكريات قصيرة المدى من بضع ثوانٍ إلى عدة دقائق، مثل تذكر رقم هاتف أعطاك إياه شخصٌ ما للتو.
إليك نصيحة احترافية: قد ترغب في حمل قلم معك في المرة القادمة التي تذهب فيها في موعد. ذكريات العمل هي نوع من الذاكرة قصيرة المدى نقوم بتخزينها حتى تكتمل المهمة. إنهم مثل خادم يحفظ أمر عشاءٍ معقد. والذكريات طويلة المدى هي تلك اللحظات أو الأشياء التي تطبع في أذهاننا، مثل القبلة الأولى، أو شيء بسيط مثل تاريخ عيد ميلادك.
كل نوع من هذه الذكريات يعيد تشكيل الدماغ عن طريق إثارة تفاعلات جزيئية في خلايانا العصبية. تتم معالجة الذكريات قصيرة المدى في الفص الجبهي. وإذا كانت جديرة بالتذكر بشكلٍ خاص، فستصبح ذكريات طويلة الأمد في الحُصين. فلماذا تميل بعض الذكريات إلى البقاء معنا لفترة أطول من غيرها؟
تُعرف تلك الذكريات الحية، مثل الخطوات الأولى لطفلك أو الأحداث العالمية المفاجئة مثل 11/9، باسم الذكريات الومضية. يدعي الكثير من الناس أنهم يتذكرون التفاصيل الدقيقة خلال هذه الأحداث، مثل مكان وجودهم، أو ما يرتدون، أو حتى الوقت من اليوم. في حين أن هذه الذكريات قد تبدو دقيقة بالنسبة لنا، إلا أن أقوى الذكريات يمكن أن تكون خاطئة.
هذا لأن عواطفنا يمكن أن تشوه أو تفسد ذاكرتنا في كثير من الأحيان. لذا، إذا كنت تعتقد أنها كانت تمطر في ذلك اليوم الحزين الذي فقدت فيه وظيفتك، حسناً، ربما كان الجو مشمساً حقاً. لسوء الحظ ليست مجرد الذكريات الومضية هي التي يمكن أن تكون غير دقيقة، ولكن حرفياً كل ذاكرة لديك على الإطلاق.
هذا لأن عقولنا تخزن فقط جزءاً صغيراً من المعلومات حول ما نعيشه. وفي كل مرة نسترجع فيها الذاكرة، تتغير البيانات قليلاً. ويمكن للناس التلاعب بذكرياتك لدرجة أنهم قد يحاولون إدانتك بسبب شيء لم تفعله.
يمكن لبعض أساليب الاستجواب التي تقوم بها الشرطة أن تولد ذكريات كاذبة لتكون بمثابة ذريعة. من المعروف أيضاً أن المعالجين يستحثون ذكريات خاطئة من خلال نوع من التحليل النفسي يسمى علاج الانحدار.
في إحدى الدراسات، طلب علماء النفس من الأشخاص الذين شهدوا حادث سيارة أن يتذكروا الحدث بتفصيل دقيق. اخترق الباحثون ذكرياتهم من خلال الإشارة إلى مصباح أمامي مكسور على إحدى المركبات المعنية. بدا أن العديد من الشهود يتذكرون مصباحاً أمامياً مكسوراً. كانت الخدعة الوحيدة هي عدم وجود مصباح أمامي مكسور.
ربما يكون المثال الأكثر شيوعاً للذكريات الزائفة هو تأثير مانديلا، وهو نوع من الذاكرة الزائفة الجماعية. جاء الاسم في الوقت الذي ادعى فيه الكثير من الناس أنهم تذكروا مشاهدة تغطية إخبارية لوفاة نيلسون مانديلا، وحتى خطاب من أرملته في الثمانينيات. لكن في الواقع، أو على الأقل هذا الواقع، مات مانديلا في عام 2013 وليس في الثمانينيات.
يعتقد بعض المؤمنين بنظرية المؤامرة أن هذه الذكريات الخاطئة تنتج عن انزلاقنا إلى أكوان بديلة متطابقة تقريباً مع أكواننا، باستثناء أن الأشياء الصغيرة مثل ملصقات الطعام أو خطوط الأفلام الشهيرة مختلفة. هل تتذكر تلك المقولة الشهيرة في فلمStar Wars، “Luke, I am your father” ؟ حسناً، المقولة الحقيقية هي، “No, I am your father.”.
هل تتذكر أن Febreze لديه حرف (e) واحد أو اثنان؟ تبين انه كان دائماً Febreze. هل هذا خلل في المصفوفة؟ أو هل تم اختراق كل ذكرياتنا بطريقة ما؟ حسناً، اختراق الذاكرة هو في الواقع شيء حقيقي للغاية. مخترق الذاكرة هو شخص يحاول عمداً زرع ذاكرة ما.
أفادت دراسة نشرت في مجلة العلوم النفسية عن سلسلة من المقابلات مع العديد من المشاركين. يعتقد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أنهم مروا بحدث عاطفي للغاية لم يحدث أبداً. قام القائمون بالمقابلة بإحداث هذه الذكريات من خلال مزيج من المعلومات المضللة والخيال والتكرار.
صنع ما يقرب من 70% من المشاركين ذكرى مزيفة بأنهم ارتكبوا جريمة ما، وصنع 77% ذكرى مزيفة لأحداث عاطفية للغاية. أفادوا أنهم رأوا وسمعوا وشموا وشعروا وحتى انهم تذوقوا أشياءاً أثناء الذكرى.
هذا يوضح فقط كيف يمكن أن تكون الذكريات المزروعة حية وخطيرة. فيمكن التلاعب بالأبرياء وقد ينتهي بهم الأمر في السجن لارتكاب جريمة لم يرتكبوها أبداً. في حين أن اختراق الذاكرة يمكن أن يكون شيء خطير، إلا أن له فوائد أيضاً.
لدى عقولنا طريقة لمنع بعض الذكريات المؤلمة كآلية للتكيف. ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، يمكن بسهولة إثارة هذه الذكريات السيئة واصطيادها.
تظهر الأبحاث التي قادها الدكتور جوناثان شيرين أن تناول مادة كيميائية تعرف باسم حمض جاما أمينوبوتيريك (GABA) يمكن أن يساعد في كبح الذكريات المؤلمة لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة. يخفف (GABA) الذكريات المؤلمة عن طريق منع النبضات العصبية بحيث لا تستطيع الخلية العصبية التواصل مع الخلايا العصبية المحيطة. يميل الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من (GABA) إلى قضاء وقت أسهل في كبح الذكريات المؤلمة أو المحرجة.
ربما في المستقبل غير البعيد، سنكون قادرين على إعادة إحياء ذكرياتنا المفضلة في أحلامنا بنوع من الزرع العصبي. هل سبق لك أن أردت إعادة قبلتك الأولى، أو مشاهدة فيلمك المفضل، أو ربما سنكتشف أموراً عميقة وجديدة. هل يمكن أن تكون كل ذكرياتنا والواقع نفسه نوعاً من الوهم.
- ترجمة: محمد ياسين
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1