لماذا يعتبر تدخين السجائر الإلكترونية خطرًا على أدمغة المراهقين؟
نقاط رئيسيّة:
- نحو 2.5 مليون طفل في المدراس الإعدادية والثانوية في الولايات المتحدة يستعملون السجائر الإلكترونية.
- بمجرد أن يُحدِث الإدمان أضرارًا في أدمغة اليافعين، هناك خطرٌ أكبر لحدوث أنواعٍ أخرى من الإدمان.
- لا نعلم إلّا القليل عن التأثيرات الصحيّة طويلة الأمد لاستعمال السجائر الإلكترونية.
اخترع الصيدلاني “هون ليك/Hon Lik” السيجارة الإلكترونية عام 2003 مستلهمًا فكرتها من وفاة والده -المدخّن- بسبب سرطان الرئة. أراد ليك إنشاء بديلٍ صحي للتدخين من شأنه أن يسهّل الإقلاع عن التبغ تمامًا.
تتضمن السيجارة الإلكترونية التي ابتكرها ولا يزال معظم الناس يستخدمونها حتى يومنا هذا على بطارية صغيرة تسخّن وتبخّر السائل الذي يحتوي على النيكوتين ومواد أخرى، ثم تستنشق هذا البخار في رئتيك. بعد عشرين عامًا، أصبح أكثر من 70 مليون شخص يستخدمون السجائر الإلكترونية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 2.5 مليون طفل في المدارس الإعدادية والثانوية في الولايات المتحدة.
وكما كانت نية ليك، أقلع العديد من الأشخاص عن التدخين بمساعدة السجائر الإلكترونية، وغالبًا ما يكون ذلك بالترافق مع استراتيجيات الإقلاع الأخرى التي أثبتت جدواها مثل لصقات أو علكة النيكوتين و/أو الاستشارة.
ولكن، ما بدأ كبديلٍ صحيٍّ للسجائر تحوّل إلى منتجٍ مربح وشديد الإدمان يجعل الشباب -وهم أكثر المستخدمين لها في الولايات المتحدة- مدمنين على المخدرات في مرحلةٍ عمريّة حساسة وهشة للغاية، حيث تكون أدمغتهم لا تزال في طور النمو، وهو العمر الذي يصل إلى نحو 25 عامًا، وبالتالي يكونون عرضةً بشكل كبير للتغيّرات في بنية الدّماغ والكيمياء التي تحدث فيه مع انتشار وترسّخ إدمان النيكوتين.
بمجرّد أن يُحدِث الإدمان هذه التأثيرات الخطيرة في دماغٍ شاب، فإنه غالبًا ما يعرّضه لخطر الأنواعٍ الأخرى من الإدمان بينما ينتقلُ إلى مرحلة البلوغ، وهذا هو سيناريو بوابة الإدمان الكلاسيكي.
كيف يخدع النيكوتين الدماغ؟
يعتبر مركز المكافأة في الدماغ -المكوّن من المنطقة الغشائية البطنية والنواة المتكئة- مفعمًا بالحيويّة لبقائنا على قيد الحياة، حيث يتحكم في دوافعنا نحو الأكل والنوم والوقوع في الحب وتجنّب الخطر والشعور بالمتعة وكلّ شيءٍ آخر يجب علينا القيام به للازدهار كجنسٍ بشريٍ.
عندما يبدأ الشخص باستخدام الكحول أو غيره من المواد المسبّبة للإدمان مثل النيكوتين، فإنّ تلك المواد تبدأ بالسيطرة على مركز المكافأة عن طريق تغيير بنيته وتركيبته الكيميائية حرفيًّا، ويكون هذا التأثير أوضح وأكثر إتلافًا لأدمغة الشباب الآخذة بالنمو، وبعد فترةٍ من الاستخدام المطّرد يتمّ خداع الدماغ بحيث يعتقد أنه بحاجةٍ إلى النيكوتين بقدر حاجته إلى الطعامِ والنوم والمأوى وما إلى ذلك. في هذه المرحلة، يبدأ شعور الشهوة اتّجاه النيكوتين كوسيلةٍ للشعور بالمتعة ويعتقد دماغك أنّك بحاجةٍ إليه للبقاء على قيد الحياة أيضًا.
عندما يحدث هذا مع المراهقين، فإنهم يشرعون في اختيار المكافأة الزائفة للنيكوتين على المكافآت الحقيقيّة مثل الحصول على درجاتٍ جيّدة والأداء الجيّد في الرياضة والتواصل مع أصدقائهم وأفراد أسرهم والاستماع إلى الموسيقى المحفّزة وجميع الأنشطة العادية التي تمنح الشباب المتعة.
قد يستمرّ الأطفال في فعل هذه الأشياء ويستمتعون بها، ولكن هناك بعض المزاحمة التي تحدث، حيث يقوم النيكوتين باحتلال مساحةٍ في مركز المكافآت ويصرخ طوال اليوم “أنا، أنا، أنا!”.
أُجريَت دراسةٌ إحصائيّة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022 على أكثر من 150 ألف مراهق ونُشرت في مجلة “JAMA”، حيث أظهرت هذه الدراسة أن السجائر الإلكترونية تسبّب الإدمان بشدّة.
وأفاد الباحثون: “يبدأ المزيد من مستخدمي السجائر الإلكترونية من المراهقين باستخدام أوّل منتجٍ من النيكوتين في غضون خمس دقائق من الاستيقاظ مقارنةً بمستخدمي السجائر العادية وجميع منتجات التبغ الأخرى مجتمعة”.
لا تتلاعب مقدمة الدراسة بالكلمات، وهي جديرة بالاقتباس: “السجائر الإلكترونية هي أجهزةٌ لتوصيل المادة مصممة بعناية تسبب الإدمان وتديمه. لم توفّر السجائر الإلكترونية المبكرة النيكوتين بقدر وفعالية السجائر العاديّة لأنها استخدمت النيكوتين النقي الذي يصعب استنشاقه، ولكن تغير هذا الوضع في عام 2005 مع طرح منتجات Juul والتي أضافت حمض البنزويك إلى سائل النيكوتين لتكوين النيكوتين البروتوني، والذي يزيد من إمكانية الإدمان من خلال تسهيل استنشاق كميات من النيكوتين يصعب على المستخدمين المبتدئين الحصول عليها عبر السجائر أو السجائر الإلكترونية السابقة، وبحلول عام 2018 استحوذت شركة Juul على 75% من السوق”.
تعرّف على بائعي النيكوتين الجدد
الأمر المثير للجنون هو أن صانعي السجائر الإلكترونية يعرفون على الأرجح ما كانوا يفعلونه عندما بدأوا باستهداف المراهقين عبر منتجاتهم، لقد جعلوهم يدمنون النيكوتين حتى يستمرّوا في شراء تلك المنتجات.
وعلى الرغم من معرفة الأضرار طويلة المدى التي قد يسبّبها ذلك لأدمغة الشباب وسلوكهم، أدركت هذه الشركات أنّ لديها جمهورًا أسيرًا وسريع التأثّر يستجيب بشكلٍ إيجابي لبعض أساليب التسويق نفسها التي نجح صانعو السجائر في استعمالها قبل عقود: (اجعلها رائعة، واصنعها لتكون أقلّ حدّة وأكثر نكهة -تبقى السجائر الإلكترونية ذات النكهة هي الأكثر شيوعًا-، أظهِر المشاهير وهم يستخدمونها، قل أنٍها صحية (بالنسبة للسجائر)، ضعها في جهازٍ أملس يشبه منتجات Apple، حتّى تتمكّن من إخفائه بسهولة، بالإضافة إلى إخفاء الدخان الناتج عنه، كي لا تتمكن والدتك من رؤية الدخان يخرج من نافذة غرفة نومك.
إلى أين نتّجه بعد ذلك؟
كطبيبٍ نفسي ومعالجٍ للإدمان، كل هذا مزعجٌ للغاية بالنسبة لي.
لقد قطعنا شوطًا كبيرًا لتقليل السجائر بين المراهقين لدينا، وتظهر بيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) أنّ معدل تدخين الشباب والذي بلغ 36% عام 1997 قد انخفض إلى 8.8% في عام 2017، وهذا بالطّبع ترافق مع تفشي جنون السجائر الإلكترونية بين الشباب.
بالنظر إلى ما نشهده في مركز علاج الإدمان حيث أعمل، ليس هناك شكّ في أن الانفجار في إدمان النيكوتين المستعمل في السجائر الإلكترونية يؤدّي بالفعل إلى انتشار الإدمان على المواد الأخرى.
فيما يلي أمران ينبغي القيام بهما:
1- نحن بحاجةٍ إلى التعامل مع كارثة إدمان النيكوتين، وجزء من ذلك يعني تحميل صانعي السجائر الإلكترونية المسؤوليٍة عن سلوكهم الاستغلالي تّجاه شباب أمريكا.
(ملاحظة: تتعامل شركة Juul حاليًا مع قضيتين قضائيتين كبيرتين)، ومن مسؤوليتنا كبالغين أن نجعل هذه الشركات تتصرف بمسؤوليّة أكبر، والمطالبة بإجراءٍ تعويضي.
2- نحن بحاجةٍ إلى بذل كل ما في وسعنا لمساعدةِ شبابنا على اتّخاذ قراراتٍ ذكية وواعية بشأن السجائر الإلكترونية. إنها ليست بديلاً صحيًا للسجائر، فهي تحتوي على مادة شديدة الإدمان (النيكوتين) وهي التي نعرف عنها، ومن المحتمل أنواع أخرى من المواد السامة التي لا نعرفها حتى الآن.
نظرًا لأن السجائر الإلكترونية وُجدت منذ وقت قصير، لا يُعرف الكثير بعد عن آثارها الصحية على المدى البعيد، ولكن إذا كنّا سنحكم على آثارها المستقبليّة من خلال تجربتها الآن، فسيكون هناك الكثير من الألم والحزن في المستقبل.
- ترجمة: مجدي عوكان
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1