كيف يؤثر التوتر على العمر البيولوجي؟ وما هو الحلّ؟
في إحدى الدراسات الحديثة، تبيّن أن التوتر قد يغيّر بشكلٍ كبير من العمر البيولوجي، ولكن العملية قد تنعكس إذا ما عُرِف السبب!
فقد يتسبب التوتر في العديد من الاضطرابات العاطفية، والأمراض، واستخدام الكثير من العلاجات الدوائية، بالإضافة إلى التغيّرات الحياتية التي تؤثر سلباً على حياة الإنسان.
التوتر المزمن هو نتيجة بقاء الجسم في حالة تأهب قصوى ودائمة، حتى بعد اختفاء المشكلة أو السبب. وطبقًا لدراسة تم نشرها في (Cell Metabolism)، فإنّ العمرَ البيولوجي قد يزيد عندما يكون الأشخاص تحت الضغط النفسي والتوتر المزمن، ولكن يمكن التحايل على الأمر عندما يعالج الموضوع.
وقد استخدم الباحثون ساعات مثيلة الحمض النووي لقياس وملاحظة التغيرات في العمر البيولوجي استجابةً للتوتر عند البشر والفئران، والمثيلة هي تفاعل كيميائي في الجسم حيث تضاف جزيئة إلى الحمض النووي، إلى البروتينات وإلى جزيئات أخرى. قد تؤثر هذه التغيّرات الناتجة عن المثيلة إلى خطر إصابة الشخص بأمراض معينة.
وقد كشفت الدراسة في تجربة واحدة، أجراها العلماء (heterochronic parabiosis)، وهو إجراء جراحي يربط أزواج الفئران التي كان عمرها ثلاثة أشهر وعشرون شهراً لتشارك الدوران الدموي.
قال العلماء أن العمر البيولوجي للفئران قد يزيد بسرعة نسبياً بسبب كون الإجراء عصيب. بعد فصل الفئران، تم استعادة العمر البيولوجي للفئران الصغيرة!
اعتماداً على تلك المعلومات، افترض الباحثون أن الفترات العصيبة الجسدية والعاطفية الطبيعية، يكون لها نفس رد الفعل، محدثة تغيّرات عكسية في العمر البيولوجي.
نظر العلماء إلى الفترات العصيبة التي يمر بها البشر مثل العمليات الجراحية الطارئة، والتعافي بعد الولادة، والتعافي بعد كوفيد-19.
بعد العمليات الجراحية الطارئة، لاحظوا أن الزيادة في العمر البيولوجي أعيدت إلى خط الأساس في غضون أيام بعد العملية. وينطبق الشيء نفسه على التعافي بعد الولادة، على الرغم من أن النساء خضعن للتعافي بمعدلات متفاوتة. بالنسبة لكوفيد-19، عززت الأدوية المثبطة للمناعة تعافي الساعة البيولوجية.
وقد لاحظ الباحثون في النموذجين الحيواني والبشري أن العمر البيولوجي قد يتغير اعتمادًا على:
- المرض
- العلاج الدوائي
- التغيرات الحياتية
- التعرض البيئي
وقالوا إنّ نتائج الدراسة تشير إلى كون العمر البيولوجي مرن ومتأرجح، وطوعياً، وهي أفكار تتحدى التفكير التقليدي بأن العمر يتحرك باتجاه واحد فقط.
قال (فاديم جلاديشيف) الحائز على الدكتوراه ومؤلف الدراسة، وأستاذ الطب في كلية الطب بجامعة هارفارد ومدير طب الأكسدة في مستشفى بريجهام والنساء في بوسطن، في بيان صحفي: “الموجودات تعني أن التوتر الشديد يزيد من الفناء، (على الأقل جزئياً) عن طريق زيادة العمر البيولوجي.
وأضاف، أن هذا المفهوم يشير مباشرةً أن معدلات الوفاة قد تنخفض بانخفاض العمر البيولوجي، وأن قابلية التعافي من التوتر قد يكون عاملاً هاماً للشيخوخة المتأخرة وطول العمر. وأخيراً، العمر البيولوجي قد يكون مقياس مفيد في تقييم التوتر الفيزيولوجي وتخفيفه “.
كيف يؤثر التوتر على الجسم؟
وفقًا ل (Harvard Health) عندما يواجه الإنسان عامل التوتر، أكان حقيقي أو مفترض، فإن هناك رد فعل قتال أو هروب، فيرسل الدماغ إشارات، والجسم يستجيب بالتحضير إما للقتال أو للهروب منه.
ردود الفعل تتضمن:
- ارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
- زيادة معدل التنفس.
- استجابة للألم ضعيفة.
- توسع الحدقات.
- زيادة في الوعي والرصد.
- يتم ضخ الأدرينالين في الجسم، مما يزيد الطاقة والقوة.
ينتج الجسم الكورتيزول مما يساعد في زيادة التيقظ لمواجهة التهديد.
تقول بابيتا سبينيلي، طبيبة نفسية ومستشارة الصحة العقلية في مكان العمل في عيادة خاصة. لمجلة (Medical News Today): “استجابة القتال أو الهروب هي ردة فعل نفسية لاختبار شيء خطر أو مرعب نفسياً أو جسدياً.
وأضافت، تتحقق الاستجابة بتحرير هرمونات صممت للتعامل مع الخطر الذي يواجهه المرء أو يفر منه، بعبارة أخرى، استجابة القتال أو الهروب هي ردة فعل تجاه تجربة أو حدث ينظر إليه على أنه موتر، مرعب أو صادم نفسياً، حيث تفعل استجابة في الجهاز العصبي للفرد وتثير قلق شديد مما يدفع الفرد إما للقتال أو الفرار، مع كون هذا السلوك مصمم للنجاة من ظروف خطرة وقد يكون مفيداً (على المدى القصير)، القتال أو الهروب المستمر دون علاج قد يخلق ردة فعل فيزيائية سلبية في الجسم.
وأضافت سبينيلي: يتوقف كل شيء مؤقتاً أثناء القتال أو الهروب. قد يخلق كون الفرد في حالة القتال أو الهروب مستمرة حالة من الإجهاد المزمن والتي تؤدي إلى تغيّرات في الدماغ، قلق، اكتئاب، اضطرابات في النوم، ارتفاع الضغط، اضطرابات فيزيائية وأمراض. “.
يحصل الإجهاد المزمن لدى الأشخاص غير القادرين على إبطاء ردة الفعل أو الذين يبقون في حالة تأهب حتى بعد زوال السبب الرئيسي للتوتر، فقد تؤدي المستويات المرتفعة من الكورتيزول لفترات ممتدة إلى:
- زيادة الشهية وتراكم النسيج الشحمي
- ارتفاع ضغط الدم
- إجهاد القلب والرئتين
- تثبيط جهاز المناعة
- الأرق
- القلق
- تشنج العضلات
- الصداع
كل هذا يمكن أن يؤثر على الجسم والصحة. وقد كشفت الدراسة الحالية إلى إمكانية أن يأخذ وقتاً من حياتك.
للتخفيف من آثار التوتر
تقول سبينلي: “وجدت أن التوتر يزيد من العمر البيولوجي ويمكن أن يتأثر بشكل إيجابي من خلال إدخال نمط حياة صحي عقلياً وجسدياً، والانتباه لعقلية الفرد، هذا الأمر فعال جداً في التخفيف من التوتر مما يؤثر إيجاباً على الجسم.
وإنَّ الصدمات النفسية وضغوط الحياة الكبرى قد تؤثر على العمر، وبالتالي تؤثر على الصحة العقلية والجسدية للمرء.
وأضافت: “المرض، الجراحة، والتجارب الصادمة قد تؤثر على شعور الفرد وكيفية عيش الشخص في الحياة، بغض النظر عن العمر، الأفراد في العشرينات من العمر قد يشعرون أنهم أكبر سناً عند مواجهة التحديات والصعوبات، إذا لم يجعل المرء مساحة للتعافي ومعالجة الصدمات، فإنها تلحق الأذى بالجسد وتسرع من عملية الشيخوخة. ولكن، من خلال السيطرة على الذات وضبط النفس، والذي أراه مثل الانتباه الفعال للتعافي الجسدي والعقلي، فإن هناك انعكاسات في عملية الشيخوخة البيولوجية. والاستفادة من العادات الصحية في حياة الفرد تساعد على إدارة التوتر والسيطرة عليه بدلاً من سيطرة التوتر عليه”.
وحسب المصدر الآتي Centers for Disease Control and Prevention (CDC)10،
فإنّ دقائق من النشاط اليومي كافية للتخفيف من التوتر.
كما يقترحون الأنشطة التالية:
- التمارين الرياضية: النشاط البدني يحسّن من السلامة العاطفية. الرقص، التحرك، التمدد لمدة عشرة دقائق.
- تمارين التنفس العميق: حاول الجلوس وعينيك مغمضتين وتنفس بعمق. أطلق أنفاسك ببطء وكرر عشر مرات.
- التأمل: التأمل أمر بسيط، اجلس بهدوء لمدة 10 دقائق وركز على أنفاسك. انتبه إلى شعور كل نفس وأنت تستنشق وتزفر. وعندما تلاحظ أن تفكيرك قد تشوش، أعد التركيز على أنفاسك.
- مارس الامتنان: كل يوم، اكتب ثلاثة إلى خمسة أشياء أنت ممتن لها. مع استمرارك في القيام بذلك، قد تصبح أكثر إيجابية على مدار اليوم وتبحث باستمرار عمّا يجعلك سعيدًا.
- كن اجتماعيًا: اقضِ الوقت مع الأصدقاء والضحك معهم. يوفر إنشاء العلاقات إحساسًا بالانتماء ويمكن أن يعطي معنى للحياة.
- استمع إلى الموسيقى: اصنع قائمة تشغيل للموسيقى التي تحبها، واجلس، وأغمض عينيك، واستمع.
- اعتني بجسمك: التمارين الرياضية والأكل الصحيّ والحد من استهلاك الكحول وعدم التدخين أو استخدام منتجات التبغ هي مفاتيح الحياة الصحية.
- اليوغا لتخفيف القلق: العديد من الأشخاص يلجؤون لليوغا للتخفيف من القلق.
يقول The American Osteopathic Association:
أحد أفضل مميزات اليوغا، إلى جانب الفوائد الجسدية، هي قدرتها على مساعدة الشخص في التخلص والسيطرة على القلق.
وتقول أليسون بنزاكين، مدربة اليوغا المعتمدة في Dew Yoga، ل Medical News Today: اليوغا هي ممارسة للمرء بأكمله، وليس فقط للهاوية النفسية التي نجد أنفسنا فيها.
كما تؤثر اليوغا على العصب المبهم. والذي يساعد على تحويل الجهاز العصبي من الاستجابة الودية (القتال أو الهروب) إلى الاستجابة نظيرة الودية (الاستراحة والهضم) مما يخفف من القلق.
وجدت دراسة أن النساء اللواتي أتممن 12 جلسة من اليوغا أظهرن انخفاضًا في التوتر، القلق والاكتئاب، كما لاحظ الباحثون أنه عند استخدام اليوغا كعلاج تكميلي قد تخفض من تكلفة العلاج واستخدام الأدوية لتخفيف الأعراض.
تقول مونتانا ميتشل، المدربة الرئيسية في YogaSix: الذي يميز اليوغا عن طرائق اللياقة البدنية الأخرى هو الاتصال الجسدي العقلي الذي ينشأ من خلال أساليب التنفس المقصودة والمحددة.
أساليب التنفس المعروفة ب pranayama تنشط الجهاز العصبي نظير الودي، وتخفض من معدل ضربات القلب أثناء الراحة. التنفس هو أساس اليوغا.
في السنوات الأخيرة، يركز المزيد من المهنيين الطبيين والعلماء على فوائد الاتصال العقلي الجسدي، والذي ينظر إلى كيف تؤثر أفكارنا ومشاعرنا ومعتقداتنا وسلوكنا إيجاباً أو سلباً على الصحة الجسدية وفقاً لجامعة مينيسوتا.
تقول سبينلي: الاتصال العقلي الجسدي قوي جداً، فيحافظ الجسم على النتيجة وسيؤدي الإجهاد المزمن إلى تآكل الجسم والتسبب في الشيخوخة المبكرة.
- ترجمة: ناديا أبوسمرة
- تدقيق لغوي: غفران التميمي
- المصادر: 1