اكتشاف مُدهش: الجينوم البَشّري في قطعة علكة قديمة!
كشف الباحثون مؤخرًا عن قطعة من مستخلص (شجرة البتولا) الممضوغة في حفرة أثرية في الدنمارك. أثبتت التحليلات الجينية للمواد المتبقية في هذه القطعة وجود مجموعة واسعة من المعلومات حول الفرد الذي مضغها. سُميَ الشخص الذي قام بمضغ الصمغ ب «لولا». عاشت قبل 5700 عامًا، وكانت لديها بشرة داكنة، وشعر داكن، وعيون زرقاء.
وقد قامت (لولا) بمضغ قطعة من الصمغ (العلكة) المصنوعة؛ بتسخين لحاء البتولا. ثم قامت هذه المرأة بالتخلص منه بعيدًا في الوحل على جزيرة في الدنمارك تدعى Syltholm اليوم، حيث اكتشفها علماء الآثار بعد آلاف السنين. أجريت تحليلات جينية للصمغ الممضوغ وقدمت لنا معلومات ثرية حول هذه السيدة العاشقة للعلكة والتي عاشت قبل ما يقارب الستة آلاف سنة.
لأول مرّة يُستَخرَج الجينوم البَشّري القديم من مثل هذه المواد. قال الباحث الرئيسي هانس شرودر في بيان: «من المذهل أن نحصل على جينوم بًشّري قديم كامل من شيء غير العظم».
وأضاف: «وما هو أكثر من ذلك، استرجعنا أيضًا حمض الدنا من الميكروبات الفموية ومسببات الأمراض البَشّرية المهمة، مما يجعلها مصدرًا قيّمًا للغاية للحمض النووي القديم، خاصةً في الفترات الزمنية ليس فيها بقايا بشرية».
في قطعة العلكة، تَعرّف العلماء على حمض نووي لفيروس (إبشتاين بار) الذي يُصيب حوالي 90 بالمئة من البالغين. كما عُثِرَ على حمض نووي يعود للبندق والبط البري، واللذان كانا على الأرجح وجبة (لولا) الأخيرة قبل أن تبصق علكتها.
رؤى حول الشعوب القديمة
عُثِرَ على القطعة الصمغية (العلكة) المشتقة من (شجرة البتولا) على جزيرة لولاند (التي ألهمت باسم لولا) في موقع يُعرف ب «سيلتهولم». قال ثايس جينسن، الذي عمل على الدراسة كجزء من أطروحته الدكتوراه: «سيلتهولم مدينة فريدة تمامًا، حيث تكون معظم الأشياء محاطة بالوحل، مما يعني أن الحفاظ على البقايا العضوية أمر استثنائي للغاية».
وتُعد المدينة أكبر موقع للعصر الحجري في الدنمارك، والأدلّة الأثرية تشير إلى أن الأشخاص الذين احتلوا الموقع كانوا يستغلون موارد الحياة البرية بشكلٍ كبير حتى فترة العصر الحجري الحديث (النيوليتيك)، وهي الفترة التي بدأت فيها الزراعة والحيوانات الأليفة في جنوب شبه الجزيرة الإسكندنافية.
بما أن جينوم (لولا) لا يظهر أي علامات مرتبطة بسكان الزراعة الذين بدأوا يظهرون في هذه المنطقة في الفترة التي كانت تعيش فيها؛ فإنها تقدم دليلًا على فكرة نامية تشير إلى أَن الصيادين استمروا جنبًا إلى جنب مع المجتمعات الزراعية في شمال أوروبا لفترة أطول مما كان يُعتَقد سابقًا.
يدعم جينومها نظريات إضافية حول شعوب شمال أوروبا. على سبيل المثال، بشرتها الداكنة تعزز فكرة أَن السكان الشماليين اكتسبوا تكييف بشرتهم الفاتحة لأَشعة الشمس المنخفضة في أشهر الشتاء فقط في وقت قريب. كما كانت متحسسة لللاكتوز، والذي يعتقد الباحثون أنه كان الأمر العادي لمعظم البَشّر قبل الثورة الزراعية. معظم الثدييات تفقد تحملها لللاكتوز بمجرد أن تبتعد عن حليب أمها، ولكن مع بدء الإنسان في تربية الأبقار والماعز وغيرها من الحيوانات الحلوب؛ استمر تحمله لللاكتوز حتى بلوغه سن البلوغ. كونها نسل صيادي الغذاء؛ لم تكن لدى (لولا) حاجة لهذا التكييف.
هذه النتائج مشجعة بالنسبة للباحثين الذين يركزون على الشعوب القديمة في هذا الجزء من العالم. قبل هذه الدراسة، كانت الأجيال القديمة تستعاد فقط من بقايا البَشّر، ولكن الآن، لدى العلماء أداة أُخرى في مجموعة أدواتهم.
الصمغ الطبيعي من (البتول) يوجد عادة في المواقع الأثرية، غالبًا مع آثار الأسنان.
استخدمت الشعوب القديمة صمغ (لحاء البتولا) وتناولوه لأسباب متنوعة. كان من الشائع تسخينه؛ لجعله قابلًا للتشكيل؛ مما يمكن أَن يتيح استخدامه كلاصق أو عامل تثبيت قبل أن يتصلب. ربما كان مضغ الصمغ وسيلة للحفاظ على قابليته للتشكيل أثناء تبريده. يحتوي أيضًا على مضادات حيوية طبيعية؛ لذا قد يكون مضغ صمغ البتول طريقة شعبية لعلاج مشاكل الأسنان. ونظرًا لأننا نمضغ العلكة اليوم بدون سبب آخر سوى قضاء الوقت، فقد تكون الشعوب القديمة قد مضغوا صمغ البتولا للتسلية.
بصرف النظر عن أسبابهم، تقدم لنا القطع الممضوغة والمهملة من مادة صمغ البتولا إمكانيةً مدهشة لمعرفةِ ماذا تناول شخص ما قبل آلاف السنين في وجبته الغداء، أو لون شعره، وحالته الصحية، ومن أين جاء أجداده، والمزيد. إنها كنز غير متوقع من المعلومات يمكن العثور عليه في قطعة صغيرة من العلكة.
- ترجمة: عبير زبون
- تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
- المصادر: 1