من عبادة الشمس إلى العلم الحديث: التاريخ المثير للدهشة للمعالجة بالضوء
على مدى آلاف السنين، كان لدى البشر مصدرًا واحدًا وواضحًا وموثوقًا للضوء ألا وهو الشمس، ولطالما كنا على دراية بأن الشمس ضرورية لبقائنا على قيد الحياة.
وقد يكون هذا هو السبب في أن الديانات القديمة، مثل تلك الموجودة في مصر واليونان والشرق الأوسط والهند وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، كانت تعبد الشمس.
وغالبًا ما كانت الأديان القديمة مرتبطة أيضًا بمفهوم العلاج. فقد كان المرضى يلجؤون إلى الشامان أو الكاهن أو الكاهنة طلبًا للمساعدة.
بينما استخدمت الشعوب القديمة الشمس للعلاج، ولربما لا يكون الأمر كما تظن.
ومنذ ذلك الحين، استخدمنا الضوء للعلاج بعدة طرق. وقد تكون على دراية ببعضها اليوم، والبعض الآخر يبدو أشبه بالسحر.
من مراهم التدفئة وصولًا إلى حمامات الشمس:
لا يوجد الكثير من الأدلة اليوم التي تشير إلى اعتقاد الشعوب القديمة بأن أشعة الشمس نفسها قادرة على علاج الأمراض. وبدلاً من ذلك، هناك المزيد من الأدلة على أنهم استخدموا حرارة الشمس للعلاج.
تحتوي بردية إيبرس، وهي لفيفة طبية مصرية قديمة تعود إلى حوالي 1500 سنة قبل الميلاد، على وصفة لمرهم “لجعل الأوتار مرنة”.
وكان هذا المرهم مصنوعًا من النبيذ والبصل والسخام والفاكهة ومستخلصات شجرة اللبان والمر. وبمجرد وضعه، كان الشخص “يجلس تحت ضوء الشمس”.
وتوجد وصفات أخرى، لعلاج السعال على سبيل المثال، وتضمنت وضع المكونات في إناء وتركها في ضوء الشمس. ويُفترض أن سبب ذلك هو لتسخينها وجعلها تتشرب بقوة أكبر. وتوجد نفس الطريقة في الكتابات الطبية المنسوبة إلى الطبيب اليوناني أبقراط الذي عاش حوالي 450-380 قبل الميلاد.
وقد كتب الطبيب أريتايوس، الذي كان نشطًا حوالي عام 150 للميلاد فيما يعرف الآن بتركيا الحديثة، أن أشعة الشمس يمكن أن تعالج الحالات المزمنة لما أسماه “الخمول” ولكننا نعرّفه اليوم بالاكتئاب:
“وينبغي أن يُمدد المريض في الضوء ويتعرض لأشعة الشمس، لأن المرض هو الاكتئاب، وفي مكان حار لأن السبب هو احتقان الحرارة الذاتية للمرء”.
ووصف ابن سينا، العالم الإسلامي المعروف كلاسيكيًا (980-1037 م)، الآثار الصحية لحمامات الشمس (في وقت لم نكن فيه على دراية بارتباطها بسرطان الجلد).
وقال في الكتاب الأول من كتاب القانون في الطب أن الشمس الحارقة تساعد في كل شيء من انتفاخ البطن والربو وصولا إلى الهستيريا. وقال أيضًا أن الشمس “تنشط الدماغ” وهي مفيدة “لتنقية الرحم”.
كان من الصعب أحيانًا التمييز بين العلم والسحر:
تعتمد جميع طرق العلاج الموصوفة حتى الآن على حرارة الشمس أكثر من اعتمادها على ضوء الشمس. ولكن ماذا عن العلاج بالضوء نفسه؟
اكتشف العالم الإنجليزي السير إسحاق نيوتن (1642-1727) إمكانية “تقسيم” ضوء الشمس إلى طيف من ألوان قوس قزح.
وقد أدى هذا الاكتشاف والعديد من الاكتشافات الأخرى إلى تغيير جذري في الأفكار المتعلقة بالشفاء في 200 عام التالية.
ولكن مع ازدهار الأفكار الجديدة، كان من الصعب في بعض الأحيان التمييز بين العلم والسحر.
فعلى سبيل المثال، اعتقد المؤمن بالأساطير والحالم الألماني جاكوب لوربر (1800-1864) أن ضوء الشمس هو أفضل علاج لأي شيء تقريبًا. وكان كتابه “القدرة الشفائية لضوء الشمس” الصادر عام 1851 وما زال يُطبَعْ حتى عام 1997.
كما آمنت مُصلحة الصحة العامة فلورنس نايتنجيل (1820-1910) بقوة ضوء الشمس. ففي كتابها الشهير “ملاحظات حول التمريض” قالت عن مرضاها:
“وتأتي حاجتهم إلى الضوء في المرتبة الثانية بعد حاجتهم إلى الهواء النقي ليس فقط الضوء بل ضوء الشمس المباشر”.
اعتقدت نايتنجيل أيضًا أن ضوء الشمس هو العدو الطبيعي للبكتيريا والفيروسات. ويبدو أنها محقة جزئياً على الأقل، إذ يمكن لضوء الشمس قتل بعض البكتيريا والفيروسات ولكن ليس كلها.
وظهرت طريقة العلاج بالألوان، وهي طريقة للشفاء تعتمد على الألوان والضوء، في هذه الفترة. وفي حين يزعم بعض مؤيدي هذه الطريقة أن استخدام الضوء الملون للشفاء يعود إلى مصر القديمة، إلا أنه من الصعب العثور على دليل يدعم ذلك الآن.
ويدين العلاج بالألوان الحديث بالكثير للعقل الخصب للطبيب إدوين بابيت (1828-1905) من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ استند بابيت في كتابه “مبادئ الضوء واللون” الصادر عام 1878 على تجاربه مع الضوء الملون ورؤاه الخاصة ورؤى المستبصرات. ولا يزال الكتاب يُطبَعْ حتى الآن.
واخترع بابيت نافذة زجاجية ملونة محمولة من الزجاج الملون وأطلق عليها اسم “كرومولوم”، وهي مصممة لاستعادة توازن الطاقة الملونة الطبيعية الموجودة في الجسم. وقيل إن الجلوس لفترات محددة تحت الأضواء الملونة المنبعثة من النافذة يعيد للجسم صحته.
قرأ رجل الأعمال الهندي دينشاه غاديالي (1873-1966) عن هذا الأمر، فانتقل إلى الولايات المتحدة واخترع جهازه الخاص “سبكترو كروم” في عام 1920.
وكانت النظرية وراء مطياف الكروم هي أن جسم الإنسان يتكون من أربعة عناصر؛ الأكسجين (الأزرق) والهيدروجين (الأحمر) والنيتروجين (الأخضر) والكربون (الأصفر). وفي حال كانت هذه الألوان غير متوازنة، فإنها تسبب المرض.
ومن شأن بعض الجلسات التي تستمر لمدة ساعة مع جهاز الطيف الكرومي أن تعيد التوازن والصحة. فباستخدام الضوء الأخضر، على سبيل المثال، يمكن أن تساعد الغدة النخامية، بينما يساعد الضوء الأصفر على الهضم.
وبحلول عام 1946، جنى غاديالي حوالي مليون دولار من مبيعات هذا الجهاز في الولايات المتحدة.
واليوم؟
في حين أن بعض هذه العلاجات تبدو غريبة، إلا أننا نعلم الآن أن بعض الأضواء الملونة تعالج بعض الأمراض والاضطرابات.
يُستخدم العلاج بالضوء الأزرق في المشفى لعلاج الأطفال حديثي الولادة المصابين باليرقان. ويمكن علاج الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي (المعروف أحياناً باسم اكتئاب الشتاء) بالتعرض المنتظم للضوء الأبيض أو الأزرق. ويستخدم الضوء فوق البنفسجي لعلاج الأمراض الجلدية، مثل الصدفية.
واليوم، امتد مفهوم العلاج بالضوء ليشمل مجال التجميل. حيث تعطي أقنعة الوجه بتقنية LED، والتي تحظى بإعجاب المشاهير، وعودًا بمكافحة حب الشباب وتقليل علامات التقدم في السن.
ولكن مثل جميع أشكال الضوء، فإن التعرض للضوء له مخاطر وفوائد على حد سواء. وفي حالة أقنعة الوجه بتقنية LED هذه، فإن استخدامها قد يعيق نومك.
- ترجمة: زينب كندسلي/zainab kendasli.
- تدقيق علمي ولغوي: رنا حسن السوقي
- المصادر: 1