
السبب الرئيس لتفرُّد قلب الإنسان بين الثديات
تسكن الثديات، من الحوت الأزرق الضخم إلى النمس الصغير، تقريبًا في كل زاوية من الكوكب. وقد أدهشت قدرتها الملحوظة على التكيف في بيئات مختلفة العلماء، إذ يُطوّر كل نوع سمات فريدة له تساعده على البقاء والازدهار.
وعلى الرغم من هذا التنوع البيولوجي الهائل، كان يُعتقد حتى وقت قريب بأن بنية ووظيفة القلب في الثديات هي نفسها. ولكن أظهرت الأبحاث التي أجريتها أنا وزملائي بأن قلب الإنسان هو استثناء، ويختلف بشكل واضح عن قلوب القردة العظيمة، متضمنةً الشمبانزي والبونوبو والأورنغوتان والغوريلا.
لذا، لماذا البشر هم الاستثناء؟
لقد اختلف البشر عن الشمبانزي (Pan Troglodytes)، السلالة المُشابهة الأخيرة، منذ خمسة إلى ستة مليون سنة. بالمقابل، تطوّر البشر ليقفوا بشكل مستقيم للانخراط في قدر أكبر من النشاط، مثل الصيد المستمر. كما تطوّرت الأدمغة البشرية إلى حد كبير.
وارتبطت هذه التغيرات في الأجسام البشرية بشكل كبير بمعدلات التمثيل الغذائي التي تتطلب ضخ دم أكثر إلى العضلات والدماغ. لذا، اقترحت أبحاثنا بأن قلب الإنسان قد تطوّر لدعم تلك الوقفة المستقيمة والحركات والدماغ الأكبر.
على مدى عشر سنوات، أجرينا تقييمات لنظام القلب والأوعية الدموية للقردة العظيمة في جميع أنحاء العالم. وقد كنا محظوظين كفايةً للعمل مع أطباء بيطريين وموظفي رعاية متفانين في عملهم في المملكة المتحدة وأوروبا وأفريقيا وآسيا.
وكان الجانب المهم من هذه التقارير استخدام الموجات فوق الصوتية للقلب التي تمكنّا من خلالها الوصول إلى وظيفة وبنية القلب، مدى حجمه وكيف تنقبض العضلة وتلتف وتدور.
لقد أشارت أبحاثنا السابقة إلى أن بنية القلب البشري قد تكون مختلفة عن تلك لقلب الشمبانزي، وقد اكتشفنا باستخدام الموجات فوق الصوتية بأن البطين الأيسر، حجرة الضخ الرئيسية في القلب، في الشمبانزي تحتوي على حزم من العضلات مرتبة في شبكة تُعرف ب “التراكيب”.
أردنا أن نتفحص في الدراسة الحالية وجود التراكيب في القردة العظيمة الأخرى، وقد وجدنا أنها موجودة بالفعل. بالمقابل، يمتلك البشر جدارًا أملسًا في البطين الأيسر. وقد لوحظ هذا الاختلاف بشكل خاص في أسفل البطين الأيسر، حيث تكون نعومة القلب البشري تقريبًا أربعة أضعاف تلك الموجودة في قلوب القردة العظيمة.
لم تُظهر أبحاثنا الاختلافات الهيكلية في البطين الأيسر للإنسان مقارنةً بتلك الموجودة في القردة العظيمة فحسب، بل أوضحت أيضًا اختلافًا مهمًا في الوظيفة. فباستخدام تقنية متخصصة تُعرف باسم “الموجات فوق الصوتية بتتبع النقاط”، التي تتتبع حركة العضلة خلال الانقباض والاسترخاء، فحصنا كيفية تضخم عضلة القلب والتوائها ودورانها وتمددها.
وجاءت النتائج ملفتة للنظر. فقد أظهر القلب البشري ذو التراكيب الأقل قدرًا أكثر من الالتواء والدوران في القمة (طرف القلب) خلال الانقباض. بالمقابل، أظهرت القردة مع تراكيبها القلبية الثقيلة، حركةً أقل بكثير.
نحن نعتقد بأن قلب الإنسان تطور بعيدًا عن البنية المتقلبة الموجودة في القردة العظيمة الأخرى لتحسين قدرتها على الالتفاف والانقباض بشكل فعّال. إذ من المحتمل أن الحركة المتزايدة للالتفاف، جنبًا إلى جنب مع جدارن البطين الملساء، تسمح لقلب الإنسان بضخ كمية أكبر من الدم مع كل نبضة، الأمر الذي يُلبي المتطلبات المتزايدة للنشاط الجسدي البشري والدماغ الأكبر.
لقد تحدّت أبحاثنا الفرضية القائلة أن بنية القلب موحدة عند الثديات. وبدلًا من ذلك، ظهرت اختلافات دقيقة ولكنها حاسمة في تشريح القلب ووظيفته استجابةً لتحديات بيئية فريدة.
مرض القلب
بينما أظهرت أبحاثنا الحالية تطور قلب الإنسان، حلّلنا قلوب القردة العظيمة المهددة بالانقراض. وللأسف، وجدنا أن مرض القلب هو السبب الرئيسي للوفاة في القردة العظيمة المُحتجزة.
وعلى عكس البشر، لم يظهر أن القردة العظيمة تصاب بمرض الشريان التاجي. بل إن عضلاتها القلبية تخضع لعملية تليفية، أو تضخم، الأمر الذي يتسبب بضعف الانقباض وزيادة القابلية لعدم انتظام ضربات القلب، التي تكوّن مشكلة في إيقاع نبضات القلب. إن سبب هذا المرض غير معروف. لذا نجري في International Primate Heart Project تقييمات لفيزيولوجية القلب والأوعية الدموية لدى القردة العظيمة في أنحاء العالم لفهم المرض بشكل أكبر.
قبل انضمامنا، كان القليل معروفًا حول فيزيولوجية القلب والأوعية الدموية الطبيعية. ولكن من خلال تعاوننا مع ممارسي الطب البيطري، أنتجت أبحاثنا بيانات أساسية، مما حسن بشكل كبير فهمنا لتطور قلب الإنسان، بالإضافة إلى فهم وتشخيص وإدارة أمراض القلب لدى القردة العظيمة.
- ترجمة: نسرين عنتر
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1