
كيف يمكننا معرفة كيفية انتقال صفة لون العين من الآباء إلى الأبناء؟
يتحدد لون عين الفرد بكمية صباغ الميلانين الموجودة في الطبقة الأمامية لقزحية العين، وهي التركيب المحيط بحدقة العين. وتنتج الخلايا المتخصصة المعروفة بالخلايا الميلانينية، الميلانين، ويُخزّن داخل حُجيرات خلوية تُدعى الجسيمات الميلانينية. ويتمتع الأفراد بعدد متقارب من الخلايا الميلانينية، إلا أن مقدار الميلانين في الجسيمات الميلانينية وعدد هذه الجسيمات ضمن الخلية الميلانينية الواحدة يتباين بين الأفراد.
تتدرج ألوان العيون وفقًا لمقدار الميلانين المخُزن في هذه الحُجيرات. حيث يوجد لدى الأفراد ذوي العيون الزرقاء الحد الأدنى من الميلانين ضمن عدد قليل من الجسيمات الميلانينية. بينما يمتلك الأفراد ذوو العيون الخضراء كمية معتدلة من الميلانيين وعددًا معتدلًا من الجسيمات الميلانينية، في حين أن الأفراد ذوي العيون البنية لديهم كمية كبيرة من الميلانين المخزنة داخل العديد من الجسيمات الميلانينية.
الجينات المسؤولة عن تحديد لون العين
تُحدّد كمية الميلانين المُخزّنة بواسطة جينات تُساهم في إنتاج الميلانين ونقله وتخزينه.
اكتشف الباحثون حتى الآن ما يزيد عن 150 جينًا مُؤثّرًا في لون العين، وتعرف العلماء على بعضها من خلال أبحاث الاضطرابات الوراثية، كما تمكنوا من تحديد جينات أخرى من خلال الدراسات الجينومية التي أُجريت على الفئران والأسماك.
تلعب بعض الجينات دورًا رئيسيًا في تحديد لون العين، بينما يكون لبعضهما الآخر تأثير محدود.
تتضمن منطقةٌ واحدةٌ من الكروموسوم رقم 15 جينين مُتقاربين يؤديان وظيفةً رئيسيةً في تحديد لون العين.
أحد هذين الجينين، المُسمّى OCA2، يُشفّر لبروتين يسمّى بروتين P، وهو مُشارك في نضوج الجسيمات الميلانينية ويؤثر على كمية ونوعية الميلانين المخزن في القزحية.
يتسبب عدد من التغيّرات الجينية (تعدد الأشكال) في هذا الجين في تقليل إنتاج البروتين P ويُنتج عنها لون عين أفتح.
يُدعى الجين الرئيسي الآخر HERC2. يتحكم الإنترون 86 الموجود على هذا الجين في تعبير الجين عن OCA2، حيث يُنشطه أو يُثبّطه وفقًا للحاجة. ويتسبب تعدد أشكالٍ واحد على الأقل في هذا الإنترون في خفض تعبير OCA2 ونشاطه، مما يقلل من كمية بروتين P المنتج.
ويلعب العديد من الجينات الأخرى أدوارًا بسيطة في تحديد لون العين. يُعتقد أن أدوار الجينات ASIP وIRF4 وSLC24 A4 وSLC24 A5 وSLC45 A2 وTPCN2 وTYR وTYRP1 تتحد مع تلك الخاصة بالجينين OCA2 وHERC2.
نمط وراثة لون العين
نظرًا لوجود عدد كبير من الجينات المُساهمة في تحديد لون العين، فإن نمط وراثة اللون، نمط معقّد. على الرغم من إمكانية التنبؤ بلون عين الطفل بشكلٍ عام بمجرد النظر إلى لون عيني الأبوين، إلا أن التغيرات الجينية التي قد تظهر تعني أن الطفل قد يمتلك لون عين مخالف للتوقع.
يُحدَّد لون عين الطفل من خلال تراكُب أزواج الجينات الموروثة من كل من الأبوين، ويُعتقد أنّ ذلك يتضمن ثلاثة أزواج جينية على الأقل. الزوجان الجينيان الرئيسيان اللذان ركز عليهما علماء الوراثة هما EYCL1 (يسمى أيضًا جين gey) وEYCL3 (ويسمى أيضًا جين bey2).
تُعرف متغيّرات الجينات بالأليلات، يمتلك جين gey أليلاً يُعطي لون عيون خضراء، وأليلاً آخر يُعطي لون عيون زرقاء، بينما يمتلك جين bey2 أليلاً للعيون البنية وأليلاً آخر للعيون الزرقاء. ويعد أليل العيون البنية الأليل الأكثر سيادة، ودائما ما يكون سائدًا على الأليلات الأخرى. كما يسود أليل العيون الخضراء على أليل العيون الزرقاء، الذي يكون دائما متنحيًا. هذا يعني أن الآباء الذين يتشاركون في نفس لون العين، لا يزال بإمكانهم إنجاب أطفال بلون عين مختلف.
على سبيل المثال، إذا قام والدان كلاهما من ذوي العيون البنية بتوريث زوج من الأليلات الزرقاء لذريتهما، فسوف يولد الطفل بعيون زرقاء. ومع ذلك، إذا ورث أحد الوالدين أليلاً أخضر، فسيكون لون عيني الطفل أخضر، في حال وجود أليل بني، فسيكون لون عيون الطفل بنية بغض النظر عن طبيعة الأليلات الثلاثة الأخرى.
إلا أن هذا لا يُفسّر لماذا يُمكن لطفلٍ لوالدين ذوي عيونٍ زرقاء أن يمتلك عيونًا بنيًا، كما أنه لا يُوضّح كيفية ظهور العيون الرمادية أو العسلية. هنا يبرز دور الجينات المعدلة والجينات الأخرى المتصلة بلون العين، والطفرات، حيثُ يُمكن أن تؤدي جميعها إلى اختلافات في لون العين. لا يزال العلماء يجرون دراسات مُكثّفة لفهم الكيفية الدقيقة التي تُحدث بها هذه العوامل الأخرى هذه التباينات.
الحالات الوراثية التي تؤثر على لون العيون
تؤثر العديد من الظروف الوراثية على العيون، ومن بينها المهقُ العيني والمهقُ العينيّ الجلديّ.
في المهق العيني، يؤدي النّقص الحادّ في تصبّغ القزحية إلى ظهور عيون فاتحة اللون للغاية واضطرابات بصرية. يُؤثر المهق العينيّ الجلديّ أيضا على تصبّغ القزحية، لكن المشكلة تمتد لتشمل الجلد والشعر أيضا. يميل الأفراد الذين يولدون بهذه الحالة إلى امتلاك بشرة شديدة البياض وشعر أبيض أو أبيض تقريبًا بالإضافة إلى وجود قزحيات ذات لون فاتح للغاية.
تنتج كلتا الحالتين عن طفرات في الجينات المساهمة في إنتاج وتخزين صبغة الميلانين.
يُمكن أيضًا أن يؤدي وجود متغيرات جينية إلى حالة تُدعى تغاير لون العيون (heterochromia)، حيث يمتلك الفرد المُصاب عينين بلونين مختلفين عن بعضهما البعض.
- ترجمة: سارة ابو جلبان
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1