حُمَّى التقليد الأعمى لدُمى الذكاء الاصطناعي

لعلَّك لاحظت مؤخرًا خلال تصفحك لوسائل التواصل الاجتماعي انتشار صور مصغرة لأصدقائك وأفراد عائلتك، وما هو إلا غَيضٌ من فيضِ صيحة جديدة تصوِّر الأشخاص دُمىً ورسومًا متحركةً بحجم الجيب بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل (ChatGPT) و (Copilot).

وانساق المؤثِّرون وأصحاب العلامات التجارية على الإنترنت وراء هذه الصيحة وانهمكوا بتوليد دُماهم المصغرة، في حين دقَّ آخرون نواقيس الخطر والتحذير من الانجرار وراء قناع عفويتها المصطنعة، معلنين أن الخوف ينبغي أن يوَجَّه نحو استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة والبيانات لا نحو فوات آخر الصيحات.

كيف يعمل مُولّد دمى الذكاء الاصطناعي؟

قد تبدو العملية مُعقّدةً للوهلة الأولى إلا أنها في غاية البساطة. ما على المستخدم إلا أن يرفع صورته الشخصية لإحدى أدوات الذكاء الاصطناعي مثل (ChatGPT) مرفقةً بتعليمات مكتوبة توضح النتيجة النهائية الموافقة لرغبته. ولهذه التعليمات أهمية بالغة، فهي تُملي كافة التفاصيل على أداة الذكاء الاصطناعي، ابتداءً بالعناصر المحيطة بالدمية وانتهاءً بنوع الغلاف – في محاكاة لصناديق الألعاب الرائجة مثل (دمية باربي).

كما يتاح للمستخدمين عبر الإنترنت إضفاء طابعهم الشخصي بإضافة أسمائهم ووظائفهم وانتقاء ملابسهم. مع ذلك، لم يكتب لها النجاح المطلق، فقد شارك العديد من المستخدمين بعض الأخطاء الطريفة التي ارتكبتها هذه الأدوات، إذ لم يسجل أي تشابه بينهم وبين الدمى على الإطلاق.

وكغيرها من أدوات توليد الذكاء الاصطناعي، تُعنى مُولِّدات الصور بتجميل الأشياء، فتتلاعب بالمظهر الافتراضي للأفراد. ولم يقتصر استخدامها على العامة، فقد اغتنمتها العديد من العلامات التجارية عبر الإنترنت، من بينهم شركة التجميل (ماريو باديسكو) و (رويال ميل).

ما سرّ جاذبيتها؟

للصيحات أثرٌ آني، إلا أن حرص المستخدمين على أن لا تفوتهم أية صيحة يسوقهم نحو الاتباع الأعمى. وأفادت -رئيسة محللي وسائل التواصل الاجتماعي في (eMarketer) – (ياسمين إنبرغ): “يسهّل الذكاء الاصطناعي التوليدي على المستخدمين ابتكار الصيحات والوقوع في شباكها على الفور”. وأضافت أن سلاسة وسرعة إنشاء محتوى رقمي بفعل هذه التقنية قد يعكر صفو باقي مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وينفرهم منها. بالمقابل، تعتقد أن الصيحات الموجهة بالذكاء الاصطناعي ستغدو مألوفة على صفحاتنا “كما غدت التكنولوجيا جزءًا معتادًا من حياتنا الرقمية”.

ما أبرز عواقبها؟

رغم خفة الظل التي مكنتها من استلاب عقول مستخدميها، فقد أثارت هذه الصيحة انتقادات بعض المعنيين بأثرها البيئي. وصرحت الأستاذة (جينا نيف) من جامعة كوين ماري بلندن لبي بي سي أن ChatGPT: “يستهلك طاقة هائلة”، وأن استهلاك الطاقة الكهربائية للمراكز المشغلة لبياناته تتجاوز استهلاك (117) دولة.

وقال (لانس أولانوف) -المحرر الأمريكي في موقع (TechRadar)- في مقال حول هذه الصيحة: “أقول ممازحاً أهل بيتي أن ثمن توليد كل دمية من دمى الذكاء الاصطناعي يعادل قطع شجرة. بالطبع لا يخلو مزاحي من المبالغة، ولكنني على يقين بضرورة بقاء تكاليف توليد محتوى الذكاء الاصطناعي حاضرة في أذهاننا وأن نراعي استخدامه لما فيه صلاحنا”.

ما الذكاء الاصطناعي وما تأثيره على البيئة؟

أبدى المستخدمون قلقهم من احتمال استخدام البيانات المحمية بحقوق الطبع والنشر لإنشاء تقنية تُولد صورًا دون مقابل. قالت السيدة (نيف): “يعتبر (ChatGPT Barbie) بمثابة تهديد ثلاثي لخصوصيتنا وثقافتنا وكوكبنا. ورغم الطابع الشخصي المحبب الذي تضفيه هذه التقنية، فإنها تضع الشخصيات والعلامات التجارية في بوتقة واحدة وتتنصل من مسؤوليتها عن نتاجاتها الوخيمة”.

في حين تساءلت (جو بروميلو) -مديرة التواصل الاجتماعي والمؤثرين في وكالة العلاقات العامة والإبداع (MSL UK): “أفعلًا تستحق هذه المخرجات الجذابة المسليَّة منا كل هذا العناء؟” وأضافت: “بمقدورنا أن نستثمر الذكاء الاصطناعي أمثل استثمار إذا ما قيدناه بضوابط ضمائرنا”.

تحليل صيحة دمى الذكاء الاصطناعي

بقلم (زوي كلاينمان) -محررة التكنولوجيا في بي بي سي.

بدأ الأمر بمُقترَح على الإنترنت؛ يتكون من لائحة تعليمات يتعين عليَّ إدخالها في أداة الذكاء الاصطناعي فتولد صورتي. يبدأ الأمر برفع صورتك الشخصية مرفقة بقائمة توجيهات نوعية حيال رغبتك الخاصة بما في ذلك مجموعة الملحقات التي ترغب بإدراجها ولون علبتك المُفضَّل.

رُفضت أولى محاولاتي لإدخال مسمَّى وظيفي باعتبار إدراجي ل (أخبار بي بي سي) انتهاكًا لسياسة المحتوى، وأعتقد أن السبب يكمن في عدم إعطاء (بي بي سي) الإذن لبرنامج (ChatGPT) باستخدام مُخرجاته في الوقت الراهن.

وعلى الأرجح بمجرد حصولك على الصورة، سرعان ما سترغب في إضافة تعديلات عليها، فمثلًا أول نسخة لي كانت أشبه ما يكون بالرسوم المتحركة. أما النسخة الثانية التي كانت واقعية نوعًا ما ظهرت فيها أكبر من عمري الحقيقي، والثالثة طفولية للغاية، وفي النهاية ضِقْتُ ذرعًا بمحاولات تصحيح لون عيني الدمية الزرقاوين لتتطابق مع لون عينيَّ البندقي المشرب بِالخُضرة.

استغرق توليد كل نسخة دقيقتين، وكانت العملية أبطأ مما توقعت ربما لكثرة رواجها. وسرعان ما ندمت على الجهد الذي ضيَّعته لأجل صيحة عابرة. فضلًا عن ذلك لم تكن النتيجة مُتقَنة، فحجم دميتي تجاوز حدود مكانها المخصص في الغلاف. والأهم من ذلك كله، أننا نُجهد عددًا لا بأس به من خوادم الحاسب في مراكز البيانات لنصنع دمى زوي المتحركة، بدلًا من توظيفها في قضايا تفوقها قيمةً.

  • ترجمة: آلاء نوفلي
  • المصادر: 1