حان الوقت لكي نفهم آلية العمل الحقيقية لمواقع التواصل الاجتماعي

تحتاج الشركات المسؤولة بمواقع التواصل الاجتماعي أن تعرض بياناتها على باحثين مستقلين وذلك لتفهم بشكل أفضل كيفية الحفاظ على أمان المستخدمين.

باتت مؤخرًا منصات التواصل الاجتماعي وسيلة مليارات من الناس حول العالم للتواصل مع الآخرين، الحصول على المعلومات وبالطبع لفهم منطقي أكثر للعالم من حولهم، وشركات التواصل الاجتماعي هذه مثل فيسبوك Facebook، تويتر Twitter ، انستاغرام Instagram ، تيك توك Tik Tok، وريديت Reddit ، بدورها تجمع كميات هائلة من البيانات معتمدةً على كل هذا التفاعل الذي يحدث على أحد هذه المنصات.

وبالرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي أضحت واحدة من أهم المنتديات الشعبية للتواصل والتعبير عن الرأي، إلا أن العديد من هذه المنصات يتم التحكم بها من قبل عدد قليل من الأشخاص.

مارك زوكيربيرغ يمثل لوحده 58% من نسبة الأصوات في شركة ميتا المسؤولة عن كلٍ من فيسبوك وانستاغرام، وهذا مايعطيه على نحو فعال انفرادية في السيطرة على منصتين من أضخم منصات التواصل الاجتماعي الموجودة حاليًا. والآن بعد قبول مجلس إدارة منصة تويتر عرض الشراء الخاص بإيلون ماسك والبالغ 44 مليار دولار مقابل جعلها أحد أملاكه الشخصية، فهذه المنصة أيضًا ستغدو بعد فترة قصيرة تحت سيطرة رجل واحد.

إن كل هذه الشركات قامت مسبقًا بمشاركة أجزاء ضئيلة فقط من البيانات الخاصة بمنصاتها مع باحثين معينين، وهذا مايمنعنا من فهم التأثير الحقيقي لمواقع التواصل الاجتماعي على الفرد والمجتمع، والملكية الفردية لأكبر ثلاثة منصات تواصل اجتماعي موجودة حالياً تزيد مخاوفنا حول استمرار حجز البيانات وحظر مشاركتها.

اليوم بعد عقدين من قلة التنظيم، حان الوقت لمطالبة الشركات المسؤولة عن مواقع التواصل بالتحلي بالمزيد من الشفافية.

في عام 2020, كان استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهم الآليات التي ساهمت في نشر الادعاءات الكاذبة والمضللة حول الانتخابات، وفي الحشد والتعبئة العسكرية للجماعات التي شاركت في تمرد السادس من كانون الثاني في الكابيتول.

علاوة على ذلك، فقد صادفنا انتشار واسع لكم هائل من المعلومات الخاطئة حول كوفيد 19 عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترة الوباء.

واليوم تفشل جميع مواقع التواصل الاجتماعي في حذف الدعاية المبالغ فيها حول الحرب الروسية الأوكرانية والتي وعدوا بحظرها سابقًا. ونظرًا لما نراه اليوم، فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت قناة لانتشار المعلومات المغلوطة حول أي قضية رأي عام تهم المجتمع البشري.

في الحقيقة نحن لا نعلم ماهية الأزمة القادمة، لكن بإمكاننا أن نؤكد أن ادعاءات خاطئة ومضللة حول هذه الأزمة ستتصدر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

لسوء الحظ الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي هذه بخيلة ومتحفظة جدًا حول نشر أية بيانات خاصة بها أو أبحاث تدرس هذه البيانات وتحديدًا عندما تكون نتائج هذه الأبحاث غير مرحب بها (بالرغم من وجود عدة استثناءات).

فالطريقة الوحيدة المتبقية لدينا لفهم ما يحدث على منصات التواصل الاجتماعي مو مطالبة المشرعين والمنظمين القانونيين هذه الشركات بكشف بياناتها لباحثين مستقلين.

وعلى وجه الخصوص، نحن بحاجة وصول للبيانات المتعلقة ببنى مواقع التواصل الاجتماعي الأساسية، كالميزات الأساسية لهذه المواقع والخوارزميات التي تعمل بها، بالتالي يمكن تحليل كيفية انتشار المعلومات بشكل أفضل وفهم تأثير هذه المواقع على سلوك الأفراد.

على سبيل المثال، القائمين على إدارة هذه المنصات أكدوا للمشرعين القانونيين نيتهم بتنفيذ عدة إجراءات لمواجهة المعلومات الخاطئة والمضللة مثل الإبلاغ عن المحتوى وإدراج عمليات التحقق من صحة الأخبار، لكن هل هذه الجهود المبذولة فعالة بحق؟

للتأكد من ذلك، محددًا نحن بحاجة أن نصل للبيانات الخاصة بهذه المنصات، فبدون هذه البيانات نحن غير قادرين على القيام بنقاش موضوعي لتحديد أية إجراءات متخذة كانت الأكثر فعالية وأيها أكثر توافقاً مع قيمنا، فنحن بشكل آخر يمكن أن نخاطر بوضع قوانين وأنظمة لا تعالج هذه الأضرار بشكل مناسب، ومن دون قصد يمكن أن تجعل هذه المشاكل أسوأ من السابق.

بعض منا تشاور مع المشرعين القانونيين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بشأن إصلاحات تشريعية محتملة، والحديث عن الشفافية والمساءلة بحق الشركات المسؤولة عن مواقع التواصل كان قد نما بشكل أعمق وأكثر موضوعية، لينتقل من العموميات الغامضة ويصل لمقترحات محددة.

ومع ذلك، لازال الجدل الحاصل يفتقر لسياق مهم، فالمشرعين والمنظمين القانونيين يطلبون منا مرارًا وتكرارًا أن نشرح بشكل أوضح الأسباب وراء طلبنا الوصول لهذه البيانات، ونوضح ماهية الأبحاث التي يمكن القيام بها اعتماداً على هذه البيانات وكيف يمكن لها أن تساعد عامة الناس وتحدّث الإجراءات المتبعة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفيد فعلاً.

ولتحقيق هذه المطالب والاحتياجات، وضعنا لائحة الأسئلة هذه والتي يمكن لنا الإجابة عنها إذا ما بدأت الشركات المسؤولة عن مواقع التواصل الاجتماعي بمشاركة قسم أكبر من البيانات التي تُجمَع حول كيفية عمل خدماتهم وكيفية تفاعل المستخدمين مع أنظمتهم، فنحن نؤمن أن هذه الأبحاث ستساعد منصات التواصل الاجتماعي على تطوير أنظمة أكثر أمانًا وجودة، وفي نفس الوقت ستجيب على طلبات المشرعين القانونيين الذين وعدوا بمُسائلة منصات التواصل الاجتماعي حول الوعود التي قطعوها لعامة الناس.

البحث يشير إلى أن المعلومات الخاطئة غالبًا ما تكون جذابة أكثر من أي محتوى آخر، لكن لماذا؟

ما الميزات المتعلقة بالمعلومات الخاطئة الأكثر ارتباطًا مع التفاعل المتزايد للمستخدمين.

الباحثين أشاروا إلى أن حب التجدد والانفعالات العاطفية تعد عوامل مفتاحية في الانتشار الواسع للمعلومات الخاطئة، لكننا لا نزال بحاجة أبحاث أخرى لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب الحقيقية وراء هذه المشكلة.

وتحقيق فهم أفضل لأسباب رواج المعلومات الخاطئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيساعد هذه المنصات في تحسين خوارزميات عملها مما يقلل ترويج المعلومات الخاطئة غالبًا.

البحث يوضح أن تقنيات تحسين التسليم المستخدمة من قبل الشركات المسؤولة عن مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تعظيم إيراداتها وحتى خوارزميات عرض الإعلانات بحد ذاتها يمكن أن تكون تمييزية.

فهل من المحتمل أن تكون مجموعات معينة من المستخدمين أكثر عرضة من غيرهم لرؤية إعلانات مؤذية أو احتيالية على سبيل المثال؟ وهل هناك مجموعات أخرى أقل عرضة لرؤية إعلانات مفيدة كفرص العمل مثلا؟ فكيف يمكن لشبكات الإعلانات تحسين آليات تسليم وتوزيع الإعلانات لتكون أقل تمييزًا بين المستخدمين؟.

الشركات المسؤولة عن مواقع التواصل الاجتماعي تحاول محاربة المعلومات الخاطئة عن طريق وسم المحتوى من مصادر مشبوهة مشكوك بصحتها، وذلك أملًا بدفع المستخدمين نحو نشر وتناقل معلومات أكثر دقة.

إن نتائج التجارب الإحصائية تظهر أن طريقة وسم المحتوى المشبوه هذه كان لها تأثيرات مختلطة على كل من المعتقدات والسلوك.

فنحن بحاجة أن نعرف ما إذا كان وسم المحتوى المشبوه فعال عندما يصادفه المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي، وهل هذه الآلية تسهم في تقليل انتشار المعلومات الخاطئة أم أنها تجذب اهتمام المستخدمين نحو منشورات يمكن أن يتجاهلوها في حالات أخرى؟ وهل المستخدمين بدؤوا أساسًا بتجاهل التحذيرات حول المحتويات المشبوهة وذلك كلما أضحوا أكثر ألفةً معها؟.

دراسات داخلية لدى شركة تويتر تقر بأن خوارزميات تويتر تبالغ في الترويج لمصادر الأخبار السياسية والسياسيين ذوي الميول اليمينية أكثر من الحسابات الخاصة بالسياسيين ذوي الميول اليسارية في ستة من سبعة بلدان أجريت عليها الدراسة، فهل الخوارزميات الأخرى التي يتم استخدامها من قبل منصات التواصل الاجتماعي الأخرى تظهر تحيز سياسي أيضًا؟.

نظرًا للدور المركزي الذي تلعبه الآن في الحوار العام، منصات التواصل الاجتماعي تمتلك سلطة ونفوذ كبير في تحديد من يمكنه التحدث، فالأقليات يشعرون غالبًا بأن آراءهم مكتومة عبر الإنترنت وذلك نتيجة لقرارات الإشراف على المحتوى المتخذة من قبل منصات التواصل الاجتماعي.

فهل هذه القرارات المتخذة بشأن تحديد المحتوى المسموح تداوله على منصة ما يؤثر على مجموعات معينة بشكل تمييزي غير متناسب؟ وهل منصات التواصل الاجتماعي تسمح لبعض المستخدمين بكتم آراء مستخدمين آخرين وذلك من خلال سوء استخدام أدوات الإشراف على المحتوى الخاصة بكل منصة ومن خلال أنظمة إزعاج صممت خصيصاً لإسكات وجهات نظر معينة؟

إن الشركات المسؤولية عن مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن ترحب بالمساعدة المقدمة من باحثين مستقلين وذلك ليتمكنوا من قياس مقدار الضرر الحقيقي.

لعض الشركات مثل تويتر وريديت كانت متعاونة لكننا لا يمكن نعتمد على النوايا الحسنة لعدد قليل من الشركات، والتي من الممكن أن تستبدل سياساتها بمجرد تغير مالكها، ونأمل أن يقود إيلون ماسك تويتر في المستقبل القادم بشكل متعاون كالسابق أو حتى بسياسيات جديدة أكثر وضوحًا.

في بيئتنا تغير المعلومات محكوم بالسرعة لذا لا يجب أن نشرع وننظم قوانين اعتمادًا على حكايات أو قصص غير مثبتة، نحن بحاجة المشرعين القانونيين ليضمنوا لنا الوصول للبيانات التي نحتاجها للمساعدة في الحفاظ على أمان أكبر للمستخدمين.

  • ترجمة: محمد علي
  • تدقيق علمي ولغوي: بلال سلامة
  • المصادر: 1