تقنية جديدة يمكن أن تجعل الخزعات شيئًا من الماضي!

طور فريق هندسة في كولومبيا تقنية يمكنها استبدال الخزعات التقليدية وعلم الأنسجة بالتصوير الفوري للجسم الحي وتم وصف هذه التقنية في ورقة بحثية جديدة نشرت في مجلة Nature Biomedical Engineering.

و MediSCAPE هو مجهر ثلاثي الأبعاد فائق السرعة يستطيع التقاط صور لبنية الأنسجة وتوجيه الجراحين للتنقل بين الأورام وحدودها دون الحاجة إلى إزالة الأنسجة وانتظار نتائج التشريح المرضي.

من الشائع بالنسبة للعديد من الإجراءات الطبية وخاصة جراحة الأورام والمسح، أن يأخذ الأطباء خزعة من الأنسجة ويقطعون قطعًا صغيرةً منها ليتمكنوا من دراستها باستخدام المجهر.

توضح الدكتورة في الهندسة الطبية الحيوية وعلم الأشعة في جامعة كولومبيا والمؤلفة الرئيسية للدراسة اليزابيث هيلمان «لم تتغير الطريقة التي تعالج فيها عينات الخزعة منذ مئة عام، إذ يقوم الأطباء بقطعها وتثبيتها في شرائح وإضافة الأصبغة عليها ثم وضعها على شريحة زجاجية ومعاينتها من قبل أخصائي تشريح مرضي بواسطة المجهر البسيط وهذا هو سبب أن سماعك لتشخيصك يأتي بعد أيام من أخذ الخزعة».

حلم فريق هيلمان ببديل جريء وتساءل إذا كان بإمكانهم التقاط صور للأنسجة وهي لا تزال داخل الجسم. ووفقًا لها «يمكن لهذه التقنية أن تقدم للطبيب تقييم لحظي حول نوع الأنسجة التي يبحثون عنها دون الانتظار لوقت طويل وستوفر لهم اتخاذ القرارات حول أفضل السبل لاستئصال الورم والتأكد من عدم ترك أي أثر منه».

تكمن الفائدة الرئيسية الأخرى لهذه الطريقة في أن قطع الأنسجة لمعرفة ما نوعها هو قرار صعب بالنسبة للأطباء خاصةً عندما تكون الأنسجة لأعضاء أساسية مثل المخ والحبل الشوكي والأعصاب والعين والأنسجة حول الوجه وهذا يعني أن الأطباء يمكن أن يتجنبوا مناطق مهمة من المرض. تقول هيلمان: «نأمل أن تجعل MediSCAPE هذه القرارات شيئًا من الماضي نظرًا لأننا نصور الأنسجة الحية دون قطعها».

بالرغم من أن بعض المجاهر متوفرة بالفعل من أجل توجيه الجراحيين إلا أنها تعطي الأطباء صورة لجزء صغير ثنائي الأبعاد فقط مما يجعل من الصعب مسح مناطق أكبر من الأنسجة بسرعة وتفسير النتائج. تتطلب هذه المجاهر عادةً صبغة متألقة ليتم حقنها في المريض مما يستغرق وقتًا ويحد من استخدامها لبعض المرضى.

طورت هيلمان -وهي أيضًا دكتورة هربرت وفلورنس إيرفينغ في جامعة كولومبيا، معهد السلوك الدماغي- خلال العقد الماضي أنواعًا جديدة من المجاهر لأبحاث علم الأعصاب التي يمكنها التقاط صور ثلاثية الأبعاد سريعة جدًا لعينات حية مثل الديدان الصغيرة والأسماك والطيور لرؤية كيف تطلق الخلايا العصبية السيالة عبر أدمغتها وأجسادها عندما تتحرك.

قرر الفريق اختبار فيما إذا كانت تقنيتهم التي تدعى SCAPE يمكن أن ترى أي شيء مفيد في أنسجة أجزاء أخرى من الجسم.

تقول كريبا باتيل وهي حاصلة على درجة الدكتوراه حديثًا من مختبر هيلمان ومؤلفة رئيسية للدراسة «إحدى الأنسجة الأولى التي نظرنا إليها كانت كلى فأر جديدة وقد اندهشنا عند رؤية بنى رائعة تشبه إلى حد كبير ما تحصل عليه باستخدام علم الأنسجة التقليدي، والأكثر أهمية أننا لم نضف أي صبغات إلى الفأر وجميع الأشياء التي شاهدناها كانت عن ومضان طبيعي في الأنسجة التي عادةً ما تكون صعبة الرؤية. مجهرنا فعال بشكل كبير إذ تمكنا من رؤية هذه الإشارات الضعيفة جيدًا بالرغم من أننا كنا نصور بأحجام ثلاثية الأبعاد وبسرعات كافية للتنقل في الوقت الحاضر ومسح مناطق مختلفة من الأنسجة كما لو كنا نحمل مصباحًا يدويًا».

وأثناء تحركها تمكنت باتيل من تجميع الأحجام المكتسبة معًا وتحويل البيانات إلى تمثيلات للنسيج بشكل كبير وثلاثي الأبعاد بحيث يمكن أن يفحصها اختصاصي في علم الأمراض كما لو كان صندوقًا كاملًا من شرائح الأنسجة.

تقول الدكتورة المشاركة شانا كولي وهي اختصاصية في أمراض الكلى في المركز الطبي بجامعة كولومبيا والتي تعاونت عن كثب في الدراسة «هذا شيئًا لم أكن أتوقعه، أنه يمكنني في الواقع النظر إلى البنى ثلاثية الأبعاد من زوايا مختلفة. لقد وجدنا العديد من الأمثلة حيث لم نتمكن من تحديد البنية من جزء ثنائي الأبعاد في شريحة الأنسجة ولكن تمكنا من رؤيتها بوضوح في الشكل ثلاثي الأبعاد. خصوصًا في علم أمراض الكلى إذ نعمل بشكل روتيني بكميات محدودة جدًا من الأنسجة فكلما زادت المعلومات التي يمكننا الحصول عليها من العينة كان ذلك أفضل لتقديم رعاية أكثر فعالية للمرضى».

أظهر الفريق قوة MediSCAPE من خلال مجموعة واسعة من التطبيقات مثل تحليل سرطان البنكرياس في الفئران واهتمام كولي بالتقييم السريع غير المدمر لأعضاء زرع في الإنسان مثل الكلى. ساعدت كولي الفريق في الحصول على عينات جديدة من الكلى البشرية لإثبات أن MediSCAPE يمكن أن يرى علامات منبهة لأمراض الكلى التي تتطابق بشكل جيد مع صور الأنسجة التقليدية.

لاحظ الفريق أيضًا أنه من خلال تصوير الأنسجة وهي مازالت حية في الجسم فإنه يمكنهم الحصول على معلومات أكثر من الحصول عليها من الخزعات المستأصلة غير الحية. ووجدوا أنه يمكنهم بالفعل تصور تدفق الدم عبر الأنسجة ورؤية التأثيرات على المستوى الخلوي للاحتشاء وإعادة التروية (قطع إمداد الدم إلى الكلى ثم السماح له بالتدفق مرة أخرى).

تقول هيلمان: «من أجل فهم ما إذا كانت الأنسجة ما تزال جيدة وتحصل على إمدادات جيدة من الدم أثناء الإجراءات الجراحية أمر مهم حقًا. لقد أدركنا أيضًا أنه إذا لم يكن علينا إزالة وقتل الأنسجة لفحصها فيمكننا العثور على العديد من الاستخدامات لـ MediSCAPE حتى من أجل الإجابة على أسئلة بسيطة مثل ما هو هذا النسيج؟ أو للتنقل حول الأعصاب المهمة. كلا هذين التطبيقين مهمان جدًا للعمليات الجراحية الروبوتية والجراحة التنظيرية إذ يقيد الجراحون بشكل كبير في استخدام قدرتهم على التعرف على الأنسجة والتفاعل معها بشكل مباشر».

كانت الخطوة النهائية الحاسمة للفريق هي تقليل القالب الكبير لمجاهر SCAPE القياسية في مختبر هيلمان إلى شيء يتناسب مع غرفة العمليات ويمكن أن يستخدمه الجراح في جسم الإنسان. عمل وينكسون ليانغ الحاصل على درجة ما بعد الدكتوراه مع الفريق لتطوير نسخة أصغر من النظام مع عامل شكل أفضل وغطاء تصوير معقم. ساعد المرشح لدرجة الدكتوراه مالتي كاسبر في حصول الفريق على العرض التوضيحي الأول لـ MediSCAPE داخل إنسان وجمع صورًا لمجموعة من الأنسجة داخل الفم وحوله. تضمنت هذه النتائج التصوير السريع إذ أن أثناء قيام أحد المتطوعين بلعق نهاية مسبار التصوير تم إنتاج مناظر ثلاثية الأبعاد مفصلة لحليمات اللسان.

يعمل الفريق على التسويق والحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء حرصًا منه على نقل هذه التكنولوجيا إلى المستوى التالي ودخولها إلى تجربة سريرية أكبر. تضيف هيلمان: «نحن مندهشون جدًا لرؤية ما تكشفه MediSCAPE في كل مرة نستخدمها على نسيج جديد وخاصة أننا بالكاد كنا بحاجة إلى إضافة أصبغة لرؤية البنى التي يمكن للاختصاصيين في علم الأمراض التعرف عليها».

تأمل هيلمان وفريقها في أن يجعل MediSCAPE علم الأنسجة التقليدي شيئًا من الماضي مما يضع قوة علم الأنسجة في الوقت الحالي واتخاذ القرار في أيدي الجراح.

  • ترجمة: مجد علي
  • تدقيق علمي ولغوي: فينوس شعبان
  • المصادر: 1