لماذا يخدع الناس أنفسهم؟
إن خداع النفس أمرٌ طبيعي ويمكن أن يكون مفيدًا على المدى القصير؛ ولكن ليس على المدى الطويل.
حلل فريقٌ فلسفي من جامعة روهر بوخوم (RUB) وجامعة أنتويرب (University of Antwerp) الدور الذي يؤديه خداع النفس في الحياة اليومية والاستراتيجيات التي يستخدمها الناس لخداع أنفسهم. وفقًا لنظريتهم، يساعد خداع النفس الناس على البقاء متحفزين في المواقف الصعبة. نُشر المقال في 6 كانون الثاني/يناير 2022.
أربع استراتيجيات لخداع النفس
يقول ألبرت نيوين من معهد RUB للفلسفة: «يخدع كل الناس أنفسهم، وفي كثيرٍ من الأحيان أيضًا»، «على سبيل المثال، إذا كان الأب مقتنعًا أن ابنه طالب جيد وأتاه ابنه بعلاماتٍ سيئة، قد يقول أولًا أن المادة ليست بتلك الأهمية أو أن المعلّم لم يشرحها جيدًا». يطلق الباحثون على هذه الاستراتيجية من خداع النفس استراتيجية إعادة تنظيم المعتقدات.
يصفون في مقالهم ثلاث استراتيجياتٍ مٌستخدمةٍ على نحو أكثر يستخدمها الناس مبكرًا من أجل منع التعرض للحقائق غير السارة في المقام الأول.
يشمل ذلك اختيار الحقائق على نحو هادف: يتجنب الناس الأمكنة أو الأشخاص الذين قد يجذبون انتباههم باتجاه الحقائق الإشكالية، مثل مؤتمر الآباء والمعلمين. وهناك استراتيجية أخرى تقوم على رفض الحقائق من خلال التشكيك بمدى مصداقية المصادر. ولطالما يسمع الأب مشاكل ابنه الأكاديمية بشكل غير مباشر من دون رؤية درجاته، فإن بإمكانه تجاهل تلك المشاكل. يطلق نيوين ومارشي على الاستراتيجية الأخيرة استراتيجية توليد الحقائق من حالة غامضة: «على سبيل المثال، إذا اقترح مدرس الرياضيات اللطيف فكرة عدم تكيف ابنه بلطف، وكان الأب يتوقع بيانًا واضحًا في حالة وجود صعوبات، فقد يفسّر الأب اللطافة الكبيرة والوصف اللطيف كتقييم إيجابي لقدرات ابنه».
يصف الباحثون الاستراتيجيات الأربع كميول تفكير نفسي نموذجية. خداع النفس ليس ضارًا أو غير منطقيٍّ بالنسبة للناس على المدى القريب، لكنه كذلك على المدى المتوسط والبعيد. يقول نيوين: «هذه الاستراتيجيات ليست طرقًا ضارة للقيام بالأشياء، بل هي جزء من الوسائل الإدراكية الأساسية التي يقوم بها الناس لصون نظرتهم حول أنفسهم وحول العالم». في الأحوال الطبيعية مع القليل من التغييرات، يكون الميل للتمسك بالآراء المثبتة أمرًا مفيدًا ومتجذرًا بعمق خلال عملية التطور. يضيف الباحث من بوخوم: «على أية حال، يكون هذا الميل الإدراكي كارثيًا عندما يتعلق الأمر بالتحديات الجديدة التي تتطلب تغييرات سريعة في السلوك».
لنأخذ حالة فيروس كورونا كمثال
يعطي نيوين مثالًا من حالة فيروس كورونا: «إذا كان الناس في المراحل المبكرة من الجائحة مشككين بشأن إمكانية بقاء ظهور آثار جانبية غير متوقعة بسبب اللقاح، فإن ذلك تحذير معقول يمكن للناس مواجهته والتقليل منه عبر الالتزام الصارم بالقواعد الاحترازية.
يوضح أيضًا أن خداع النفس يمكن أن يساعد في تجنب ردود الفعل الناتجة عن الهلع». «إذا اتضح أن الآثار الجانبية للقاح محدودة على المدى المتوسط، فإن الشك في هذه الحالة غير معقول ويتحول لخطر مباشر على حياة الشخص وحياة الآخرين. كما يتضمن خداع النفس تقييماتٍ منحرفة للخطر، لأن المخاطر الصحية الناتجة عن الاستغناء عن اللقاح أكبر بكثير من تلك الناجمة عن اللقاح. وبالتالي يمكن لخداع النفس أن يثبّت صورة الشخص عن ذاته، وطرق التفكير الراسخة والدافع للعمل في الأوقات العادية، لكنه يصبح ضارًا في أوقات الأزمات التي تتطلب إعادة التفكير بطرقٍ جذرية وطرق جديدة للعمل، ويعرض المجتمع للخطر».
- ترجمة: فارس نمنوم
- تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
- المصادر: 1