دراسة تبيّن أن الثقوب السوداء الهائلة قد تأتي من بدايات متواضعة نسبيًا
نعلم جميعًا وجود ثقب أسود ضخم في مركز مجرتنا. يطلق عليه القوس (اختصارًا Sgr A*) وله كتلة تعادل 4 ملايين كتلة من الشمس. لقد رأينا صورة راديو له قبل بضعة أسابيع، تُظهر قرص التراكم الخاص به.
لذلك، نحن نعلم أنه هناك. يمكن لعلماء الفلك أن يخططوا رسمًا بيانيًا لأفعاله عندما يلتهم المادة من حين لآخر ويمكنهم أن يروا كيف يؤثر في النجوم القريبة.
ما زال علماء الفلك يحاولون فهم كيفية تشكل *Sgr A
يبدو أن الإجابة تتضمن ثقوبًا سوداء أصغر، خاصةً تلك الموجودة في ما يسمى بالمجرات القزمة. وفقًا لورقة بحثية نُشرت سابقًا في صحيفة الفيزياء الفلكية من قبل علماء الفلك في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، هناك خزينة كاملة لهم هناك.
توجد هذه الأشياء داخل العديد من المجرات القزمة وقد توفر رابطًا مفقودًا لنمو الثقوب السوداء الهائلة في المجرات الأكبر.
الثقوب السوداء الضخمة (والهائلة) ومخابئها
إذًا، دعونا نتعمق في هذا أكثر قليلًا، بدءًا من الثقوب السوداء الهائلة، إنها قابعة في مركز العديد والعديد من المجرات. هذه الوحوش لها ملايين أو بلايين من الكتل الشمسية. السؤال هو كيف أصبحوا بهذا الحجم؟
تتضمن الإجابة موضوعًا نراه عبر علم الفلك وعلوم الكواكب بما نصفه بالنماذج الهرمية. هذه طريقة رائعة للقول أن الأشياء الكبيرة تنشأ من أشياء أصغر.
على سبيل المثال، تبدأ الكواكب كحبيبات غبار تلتصق ببعضها البعض لتكوين صخور، تجتمع بدورها لينتج عنها كويكبات تتصادم معًا مكونةً كواكب صغيرة، ثم تتكتل على بعضها البعض لتكوين كواكب.
تشكيل المجرة له نموذج هرمي خاص به أيضًا. ما الذي يخلق واحدةً من تلك المدن النجمية؟ بدأت المجرات مثل مجرة درب التبانة كمجموعة من الغازات في بدايات الكون.
شكّل هذا الغاز نجومًا تطورت وماتت ونشرت موادها للمساعدة في تكوين أجيال جديدة من النجوم (وكواكبها).
تشبه المجرات القزمية المجرات البدائية في نواحٍ كثيرة، أكثر من كونها المجرات الحلزونية والإهليليجية المتطورة.
حسنًا، لقد بسطنا الأمور هنا لإلقاء نظرة على موضوع معقد يشغل كتبًا دراسية كاملة. وهذا حتى قبل أن نصل إلى عمليات اندماج المجرات.
إنماء مجرة كبيرة من مجرات أصغر
لنلقِ نظرة عن كثب على ماضي مجرة درب التبانة. لديها تاريخ اندماج واسع النطاق يعود إلى مليارات السنين. لقد بدأت كطفل رضيع (ربما كانت قزمًا) منذ قرابة 14 مليار سنة، وأُدمجت المجرات الصغيرة الأخرى معها.
في النهاية، حصلنا على مجرتنا التي نعيش فيها ونعرفها جميعًا اليوم. (ودعونا لا ننسى أنها ستندمج في الواقع مع مجرة أندروميدا في غضون بضعة مليارات من السنين).
لذا، فإن المجرات الصغيرة التي اندمجت لتكوّن مجرة درب التبانة الحالية؛ هناك احتمالات جيدة بأن بعضها كانت أقزامًا. إنهم أبناء العمومة الصغار من الحلزونات اللولبية الكبيرة والإهليليجية. ربما يكون للمجرة النموذجية من ألف إلى مليار نجم، وتملك شكلًا غير منتظم.
يسمي علماء الفلك نجومها بـ«فقيرة المعادن» (بمعنى أنها في الغالب تتكون من الهيدروجين والهيليوم). وهذه المجرات الصغيرة الغريبة تحوم حول بعض المجرات الكبيرة مثل الحشرات المضيئة. في بعض الأحيان تقوم المجرات الكبيرة بسحبها باتجاهها وابتلاعها.
يوجد في درب التبانة قرابة 20 مجرة أو نحو ذلك تدور حولها. أحدها -مثل مجرة القوس القزمة- يجري تفكيكها في أثناء قراءتك لهذا المقال، إذ إنها قامت بالرحلة عبر مجرتنا عدة مرات.
يبدو أن المجرات القزمة مثل هذه يمكن أن تحتوي على ما يسمى «الثقوب السوداء المتنامية» كجزء من بنيتها. كيف لنا أن نعرف هذا؟ وجد علماء الفلك طرقًا لمسح الكون القريب للبحث عن المجرات القزمة المرشحة ذات الثقوب السوداء المتنامية.
إيجاد الثقوب السوداء في كل الأماكن الصغيرة
وجد فريق نورث كارولينا بالفعل عددًا من هؤلاء الأقزام. بدأ كل شيء عندما طرحوا السؤال التالي: من أين تأتي الثقوب السوداء الهائلة؟
يبدو أن الإجابة هي أنها تنمو بفعل الاصطدام بالثقوب السوداء الأخرى. هذا منطقي في حال حدثت بطريقة النموذج الهرمي، إذ يمكن أن تتصادم الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية الصغيرة، خاصةً في البيئات المزدحمة (مثل مجرة قزمة أو كُتل كثيفة مستقرة). وفي النهاية، يشكلون كتلًا أكثر ضخامة.
مثل هذه «الثقوب السوداء المتنامية» تُرى في المجرات الكبيرة الساطعة، لكن ماذا عن المجرات القزمة؟ هل يمكن أن يكون لديها ثقوب سوداء؟ إذا كانت الإجابة نعم، فما مدى وفرة هذه المجرات الصغيرة؟ وهل يمكن أن تكون مفتاحًا لفهم نمو الثقوب السوداء الهائلة؟
للحصول على إجابات لجميع هذه الأسئلة، بدأ فريق بقيادة أعضاء هيئة التدريس في UNC-Chapel Hill شيلا كانابان ومغدا بوليميرا في العمل، إذ حللوا بيانات المجرات من عدة استطلاعات للبحث عن أدلة على الثقوب السوداء المتنامية. وبحث الفريق عن الانبعاثات الساطعة مثل تلك التي تراها مُشيرةً إلى تشكل النجوم أو حول الأقراص المتنامية للثقب الأسود.
جاءت بياناتهم من مسح Sloan الرقمي للسماء، بالإضافة إلى التحليل الطيفي للحجم المحلي (RESOLVE) وكتيب السياق البيئي (ECO).
ووجدوا أدلة على ثقوب سوداء متنامية في نسبة كبيرة من المجرات القزمة. أحيانًا يجري «التخلص» من هذه المجرات من مسوحات لمجرات أكثر سطوعًا وأكبر لأن انبعاثاتها ليست مفهومة جيدًا (أو لم تكن كذلك)، واتضح أيضًا أنها كنز دفين لأبحاث الثقوب السوداء.
تكشف الانبعاثات الساطعة عن الثقوب السوداء
دلت الانبعاثات القوية التي تطلقها المناطق المحيطة بالثقوب السوداء على وجودها، إذ قارنت كانابان اكتشاف الثقب الأسود هذا بمصدر مألوف للضوء هنا في بعض الأماكن على الأرض.
وقالت: «تمامًا مثل الحشرات المضيئة، لا نرى الثقوب السوداء إلا عندما تضاء -في أثناء نموها- وتعطينا الثقوب المضاءة دليلًا على عدد الثقوب التي لا يمكننا رؤيتها».
بشكل أساسي، تتحدث كانابان والفريق عن المجرات القزمة ذات الثقوب السوداء النشطة في مركزها (بمعنى آخر، نوى المجرة النشطة).
بالطبع، هناك أسباب أخرى تجعل المجرة القزمة ذات انبعاثات قوية. على سبيل المثال، يمكن أن يكون للمجرات القزمة طفرات هائلة من تشكل النجوم. يتسبب هذا النشاط في انبعاثات طيفية ساطعة أيضًا.
قال بوليميرا: «لقد شعرنا جميعًا بالتوتر»، كان السؤال الأول في ذهني: هل أغفلنا الطريقة التي يمكن من خلالها أن يفسر التشكل النجمي الشديد وحده هذه المجرات؟».
قضت بوليميرا سنوات في البحث عن أي تفسيرات بديلة لهذه المجرات القزمة AGNs. بعد استبعاد جميع الاحتمالات الأخرى، فإن الثقوب السوداء المتنامية تناسب البيانات بشكل أفضل.
الآثار المترتبة على وحوش الثقب الأسود المتنامية
يعيدنا اكتشاف الثقوب السوداء المتنامية في المجرات القزمية إلى مجرة درب التبانة وثقبها الأسود المركزي.
واستنادًا إلى الآثار المترتبة على أبحاث نورث كارولينا، فإن من المحتمل جدًا أن يكون *Sgr A قد نما كما نمت مجرتنا. لم تختلط عمليات الاندماج السابقة بالنجوم فحسب، بل كان بإمكان كل مجرة قزم أيضًا أن تجلب معها ثقبًا أسودًا متزايدًا خاصًا بها.
كان على المجرات الذهاب إلى مكان ما، أليس كذلك؟ لذا، لماذا لا تنجذب المجرات لبعضها البعض ليضيفوا إلى عظمة *Sgr A؟
وأضافت كانابان: «الثقوب السوداء التي وجدناها هي اللبنات الأساسية للثقوب السوداء الهائلة مثل تلك الموجودة في مجرتنا درب التبانة». «هناك الكثير الذي نريد أن نتعلمه عنهم».
- ترجمة: عبير زبون
- تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
- المصادر: 1