من يسافر يتمتع بصحة أفضل

  • وفقًا لدراسة استطلاعية جديدة أجريت على مجموعة من الناس من المملكة المتحدة، فإن القيود المفروضة على السفر خارج المنطقة المحلية (محل الإقامة) مرتبطة بالتدهور الصحي.
  • بالمقابل، إن الأشخاص الذين يسافرون بعيدًا عن محل إقامتهم يتمتعون بصحة أفضل.
  • وإن عدم قدرة الأشخاص على السفر يجعل لديهم علاقات اجتماعية أقل، وهو أحد أسباب الإحساس بالوحدة.
  •  تركز الدراسة على شمال إنجلترا، وهي منطقة ذات نتائج صحية سيئة مقارنةً ببقية مناطق إنجلترا، حيث تمتلك خدمات نقل محدودة خارج المناطق المدنية الكبيرة.

أظهرت دراسة إحصائية أجراها باحثون في مركز دراسات النقل بجامعة كوليدج لندن في المملكة المتحدة، كيف يشعر الناس أن السفر -والحواجز التي تحول دونه- تؤثر على صحتهم.

وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يواجهون قيودًا على قدرتهم على السفر خارج محل إقامتهم، أو للأماكن التي يرغبون بزيارتها، يبلغون عن صحة أسوأ، بينما أولئك القادرون على السفر بعيدًا عن محل إقامتهم يشعرون أنهم يتمتعون بصحة أفضل.

نشرت نتائج الدراسة في مجلة النقل والصحة Journal of Transport & Health.

تلقى الباحثون التمويل لدراستهم من هيئة النقل البريطانية Transport for the North.

كيف جرت الدراسة؟

حددت الدراسة أن السفر المحلي يبعد 15 ميلًا أو ما يعادل 24 كيلومترًا بعيدًا عن المنزل أو محل الإقامة.

حلل مؤلفو هذه الدراسة ردود 2747 شخصًا من سكان شمال إنجلترا فيما يتعلق بصحتهم والصعوبات التي يواجهونها من أجل السفر.

ووفقًا للباحثين، تمتلك شمال إنجلترا أسوأ النتائج الصحية في البلاد، إضافة لافتقارها إلى مرافق النقل المناسبة في العديد من مناطقها.

وطُلب من المشاركين في الدراسة الإبلاغ عن موافقتهم أو عدم موافقتهم على خمس نقاط، ركز كل منها على معوقات سفر محددة:

  1. “أسافر بعيدًا عن محل إقامتي أقل مما أرغب فيه”
    قيد تكرار السفر
  2. “أسافر إلى أماكن أقل (على سبيل المثال، مدن أو بلدات خارج محل إقامتي) مما أرغب فيه”.
    قيد عدد أماكن السفر
  3. “أسافر إلى أماكن أقرب من تلك التي أرغب بالذهاب إليها”.
    قيد مسافة السفر
  4. “أسافر بوسائل النقل العام إلى أماكن أود الذهاب إليها بالسيارة”.
    قيد السفر بالسيارة
  5. “أسافر بالسيارة إلى أماكن أود الذهاب إليها بوسائل النقل العام”.
    قيد إمكانية الوصول إلى وسائل النقل العام

وبناءً على ردود الاستطلاع، خلص المؤلفون إلى أن الأفراد الذين تمكنوا من السفر لمسافة 15 ميلًا على الأقل بعيدًا عن محل إقامتهم، والذين تمكنوا من السفر بشكل متكرر ورؤية المزيد من الأماكن أبلغوا عن صحة أفضل.

وكان الارتباط بين السفر والحالة الصحية أقوى عند المشاركين الذين تبلغ أعمارهم 55 عامًا أو أكثر.

التفاعلات الاجتماعية المقيدة:

وفقًا للمؤلف الرئيسي الدكتور باولو أنسيس Dr. Paulo Anciaes، أثبتت الأبحاث السابقة أن القدرة على السفر يمكن أن تزيد فرص كل من الحصول على عمل والتعليم. وكان يأمل، لأول مرة، في البحث عن تأثير السفر على الصحة.

وقال ل Medical News Today إنه تم اختيار شمال إنجلترا كمنطقة للدراسة لأنها متخلفة عن بقية البلاد، كما قال: “إحدى الأولويات الرئيسية للحكومة هي تطوير الشمال والمناطق المتخلفة الأخرى”.

وأشار الدكتور أنسيس إلى أن “النتائج الصحية التي تأتي من الشمال دائمًا سيئة مقارنةً بالجنوب، كما تشير الإحصاءات والدراسات إلى أن تفسير ذلك هو انخفاض الدخل بشكل أساسي، وحاولت دراستنا الكشف عن أسباب محتملة أخرى، ووجدنا أن القدرة على السفر هي واحدة منها”.

لتقييم تأثير السفر على الصحة، استخدم الدكتور أنسيس والدكتور المشارك في البحث، بول ميتكالفي Dr. Paul Metcalfe، تقنية تسمى “تحليل المسار” التي مكنتهما من مراقبة الآثار المباشرة وغير المباشرة لمتغير على آخر.

واكتشف الباحثان أن حصر عدد الأماكن التي يمكن للشخص الذهاب إليها وقلة فرص التواصل الاجتماعي، ارتبطا ارتباطًا مباشرًا بضعف الصحة.

من ناحية أخرى، إن تقييد تكرار السفر أثر سلبًا على الصحة بشكل غير مباشر. “قيود السفر مرتبطة بشكل كبير بالمشاركة الاجتماعية، والمشاركة الاجتماعية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة”.

كما يمكن أن يكون للسفر خارج محل الإقامة تأثير مباشر على الجودة الصحية، حيث أنه قد يسمح للناس بالوصول إلى خيارات رعاية صحية أكثر، وربما أفضل مما قد يكون متاحًا لهم بالقرب من المنزل.

تأثير التواصل الاجتماعي على الصحة:

قالت الدكتورة إليزابيث بيج فراتس Dr. Elizabeth Pegg Frates؛ أستاذة طب أسلوب الحياة، التي لم تكن أحد المشاركين في الدراسة، ل MNT (Medical News Today):

“من الواضح أن التواصل الاجتماعي هو حاجة إنسانية أساسية. فبعد حاجتنا الى الماء والغذاء والمأوى، فإننا بحاجة للانتماء أو التواصل الاجتماعي”.

قالت الدكتورة فريتس إن هناك بحوث كثيرة تصف التأثير الذي يمكن أن يحدثه نقص التواصل الاجتماعي على الصحة: “بحث منذ عام 1979 أظهر أن الأشخاص الذين يفتقرون إلى الروابط الاجتماعية والمجتمعية هم الأكثر عرضة للوفاة في دراسة مستقبلية دامت تسع سنوات. ومع قلة التواصل الاجتماعي غالبًا ما تتولد مشاعر الوحدة”.

وأشارت إلى أنه “تم الإبلاغ عن ارتباط الوحدة بالنوبات القلبية، والسرطان وتأخر التعافي منه، وتطور أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وتباطؤ التئام الجروح”. أيضًا: “دراسة حديثة أشارت إلى أن الشعور بالوحدة قد يرتبط بتطور مرض السكري من النوع 2”.

وشاركت الدكتورة فريتس في تأليف مقال في المجلة الأمريكية لطب أسلوب الحياة the American Journal of Lifestyle Medicine، يصف الفوائد الإيجابية للتواصل الاجتماعي على الصحة.

أهمية وجود إمكانية للسفر:

قال الدكتور أنسيس: “أظهرت الدراسة أن إمكانية السفر مهمة لصحة السكان، ويترتب على ذلك ضرورة إزالة القيود المفروضة على السفر”.

وأشار إلى أن أحد هذه القيود هي عدم كفاية خدمات النقل، لا سيما في المناطق الريفية، وعدم توفر خدمات النقل بعد ساعات الذروة اليومية، أو في عطلات نهاية الأسبوع، وأيضًا أثناء العطلات المدرسية.

كما يمكن أن تمثل تكلفة النقل مشكلة، وكذلك الافتقار إلى الأمن الشخصي، والمرافق المزدحمة، وصعوبة إمكانية وصول المسافرين الأكبر سنًا والمعاقين.

اقترح الدكتور أنسيس بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في أن يكونوا قادرين على السفر أكثر بالسيارة ولكن تعيقهم تكاليف امتلاك واستخدام واحدة: “على السلطات ذات الصلة أن تقدم إعانات للأسر الفقيرة التي تستخدم سيارات خاصة والتي تعيش في مناطق لا تتوفر بها وسائل نقل عام”.

وأشار الدكتور أنسيس إلى أن تحسين وسائل النقل العام سيجعل قيادة السيارات أسهل من خلال تقليل عدد مركبات النقل على الطريق.

لم تكن الدكتورة باتريشيا إل مختاريان Dr. Patricia L. Mokhtarian؛ من كلية الهندسة المدنية والبيئية-معهد جورجيا للتكنولوجيا، أحد المشاركين في الدراسة، لكنها أيدت أهمية السفر، حيث أخبرت MNT بعبارات لا لبس فيها أن “السفر ضروري للصحة والرفاهية، إذا لم نتحرك، فنحن ميتون”.

ومع ذلك، اعترفت بأن الترويج للسفر “يشكل نوعًا ما مشكلة من ناحية التخطيط، مع الأخذ في الاعتبار العبء البيئي المتزايد الناتج من سفر المزيد من الناس”.

ومع ذلك، قالت الدكتورة مختاريان: “إن فوائد الرفاهية متعددة، وهناك عدد لا بأس به من المؤلفات بخصوص هذا المجال، بما في ذلك الكثير من أعمالي الخاصة”.

  • ترجمة: منى اعجاز
  • تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
  • المصادر: 1