هل ترند ‘متلازمة الفتاة المحظوظة’ على تطبيق تيكتوك مجرد تفكير قديم سحري؟
‘متلازمة الفتاة المحظوظة’ عبارة رائجة مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي فماذا تعني؟
تقنية جديدة لتحقيق أهداف المرء تنتشر بشكل كبير على تطبيق تيكتوك.
قد يبدو ما يسمى ب ‘متلازمة الفتاة المحظوظة’ كحالة يرغب معظم الناس بعيشها، لكن النفسية التي تقف وراءها مهتزة في أحسن الأحوال، مضللة في أسوئها.
لتكوني ‘فتاة محظوظة’ عليكِ الإعلان عن نفسك على أنك محظوظة ومزدهرة وغنية الآن، كقول: “كل ما أحتاجه في طريقه إليَّ الآن، وأنا جاهزة لاستقباله”.
لا تقتصر هذه النصيحة على تيكتوك، فقد نشرت فتاة باسم ‘هات هاي بريستس’ مقطع فيديو على تطبيق إنستغرام تقول فيه: “أنا قوية متحكمة بواقعي، أجذب كل ما هو جيد في هذا الكون، وأعيش في حالة من السعادة الدائمة”.
كما أشارت مؤخرًا الكاتبة ‘ريبيكا جينينغز’ في موقع ‘فوكس’، فإن الفكرة تذكر بقانون الجذب والفلسفات الأخرى الموصوفة في كتاب المساعدة الذاتية المؤثر ‘السر The Secret’ للكاتبة ‘روندا بيرن’ ودار النشر ‘سيمون آند شاستر، 2006’.
يستغل قانون الجذب فكرة أن الناس يمكنهم تحقيق كل ما يريدون في الحياة بمجرد التفوه به، وبالمثل، فإن متلازمة الفتاة المحظوظة تحفز الأفراد على تكرار جمل سحرية مثل “الأمور تسير لصالحي بغض النظر عما تبدو عليه في أي وقت” و”سأجذب كل ما أرغب به”.
قد تحصد مقاطع فيديو الفتاة المحظوظة على تيكتوك ملايين المشاهدات حاليًا، لكن عالم النفس وأستاذ العلوم السلوكية والصحة في University College London في بريطانيا ‘روبرت ويست’ صرح لموقع ‘لايف ساينس’ أن هذه التقنية قد شوهدت مرات لا تحصى مسبقًا، وأضاف: “يبدو أن متلازمة الفتاة المحظوظة هي الأحدث في تاريخ طويل من التفكير السحري الذي نجده نحن البشر خلابًا”.
يُعرَّف التفكير السحري في ‘الموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica’ بأنه: {الاعتقاد بأن أفكار المرء أو أفعاله أو كلماته أو استخدامه للرموز يمكن أن يؤثر على مسار الأحداث في العالم المادي}.
أضاف ‘ويست’ أيضًا: “كمعظم أشكال التفكير السحري، تعتمد متلازمة الفتاة المحظوظة على ذرة من الحقيقة لكن سرعان ما تتحول إلى خيال، ذرة الحقيقة هي ‘أن الناس يصنعون حظهم بأنفسهم’، ويأتي التحول للخيال من فكرة أنه يمكننا التأثير على العالم من حولنا فقط عبر التخيل، لكن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يؤثر بها البشر على مصيرهم هي من خلال أفعالهم. هذا لا يعني أنه من السيئ بطبيعته أن تملك نظرة إيجابية للحياة، لكن هذا مختلف، فالخطر في اعتقادنا أننا نستطيع تحقيق الأشياء بمجرد تخيلها يكمن في أن هذا الاعتقاد يمنعنا من القيام بالأشياء التي تجعل حياتنا وحياة الآخرين أفضل”.
إذا كانت إحدى النتائج المحتملة لمتلازمة الفتاة المحظوظة هي فشل الناس بالقيام بفعل، فالنتيجة الأخرى هي أنهم سيتخذون قرارات سيئة، مستندين على فكرة أن كل شيء سينجح في النهاية، ذلك لأن هذه الفلسفة قد تشجع ‘الوهم الإيجابي’، الذي عرّفته جمعية علم النفس الأمريكية ‘APA’.
بأنه: {اعتقاد ممتع أو إيجابي حول الذات نؤمن به بغض النظر عن حقيقته}.
في عام 2015 حددت مراجعة في مجلة ‘رواد في علم النفس Frontiers in Psychology’ بعض مخاطر تصديق الأوهام الإيجابية، حيث عدت التفاؤل غير الواقعي والشعور المفرط بالإيمان بالذات مشاكل محتملة، بحثت المراجعة في آثار هذا التحيز على اتخاذ القرارات عالية الخطورة وكيف يمكن أن يؤدي وهم السيطرة إلى عواقب سلبية. على سبيل المثال، قد يكون المرء أكثر تهورًا في المقامرة عند امتلاكه وهمًا إيجابيًّا بأن فرصه في الفوز أعلى مما هي عليه في الواقع، كما يشير المؤلفون، وإن شاءت الصدفة أن تؤتي مقامرة الشخص المحفوفة بالمخاطر ثمارها، فقد ينسب هذا الربح إلى قوة التفكير السحري.
يميل دماغ الإنسان للبحث عن الأنماط ويربط أحيانًا بين حدثين على الرغم من عدم ارتباطهما في الواقع، تسمى هذه الظاهرة ‘الوهم السببي’. وفقًا لورقة بحثية نُشرت عام 2017 في مجلة ‘الوعي والإدراك Consciousness and Cognition’، يعد التعرف على الأنماط مفيدًا في الحالات التي يكون فيها النمط موجودًا بالفعل، على سبيل المثال، يمكنك إدراك أن النبات ينمو بشكل أفضل في ظل ظروف معينة فتوفر له هذه الظروف.
ومع ذلك، تشير ورقة بحثية نُشرت عام 2020 في ‘المجلة البريطانية لعلم النفس British Journal of Psychology’ إلى أن الوهم السببي يزيد من احتمالية تصديق الناس للنظريات العلمية الزائفة، كظاهرة الفتاة المحظوظة.
قال ويست: “متلازمة الفتاة المحظوظة لا تختلف كثيرًا عن ‘الربح المتتالي’ أو ‘الحدس’ عند المقامر، الشيء الخبيث في كلتا الحالتين أنه يمكن للناس الإشارة إلى أمثلة يبدو أنهم قد أثبتوها، شخص ما يفوز في اليانصيب باستخدام بعض التفكير السحري سيدعي أن التفكير السحري هو الذي فعل ذلك، هو بالطبع لم يفعل، وملايين الأشخاص الآخرين شهود على حقيقة أن التفكير السحري لم ينجح معهم”.
على حد قول ‘ليزلي غاتمان’، أستاذة علم النفس التطبيقي التنموي والصحي في University College London في إنكلترا: “تعكس متلازمة الفتاة المحظوظة أيضًا مفهومًا يسمى ‘التفاؤل المكتسب’ في بعض النواحي”.
حيث صرحت ل ‘لايف ساينس’: “هذه عادة مكتسبة تتمثل في رؤية أنفسنا والعالم من منظور إيجابي، إنه الإيمان بأن الأشياء الجيدة ستحدث باستمرار في جميع مجالات حياتنا”.
وفقًا ل ‘APA’ يرى من لديه تفاؤل مكتسب أن المشكلات عابرة وعادة ما تُعزى إلى عوامل خارجية محددة، أكثر من كونها ناتجة عن جوانب ثابتة في حياته أو نفسه.
من ناحية أخرى، تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص المتفائلين يكونون أكثر تحفيزًا من الأشخاص المتشائمين ويُظهرون سلوكًا أكثر تركيزًا على الهدف، ما قد يؤدي إلى نجاح أكبر في حياتهم المهنية، كما أشارت ‘غاتمان’.
وقالت: “المهم، مع ذلك، هو أن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ‘محظوظين’ لا يعزون نجاحهم إلى الحظ بل يدركون أن عملهم الجاد يلعب دورًا رئيسيًا في إنجازهم”.
في هذا الصدد، يمكن لمتلازمة الفتاة المحظوظة أن تساهم في التحيزات الضارة، ما يديم فكرة: “عندما تنجح النساء يكنّ ببساطة محظوظات، ما يقلل من شأن قدرتهن وعملهن الجاد”، كما أشارت غاتمان.
قد يأتي التفاؤل المكتسب بسهولة أكبر لأولئك الذين يتمتعون بامتيازات اجتماعية، فعندما تسير الأمور على ما يرام، لن تحتاج لقفزة ذهنية كبيرة لتكون متفائلًا. تنتشر الظاهرة المعاكسة، أي العجز المكتسب، في المجتمعات الفقيرة.
يشير تقرير نُشر عام 2014 في مجلة ‘علم النفس العيادي Clinical Psychological Science’ إلى أن فقر الأطفال له آثار طويلة المدى على الصحة العقلية وأن أولئك الذين عانوا من الفقر في طفولتهم أظهروا قابلية أكبر للإصابة بالعجز المكتسب في وقت لاحق من حياتهم.
باختصار، في حين أن التفاؤل وتقدير الذات الجيد يمكن أن يساعدنا في تحقيق أهدافنا، من المهم ألا نقع في فخ التفكير السحري أو الأوهام الإيجابية، يقول الخبراء أنه من الأفضل تعزيز قدراتك الخاصة والفخر بها بدلًا من الاعتماد على القوة الغامضة للتجلي.
- ترجمة: راما الحسين
- تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
- المصادر: 1