دراسة: ربما تتألف المادة المظلمة من ثقوب سوداء نشأت في بداية الكون

قدم الفيزيائيون نموذجًا جديدًا لشرح المادة المظلمة، يقترحون فيه أن المادة المظلمة قد تتألف من ثقوب سوداء أولية نشأت في اللحظات التالية للانفجار العظيم. وذكروا في نموذجهم أن كتل الثقوب السوداء تختلف فيما بينها بنحو شديد، وهذا يناقض النظريات السابقة التي توظف الثقوب السوداء لتفسير المادة المظلمة. وهذا لا يتوافق والأدلة الملحوظة على وجود المادة المظلمة وحسب، مثل سرعات الدوران الكبيرة غير المفهومة للنجوم في بعض المجرات، بل ويخفف التصادم بين فهمنا الحالي لتطور الكون والأرصاد الفلكية.

المادة المظلمة هي شكل غير معروف من المادة، وقدّر أنها تؤلف نحو 85% من المادة الكونية. وحاول الفيزيائيون تفسير أصلها وطبيعتها بالعديد من النظريات، والفرضية التي راجت طويلًا أنها تتكون من جسيمات افتراضية ضخمة تتفاعل بفتور، وسميت الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs). ولكن هذه الجسيمات لم ترصد في أي تجربة على الأرض، لذا مال الباحثون إلى البحث عن بديل لهذه الفكرة.

في العام 1971، اقترح ستيفن هوكينغ أن المادة المظلمة تتكون من جسيمات ضخمة ضعيفة التفاعل، لأن الإشارات المرصودة من الثقوب السوداء الأولية كانت تطابق المادة المظلمة المؤلفة من جسيمات ضخمة ضعيفة التفاعل. ولكن الأرصاد الفلكية الحديثة تفرض قيودًا شديدة على هذا النموذج. فالتحليل المفصل لمسارات ضوء النجوم البعيدة، ومراقبة انفجارات السوبرنوفا (المستعر الأعظم)، ونمذجة تطور المجرات القزمية كلها يمنع أن تتألف المادة من ثقوب سوداء ما دامت كتلتها تقع في نطاق ضيق.

عودة إلى النموذج الجديد، تتوافق نتائج هذا النموذج، المستند إلى جسيمات ضخمة ضعيفة التفاعل، ومعظم النماذج التقليدية عن المادة المظلمة فيما يخص تفسير طبيعة الكون في عمره الحالي. ولكن الأمر يبدأ بالاختلاف عند تطبيقه على مراحل مبكرة من الكون، حين كان عمره أقل من مليار سنة. إذ إن تنبؤات النموذج الجديد، بشأن تشكل النجوم وخصائص طيف إشعاع الخلفية الكوني، يتعارض والنموذج الكوني القياسي. واختلاف التنبؤات الأشد -عن النموذج القياسي- هو حين كان الكون لا يزيد عمرًا عن 700 مليون سنة، ولكن المراصد الحالية لا يمكنها توفير بيانات تجريبية موثوقة من تلك الفترة.

نظرية جديدة لشرح الظواهر غير العادية

قاد نيكو كابيلوتي، الأستاذ الفيزيائي المساعد في جامعة ميامي، فريقًا من الفيزيائيين من إسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية. وحللوا نموذجًا لمادة مظلمة تتألف من ثقوب سوداء أولية تتراوح كتلها بين كتلة كويكب ثقيل إلى كتلة قدرها مئات ملايين الكتلة الشمسية.

ووفقا لفرضيتهم، يجب أن تختلف كتل الثقوب السوداء الأولى بسبب ولادتها في مراحل مختلفة من تطور الكون الفتي، حين كان ضغط المواد وحرارتها يختلف جدًا حسب الوقت. فعندما كانت الجسيمات الأولية تتحول إلى نوع آخر في أثناء توسع الكون وانخفاض حرارته بعد الانفجار العظيم (على سبيل المثال، تحول الكواركات بالاندماج إلى بروتونات ونيوترونات وبيونات)، كان ضغط «حساء الجسيمات الأولية» ينخفض جدًا، ما يؤدي إلى انهيار مناطق في الفضاء ذات كثافة طاقة عالية وتحولها لثقوب سوداء أولية.

طبع الباحثون نسخة أولية من دراستهم لم يستعرضها النظراء بعد، وادعوا فيها أن المادة المظلمة تشكل تجمعات أنشط في نموذجهم مما في النظريات التي اقترحت أن المادة المظلمة مؤلفة من ثقوب سوداء ذات نطاقات كتلة ضيقة. وهذا يساعد في تجنب القيود الصارمة التي تفرضها الأرصاد السابقة والمحاكاة الحاسوبية.

لا توفر النظرية الجديدة نموذجًا معقولًا للمادة المظلمة وحسب، بل تحل بعض التناقضات بين التنبؤات الكونية والبيانات الفلكية. مثال على ذلك، يتوافق توقعها للتكتل النشط للمادة المظلمة والعدد الكبير من المجموعات الصغيرة من المادة المظلمة التي دلت الأرصاد الفلكية على وجودها. بل ويتنبأ النموذج أيضًا بميلاد ثقوب سوداء هائلة بنحو فوري تقريبًا بعد الانفجار العظيم. وقد رُصد وجود هذه الثقوب السوداء في الكون الأولي. ولكن وجودها يتعارض والنموذج الكوني القياسي، الذي تتكون فيه المادة المظلمة من جسيمات ضخمة ضعيفة التفاعل، لأنه يتنبأ أن الثقوب السوداء الأولى نشأت من نجوم ضخمة كان عليها استهلاك المادة مليارات السنين لتصبح فائقة الكتلة.

تساعد النظرية الجديدة أيضًا في تفسير وجود أزواج من الثقوب السوداء ذات كتلة إجمالية تقدر بأكثر من 100 كتلة شمسية. وعلى الرغم من أن النموذج الفلكي للنجوم الثنائية يحظر تشكل مثل هذه الثقوب السوداء، فقد رُصدت وهي تندمج وتتحول إلى ثقب أسود أكبر بفضل مرصد الموجات الثقالية بالتداخل الليزري (LIGO)، ومقياس التداخل فيرجو. ويعتقد الباحثون أن هذه يمكن أن تكون الثقوب السوداء الأولية التي ولدت في مرحلة تشكيل البيون في بداية الكون.

يأمل علماء الفيزياء أن المشاهدات المستقبلية لتلسكوب جيمس ويب الفضائي، وأثينا وإقليدس، ومصفوف الكيلومتر المربع الأرضية ستختبر نظريتهم. ويتوقع النموذج الجديد للمادة المظلمة تكرارًا أكبر لاندماج الثقوب السوداء في الكون الأولي، والتي من المحتمل أن تُرصد في الأرصاد اللاحقة لمرصد الموجات الثقالية بالتداخل الليزري LIGO، أو تجارب هوائي مقياس التداخل الليزري الفضائي LISA المخطط لها.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
  • المصادر: 1